د. فاطمة الصمادي
ثقافات- “أنا تلقيت الصفعة، انتظر بدورك صفعاتي”. مقولة رفعها مخرج فيلم “دورية الإرشاد” سعيد سهيلي، الذي سُحب فيلمه من دور العرض أخيراً وسط ردود فعل متباينة.
والفيلم الذي وصل إلى شاشات العرض بعد حذف الكثير من مشاهده، يبحث قضية شغلت المجتمع الإيراني، وتصدرت أحاديث الساسة والمثقفين، وهي قضية “شرطة الإرشاد” التي تجوب الشوارع “لمواجهة” ما يطلق عليه “الحجاب السيئ” و”المظاهر غير الإسلامية في لباس الفتيات والشبان”.
وتنتشر دوريات الإرشاد على مداخل الميادين. ويراقب عناصرها من رجال ونساء الملابس الضيقة وأغطية الرأس والأحذية المفتوحة للنساء، ويجري التركيز على قصات الشعر الغربية والملابس “غير المألوفة” بالنسبة للرجال. وتطال الخطة، التي بدئ بتطبيقها قبل أكثر من ثلاث سنوات، مراقبة الشركات وأماكن العمل.
,راوحت ردود الفعل تجاه الفيلم بين مؤيد يدافع عنه ويدين وقف عرضه، وبين معارض يعتبره فيلماً يتناقض مع القيم الاجتماعية كما وصفه رئيس مجلس الشورى السابق النائب حداد عادل.
وعلى الرغم من المنع، إلا أن الفيلم وكذلك المشاهد المحذوفة منه، وجدت طريقها إلى المُشاهد الإيراني على شكل أقراص DVD تنتشر في أماكن عدة من طهران.
ولعل التغيير الذي طال اسم الفيلم يؤشر إلى حالة التجاذب بشأن هذه القضية بأبعادها السياسية والاجتماعية. فبعدما كان الإسم “گشت ارشاد” (دورية الإرشاد) أُضيفت علامتا استفهام وتعجب للإسم ليصبح “گشت إرشاد؟!” في محاولة للتخفيف من حدة تداعيات ومدلولات الإسم الذي صار كثير التداول في المجتمع الإيراني.
على غلاف الفيلم يكتب المخرج سعيد سهيلي عن فيلمه ما يشبه الشهادة، عما بات يواجه العمل السينمائي والإبداعي عموماً في إيران، وخصوصاً خلال فترة الرئاسة النجادية التي توصف بأنها الأسوأ في تاريخ السينما الإيرانية. يقول سهيلي: “في ما يتعلق بفيلم “گشت ارشاد”، لايجب أن يقال شيء. ما يجب فعله هو الجلوس ومشاهدة الفيلم. وليس مهماً أنني انتظرت عدة أشهر للحصول على إجازة صناعة هذا الفيلم. وليس مهماً ما واجهته من مصاعب خلال تصويره. وليست مهمة أيضاً الظروف غير المناسبة التي أحاطت بعرضه. وليس مهماً كذلك أنه سحب من العرض في طهران، ولم يجد طريقه ليشاهده الناس في المحافظات.. أن احترق أنا نفسي مع الفيلم ليس مهماً.. لكن المهم أنني ومع كل هذا الإجحاف، لن أتوقف عن صناعة الأفلام”.
ولعل ما يواجهه أهل السينما من تضييق ورقابة، يشبه إلى حد بعيد وقائع ما يجري في الشارع من رفض لـ”فرض الأخلاق على الناس”.. ولعل النقد العالي اجتماعياً وسياسياً الذي حمله المشهد الأخير في الفيلم كان سبباً لمنعه. فبعد خروجهم من السجن يدور حوار حول الشكل الذي ستكون عليه حياة السجناء في المجتمع. هل سيكونون ذئاباً أم حملاناً؟ ليأتي الجواب على لسان أحدهم : “الظروف هي التي ستجعل منا ذئاباً أو حميراً أو حملاناً. لكن في كل الأحوال إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب”.
قريبا ستبدأ مجريات التنافس للانتخابات الرئاسية الحادية عشرة، وستطفو على سطح النقاش العام قضايا عديدة، وستكون في مقدمها قضية الحريات العامة والشخصية.
ولن تكون “دوريات الإرشاد” وملابس الشابات وقصات شعر الشبان بعيدة عن الصراع السياسي والانتخابي بين الأطياف السياسية المختلفة.
وستواصل شرطة الإرشاد الدفاع عن نفسها بالزعم أنها تنفذ صلاحياتها التي منحها لها قانون العقوبات الاسلامي. فالمادة 638 تنص صراحة على مسؤولية الشرطة في مواجهة هذه المخالفات. وكان ديوان الدولة العالي قد رفض العام الماضي شكوى تقدم بها 40 محامياً ضد قوات الأمن العام بسبب تنفيذ الخطة، واعتبرها غير قانونية، وأن قوات الأمن لا تتجاوز الصلاحيات الممنوحة لها.
ولا يبدو أن السلطة القضائية ستتراجع عن دعمها للخطة، فهي ما زالت ترى أن الأمن يملك الحق قانونياً بتذكير النساء “ذوات الحجاب السيئ” بضرورة “إصلاحه”.
وعلى الرغم من عدم امتلاك الحق في الاعتقال، إلا أن المادة 638 من قانون “المجازاة الاسلامي”، تغرّم المرأة التي لا تلتزم بقواعد الحجاب أمام العامة، بالحبس عشرة أيام أو الغرامة بما تراوح قيمته بين 50 دولاراً الى 500.
وكما فعل نجاد في حملتيه السابقتين عندما صرّح: “شبابنا ومهما كانت طرز لباسهم أو قصات شعرهم، أعزاء علينا ويجب أن نعاملهم بلطف”. وكذلك هاشمي رفسنجاني الذي اثار انتقادات عدة عندما شاركت شابات صغيرات ببناطيل قصيرة في حملته الانتخابية. سيتبارى المرشحون في التشديد على “حفظ كرامة المواطنين وحرياتهم” في بلد ثلثا سكانه من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، وتشكل النساء أكثر من 50% من مجموع السکان.
حاول نجاد أن يصلح الأمر مع النساء اللواتي اتهمنه بـ”الكذب”، لأنه أخلف وعده بشأن حملات شرطة الإرشاد، واستغل کعادته مقابلاته المباشرة على شاشة التلفزيون الإيراني ووجه انتقادات حادة لهذه الإجراءات، ووصفها بأنها “مهينة وغير قانونية”. لكن انتقاداته قوبلت بعاصفة غاضبة من رجال دين وخطباء مساجد وبرلمانيين اعتبروها مخالفة للشرع ولدستور الجمهورية الإسلامية.
تعود القضية إلى واجهة النقاش من دون أن تتراجع حدة الجدل بشأنها، بين مؤيد يرى أن “من حق الدولة أن تطبق التشريعات التي تحفظ أمن مجتمعها أخلاقياً”، ومخالف يرى فيها “انتهاكاً للحريات الشخصية للمواطنين، وتدخلاً للأمن في قضايا ليست من صلاحياته”. وستبرز المسألة على شكل خلاف بين الأطراف المتنافسة. سيحاول كل طرف أن يعطي وعوداً وضمانات، لتبدأ دورة جديدة من عمر إشكالية قانونية واجتماعية وسياسية تتعلق بقضايا الحريات بدأ النقاش بشأنها منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولم ينته إلى اليوم.