رجاء : اقرأ هذا الكتاب ؛ كي لا تُخدع ..! *


ليلى البلوشي

  أقرّ بأنانيتي طوال تلك الأعوام ، أعوام عمر هذا الكتاب الذي يدعى ” هندسة الكلام ” ؛ كان معي .. احتفظت به كما يحتفظ الإنسان بمخزون ثمين لا يرغب في مشاركة الآخرين فيه ..! لكنني أيضا مع وقوع تهمة ” التوحد ” للاحتفاظ بهذا الكتاب كملكية فردية ؛ أقر ّبالأسباب التي قتلت حمية الإيثار في نفسي لتتزاحم في سبب واحد هو أن عقلي قصر عن فهمه واستيعاب أسرار بلاغته ، واليوم في عرضي له لا ادعي مطلقا فهمي الشامل لشخصية هذا ” الكتاب ” الذي ينزع بحميمية خاصة ولغة وبلاغة متفردة ، بل سيرة لا يمكن أن تتكرر في زمن غدا الابتكار فيه صفة ” نادرة ” كوجود ” إنسانية ” نادرة ..
ولا يمكنني الحديث عن الكتاب دون سيرة صاحبه ، إن ذاكرتي التي أفاخر دائما بوفائها تلح علي ؛ فالمؤلف الدكتور ” إبراهيم الغنيم ” هو الرجل الذي نهلت منه في الجامعة الأدب والبلاغة ، وبعد الجامعة أصول البرمجة اللغوية العصبية في إحدى دورات التدريبية التي طفق على تنظيمها في معظم أنحاء دول العالم ومازال ، فطموحه لم يكتف بسعته في آفاق الأدب والبلاغة بل تخطاها إلى علوم البرمجة والنفسيات ، وثمة مقولة كان قد وافقني عليها زملائي وزميلاتي في الجامعة في وقت مضى حينما نعتنا هذا الدكتور بـنعات متعددة ” الغامض ” و ” الفيلسوف ” و ” غريب الأطوار ” ، لأنه جاءنا بعقلية لم يتعود عليها العرب وسأورد مثالا واحدا ليشاركني القراء الدهشة التي قد أرعشتنا في زمن مضى ، في إحدى الاختبارات – وكانت اختباراته تتسّم بالغرابة – وضعنا أمام ورقة بيضاء وسؤال واحد يحمل رتبة ” معّقد ” بجدارة ، وكما الحال فشل معظمنا في اقتناص الجواب الذي كان عقل الدكتور يعنيه .. وبعد تصحيحه للأوراق قال لنا ببساطة : ” لو أن أحدكم كتب في ورقة الاختبار : لا اعرف الإجابة على هذا السؤال ، لكنت وضعت له الدرجة النهائية في الاختبار بحفاوة ” ..! ومن هنا أدركت أهمية قول ” لا ” بما يُرضي قناعاتي وأن أمثولة ” الصدق ” في التعبير عن أنفسنا أبسط مما نتصور ..!
فإلي كتاب ” هندسة الكلام ” ، صفحة الغلاف تقول :
– مرجعك مدى الحياة لكشف خفايا كلام الناس : لكي لا تخدع .
– المساعد الأمين لأساليب الاتصال الراقية : لكي تكون في القمة .
– خذ حريتك .. ابدأ من أي صفحة وسجل خواطرك .
– على سلم التطور استمتع مع : هندسة الكلام للدكتور إبراهيم الغنيم .
ثم يضع المؤلف تعريف هندسة الكلام بأنه : ” يفهم مقاصد الآخرين ، ويصّرف الكلام لإسعاد الآخرين ” ..
بعد هذا التعريف الموجز ، يجد القارئ نفسه في داخل الكتاب ، وأمثلة في هندسات الكلام جاءت في 164 صفحة من القطع المتوسط ، جمعها المؤلف من خلال مصادره الخاصة هما ” الملاحظة ” و” الخبرة ” ..

من أمثلة هندسة الكلام في الكتاب *:

الكبت

O المشتري : بكم هذا المعطف ؟
البائع ( بصوت خافت جدا ) : بثلاثمئة وخمسين .

Ω يتكلم بصوت خافت جدا على غير عادته ؛ ليغطي مشاعر الحرص على الربح ، وليقلل قيمة المعطف في نفس المشتري .

 لنغمة الصوت دلالة أخرى توخذ في الحسبان .

O الأم غاضبة : هيفاء .. لماذا تركت الصحون على المائدة حتى الآن ؟
هيفاء : آسفة . والله يا أماه كنت ناسية .

Ω ضعفت ثقة الأم بابنتها فغضبت الأم معتقدة أن هيفاء تركت الصحون متهاونة .

 تتيح اللغة أدوات من أجل تقوية ثقة المتكلم في نفس المخاطب .

O أنا بنفسي قابلت أكثر من غواص متدرب كاد يهلك في ذلك المكان ، لذا فإنه – من وجهة نظري – لا بد من إغلاق هذه المنطقة مؤقتا .

Ω أخذ المتكلم احتياطه لرد التأويل أو سوء الفهم المتوقع من السامع .

 الاحتراس وسيلة حماية ممتازة لكي لا يقع المتكلم نتيجة سوء فهم .

والكتاب إلى جانب تلك الهندسات الدقيقة في لغة الكلام ، والتي تنقذنا من محاولة خداع الآخرين لنا أثناء كلامهم ، إضافة إلى أنها تمدنا بأسرار دفة الحديث ببراعة ، حشد أمثلة جاءت كفسحة بين كل هندسة وأخرى لمزيد من الاستنارة في طلاسم الحواس .. على سبيل المثال :

Ò كان أحدهم يصلي وقد خلع عباءته وعلقها ، فجاء صديقه بطباشير ورسم على العباءة وجه حمار ، فلما عاد صاحبها ورأى الصورة قال في الحال : من منكم مسح وجهه بعباءتي ؟

Ò كان رجل يدعّي الطب فيقول للمريض : انتبه ، إياك أن يخطر على بالك القرد لمدة ثلاثة أيام ، فيذهب المريض فيخطر على باله القرد الذي حذر من المتطيب ، فيظن أن العلاج لم ينفع لذلك .

Ò سأل رجل رجلا عن عمره قائلا : كم سنك ؟ فقال : اثنان وثلاثون ، ستة عشر من أعلى ومثلها من أسفل ، فقال : لم أرد هذا ، أردت : كم لك من السنين ؟ قال : ما لي منها شيء ، كلها لله . فقال : هذا حسن ، ما سنك ؟ قال : عظم . قال : ابن كم أنت ؟ قال : ابن اثنين ، أبي وأمي . قال : أقصد : كم أتى عليك ؟ قال : لو أتى علي شيء لقتلني . قال : أرشدني كيف أقول : قال : قل : كم مضى من عمرك ؟
وفي آخر صفحة من داخل الكتاب يقول المؤلف : ” عزيزي القارئ / عزيزتي القارئة : تستطيعون البداية في الكتاب من أي صفحة .. شكرا لكم ” .

ولا يفوتنا القول بأن مؤلف هندسة الكلام ، في كل هندساته السابقات خصص سطورا سوداء منقطعة بعد كل هندسة كلامية مذكورة ؛ كي يسجل القارئ خواطره الخاصة ..

ولا أملك بعد كل ما ذكره مؤلف ” هندسة الكلام ” سوى أن أضيف صوتي إلى صوته : هندسة الكلام مرجعك مدى الحياة لكشف خفايا كلام الناس ؛ لكي لا تُخدع ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هندسة الكلام ، الدكتور إبراهيم الغنيم ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 2004م ، مصادر الكتاب : الملاحظة والخبرة ..
* الكتاب زاخم بالأمثلة ، وتلك الأمثلة أعلاه اخترتها بناء على ذوقي الشخصي ..

* ليلى البلوشي : أديبة عمانية تقيم في الامارات

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *