سحر مندور
لم يترك سينمائيو العرب وفرنسا، زميلهم في صناعة الصورة عروة النيربية وحيداً في أسره، فوقّع حوالي 350 منهم عريضة تضامنية تطالب بإطلاق سراحه من سجنٍ لا يزال مجهول الموقع. فالقصة التي كان يرويها عروة عادة بأدوات الضوء، دخلت حيّز المخفي المعتم عندما بات هو بطلها، وراحت تدور حول سردية واحدة، تعيد العين قراءتها في كل سياق، علّه يضيف ولو ملمح معلومةٍ جديدة إليها. تقول تلك السردية: اختفى السينمائي السوري، مدير مهرجان «سينما الواقع» (دوكس بوكس) عروة النيربية في مطار دمشق الدولي، وهو يتجهّز لرحلة عمل إلى القاهرة، بعدما اقتادته القوى الأمنية النظامية السورية إلى جهة لا تزال مجهولة حتى الساعة.
منذ الخميس الماضي، منذ أكثر من أسبوع، لا تزال تلك الجهة مجهولة.
فتطالب العريضة بمعرفة المصير، وإطلاق السراح، سراح عروة كما كافة مساجين الرأي في سوريا. ومع انها تعرّف بنفسها كمبادرة من سينمائيين ومفكرين عرب وفرنسيين، إلا أن الأسماء فيها تخبر عن مشارب من كافة أنحاء العالم، إذ إنها تشمل حملة الجنسية الفرنسية منهم، والعاملين في فلك الإنتاج السينمائي الفرنسي، والفائزين بأبرز جوائزه، أكانوا من الصين، كمبوديا، بريطانيا، البرازيل، كندا، أو هنغاريا. وتخبر العريضة عن عروة «المنتج المستقل للأفلام الوثائقية، الذي أسّس مهرجان دوكس بوكس في العام 2008 في سوريا، وفاز بالجائزة الكبرى الخاصة من «شبكة الوثائقيات الأوروبية» لمساهماته الاستثنائية في تطوير الفيلم الوثائقي»، كما عن عروة «الإنساني صاحب الخيال والموهبة المشعين، الذي نطالب بإطلاق سراحه فوراً من أجل السينما، والمستقبل، والحياة».
وقد أرفقت بنص كتبه المخرج السوري أسامة محمد، كما بتصريح خصّ به القضية المخرج الإيطالي العالمي مارتن سكورسيزي، وبيان صادر عن «السينماتيك الفرنسية» و«مهرجان كان السينمائي» و«جمعية الكتّاب والمؤلفين المسرحيين» الفرنسية، و«الجمعية المدنية لكتّاب الوسائط الإعلامية المتعددة»، و«آ ر ب« للإنتاج. كما انضمت إلى تلك المؤسسات أمس «آرتى إيست» في المطالبة بحرية عروة.
أما رسالة سكورسيزي فتخبر عن قلقه الحاد عند علمه بالخبر و«بمنع عروة من التواصل مع العالم الخارجي، بما في ذلك عائلته وأصدقاؤه». ووجدت الرسالة أن «المجتمع السينمائي يجب أن يبقى متيقظاً ومتنبهاً لكل ظلم مستمر يقع على زملائنا الفنانين. يجب أن نستمر بالضغط لحين انتزاع الحرية الفورية لعروة النيربية».
من جهته، يقدّم بيان المؤسسات الثقافية الفرنسية القصة الرسمية الوحيدة المعروفة عن اختفاء عروة، ويشرح عن فداحة نقص المعلومات حول أسره، ليعرّف بالسينمائي السوري عبر عمله وتميّز إنتاجه ومساهماته في السينما السورية والعربية والعالمية، وتحكيمه لعدد من مهرجاناتها الدولية، كما بطولته لجزأي «باب الشمس» (إخراج يسري نصر الله).
وقد ضمّت لائحة السينمائيين الموقعين على العريضة الأساسية، مجموعة ضخمة من العاملين في السينما، أكانوا من أصحاب الأسماء الشهيرة التي تحافظ على موقع مستقلّ ومغاير تجاه الإنتاج الاستهلاكي العالمي، أو من أصحاب الأسماء الكامنة خلف الكاميرا وعلى رأس مهرجاناتها. نذكر منهم: كوستا غافاراس، ليوس كاراكس، تييري فيرمو، أبيتشابونغ ويراسيتغاكول، ويس أندرسن، أوليفييه أساياس، دايفـيد كروننبرغ، إدواردو اسكوريل، أرليت جيراردو، إيليا سليمان، يسري نصر الله، بيلا تار، تيلدا سوينتن، ريتي بان، ماتيو آلارميك، كزافييه بوفوا، كارلوس دييغس، وانغ تشاو، لوك وجان بيار داردين، رانيا اسطفان، ماهر أبي سمرا، ناديا عيساوي، هالة عبد الله، يوسف عبدلكي، محمد علي الأتاسي، دارينا الجندي، ميار الرومي، رمزي شقير، جوانا حاجي توما وخليل جريج، آن ماري جاسر، عبلة خوري، جت لي، هالة محمد، أسامة محمد، هانية مروة، رشا سلطي، سيرج توبيانا، باتريس شيرو، …
تطول لائحة الأسماء التي تطالب جميعها باستعادة اسمٍ واحد بات رمزاً لأسماء كثيرة قادها الرأي وشديد الرغبة بالحرية إلى مكان مجهول… مجهول تماماً.
– عن السفير اللبنانية