استضاف بيت الشعر في ابوظبي التابع لنادي تراث الإمارات مساء أمس الأول في مقره بمركز زايد للدراسات والبحوث في مارينا البطين، الشاعر العراقي كاظم جهاد، أستاذ الأدب العربيّ القديم والأدب المقارَن في المعهد الوطنيّ للّغات والحضارات الشرقيّة في باريس . في امسية شعرية حضرها حبيب الصايغ مدير عام مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام وعدد من الشعراء والمثقفين .
قدّم الأمسية الشاعر جهاد هديب فعرف بالشاعر وعرّج على محطات من مسيرته العلمية والثقافية، وقال: إن من يقرأ نتاج كاظم جهاد الشعري سوف يلحظ أنه من الصعب تصنيفه في إطار حقبة أو جيل، قصيدته بسيطة لكن صوره الشعرية عميقة، يشعر القارئ أن لكل صورة استقلاليتها وايقاعها القائم على علاقات التجاور بين الكلمات داخل معمار أو بنية القصيدة ككل” .
وأشار هديب إلى أن الملمح الأساسي في شعر كاظم، الذي تأصل في ديوانه الأخير “معمار البراءة”، هو المنفى، الذي يهيج في نفسه لواعج الشوق والحنين، فثمة وطن ومنفى يتنازعان ذات الشاعر وذكرياته .
قرأ كاظم عدداً من قصائده النثرية من بينها: “عودة”، “جلود مستعارة”، “عراقيون”، “هزيمة النسر”، “الذكرى”، “الأرض المطلقة”، “إلى رقيب”، “مأثرة”، “تجريد”، “الزمن المستعاد”، “باقات”، “جنوب”، “ارتطام”، “اللغز”، وتنقل فيها بين الحنين والشكوى من لوعة الغربة والمنفى مرتحلا، متوقفا في محطة مسافرين، عائدا بذاته، ومستحضرا ما خامر روحه من ذكريات ونداءات جعلته يبوح بما خالجه من إحساس بالخوف والرهبة من حقيقة أيامه حيث يقول:
سأقول فحسب
إن خوفاً تلبسني
ولسنوات لا تعد
جعلني أرهب حقيقة أيامي
المنفى ملهم للشاعر في وصفه وتعبيره، وطاغ على صوره وتشبيهاته، عبّر عنه بمعاني مختلفة لكنها مؤتلفة في الوقت نفسه، استحضر فيها وطنه وذاته المشتتة بين غرب وشرق، وحاول الانتصار عليها وعلى هواجسه في “جلود مستعارة، حيث يقول:
“الآن ينتظرني الجهد الأعظم، الوثبة العالية التي تعيد رتقي من عدمي وتغطي عريي وتهبني أن أكون” .
وفي قصيدة “جنوب” هام الشاعر في صمت متأملاً في وطنه، العراق، ومحاولاً رسم ما تعالق في ذاكرته من أشياء المكان، وما استقر في خلده ووجدانه منها حيث يقول:
صامتا أرى إليهم يبتعدون
بخطوة واحدة يجتازون السياج
المدى المزنر بسامق النخل
سرعان ما يبتلع أطيافهم
نقطة صغيرة متلاشية
يصبح الواحد منهم في خاتمة الأفق
كنت أود لو أني أعلق بمصير الواحد منهم
كالخنجر العالق بحزامه، كنت أود
لو أصبح فاصلة أو همزة في سفر مصائرهم المكتملة
إلى أن يقول:
حشرات الريف
أعرف أزيزها في سائر تنويعاته
غابات
غابات النخل بعوالمها المكتظة
أعرف ما يدور فيها من ولادات
وطيور الريف
أميزها بعضا عن بعض من نبرة الشدو لا غير
باكراً تعلمت أن أغافل الخنازير البرية
فهي لا ترى من طرف العين
الموتى الصغار
بجثثهم الطافية على الماء أنا يتيمهم كلهم .
كاظم جهاد أديب وشاعر عراقي مقيم في فرنسا، يعمل أستاذاً للأدب العربيّ القديم والأدب المقارَن في “المعهد الوطنيّ للّغات والحضارات الشرقيّة” بباريس . أصدر مجموعات شعريّة عديدة، ومؤلّفات نقديّة آخرها “حصّة الغريب دراسة في شعرية الترجمة وترجمة الشعر عند العرب”، وترجم إلى العربية أعمال عدد من الشعراء والمفكّرين الغربييّن من بينهم آرتور رامبو وراينر ماريا ريلكه وجيل دولوز وجاك دريدا، نال جائزة الترجمة من وزارة الثقافة الإيطالية في عام 2006 عن ترجمته ل”الكوميديا الإلهية” لدانتي أليغييري، وهو حاليّاً عضو اللجنة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب .
– الخليج