Castle on hilltop, Granada, Andalusia, Spain

غرناطة ..آخر الأيام: مسلسل الكاتب وليد سيف الجديد

(ثقافات)

غرناطة ..آخر الأيام: مسلسل الكاتب وليد سيف الجديد

زياد أحمد سلامة

   “غرناطة…آخر الأيام ” هذا هو عنوان المسلسل الجديد الذي أنهى الدكتور وليد سيف كتابته قبل أيام، وجاء هذا الخبر عبر صفحة “وليد سيف” على الفيس بوك، وهي صفحة يديرها مجموعة من المهتمين بأدب وفكر الدكتور وليد سيف، ومن خلالها يدلي الدكتور وليد بآرائه وملاحظاته.

  كم سَعُدنا بهذا الخبر، فمنذ أن أنجز الدكتور وليد عمله الثالث في سلسلة مسلسلاته عن الأندلس ؛ ملوك الطوائف ونحن نترقب هذا العمل. لتكتمل به رباعية الأندلس التي بدأها بمسلسل “صقر قريش * 2002″ و”ربيع قرطبة * 2003″ وثم ملوك الطوائف * 2005”.

  شغلت الأندلس حيزاً كبيراً في فكر الدكتور “سيف” ورأى فيما حدث للمسلمين فيها منذ الفتح وإلى السقوط فالخروج درساً وعبرة لتكون مفتاحاً من مفاتيح النهضة التي ننشدها جميعاً لتعود هذه الأمة للموقع الذي يليق بها؛ في مقدمة الأمم لا في ذيلها كما هو واقع العرب والمسلمين هذه الأيام، فالدكتور وليد ومنذ أن بدأ الكتابة الدرامية قي مسلسل “الخنساء” الذي ظهر عام 1977 وهو منشغل بمشروع الأمة النهضوي الذي يعيدها سيرتها الأولى، ومنذ ذلك الوقت وضع فيه ذهنه على الأقل هدفين لرفع شأن الدراما، ولرفع شأن الأمة في الوقت نفسه، الهدف الأول أن تكون أعماله الدرامية قطعاً أدبية تُكتب بمستوى أدبي رفيع يرفع من ذائقة المشاهد الأدبية، والهدف الثاني: وضع اليد على أوجاع الأمة الحاضرة وربطها بماضيها لأخذ الدروس والعِبر لتتجاوز هذه الأمة كبوتها وغفوتها.

   أول مسلسلات العهد الأندلسي كان مسلسل ” المعتمد بن عباد” والذي بُثَّ عام 1982 وهو يتحدث عن حاكم إشبيلية “المعتمد بن عباد” فقد كانت فترة حكمه ضمن فترة ملوك الطوائف وما كان خلالها من فتن ومعارك بين المسلمين، أو بينهم وبين الإسبان من جهة أخرى وتعاون بعض حكام الأندلس من المسلمين مع الإسبان، وكان خطر الإسبان يهدد الكثير من الممالك الإسلامية فاتفق أولئك الزعماء على استدعاء القائد المرابطي “يوسف بن تاشفين”لإنقاذ البلاد والعباد، الذي حضر وحارب مع الملوك المسلمين في الأندلس قوات الأعداء بقيادة ألفونسو السادس في معركة الزلاقة ( 479 هـ = 1086م) ولما انسحب ابن تاشفين  بعد انتصار عظيم عائد  إلى المغرب ولم يلبث الصراع بين ملوك الطوائف أن عاد وعاودوا الاتصال بالإسبان وتقديم الولاء والخدمة لهم، ومن ذلك  تعاون المعتمد بن عباد مع الأعداء ضد ابن تاشفين فما كان من ابن تاشفين إلا أن حارب المعتمد وأسره ليموت كمداً وحسرة في “أغمات” في المغرب سنة (488هت = 1095م).

   ثم كتب الدكتور وليد مسلسل “الصعود إلى القمة” الذي تم بثه عام 1986 وهو يحكي قصة “المنصور بن أبي عامر” ووصوله للسلطة، حيث حكم الأندلس  ما بين عامي (371 ـ 392هـ = 981 ـ 1002م) بعد أن استطاع الوصول لقصر الخليفة “الحكم المستنصر بالله”، ونيل ثقةَ زوجته “صبح البشكنجية” أم الخليفة “هشام المؤيد بالله”، التي كانت وصيةً على عرش ولدها بعد وفاة زوجها الحكم، وبعد وفاة المستنصر سيطر المنصور على الخليفة الصغير “هشام المؤيد بالله” وصار الحاكم المطلق للأندلس.

  ثم رأى الدكتور وليد أن يعيد كتابة تاريخ الأندلس “دراميا” فكتب هذه السلسلة التي جذبت المشاهدين وشدتهم إلى العمل من خلال اللغة السلسة العذبة والفكرة التي سارع الناس بربطها مع الواقع الذي يعيشه الناس، حقاً لقد كانت تلك الأعمال أعمالاً درامية مميزة تختلف كل الاختلاف عن الدراما التاريخية التي كانت معروفة من قبل.

 رباعية الأندلس

بعد أن أنجز الدكتور وليد سيف مسلسله المهم والمتميز “صلاح الدين الأيوبي” عام 2001 رأى أن يستكمل مشروع النهضة بالتعرض لتاريخ الأندلس لما فيه من دروس وعبر، ورأى أن يستعرض تاريخ المسلمين في تلك الجزيرة من التكوين إلى السقوط فالخروج، فوضع مخططاً ليخرج العمل في أربعة أجزاء، فكان الجزء الأول عن التكوين والنشأة والتمكين، والثاني عن القوة والمَنعَة والازدهار، والثالث عن بداية الضعف والتفكك، والرابع عن السقوط والخروج من الفردوس.

    يتحدث المسلسل الأول من تلك الرباعية ” صقر قريش” عن بناء الدولة الأموية في الأندلس بعد وصول عبد الرحمن الداخل إليها هارباً من العباسيين الذين ثاروا على الأمويين وأنهوا حكمهم سنة (132هـ) بعد أن حكموا نحو سبعين سنة، وصل الداخل الأندلس بعد سفر طويل شاق محفوف بالمخاطر برفقة خادمه “بدر” وهناك استطاع تثبيت الحكم والقضاء على الفتن والاضرابات والعصبيات القبيلة التي نقلها العرب معهم من المشرق إلى المغرب، واستطاع تكوين دولة قوية استطاعت الصمود أكثر من ثمانمئة عام.

  في المسلسل الثاني “ربيع قرطبة” وهو نسخة معدلة عن مسلسل ” الصعود إلى القمة” ثم تعديله ليتفق مع فلسفة الرباعية وسياقها التاريخي، وفي هذا المسلسل سرنا مع طموح المنصور بن أبي عامر منذ أن كان طالبا في مسجد قرطبة ووضعه الخطط ليدخل قصر الخلافة حيث يمكنه الانطلاق وتحقيق أحلامه، وعشنا معه تسارعه في تقلد المناصب الحساسة ونيل ثقة الخليفة المستنصر بالله ومن بعد ذلك سيطرته على الخليفة هشام المؤيد وإدارة البلاد باسمه، وخوضه المعركة تلو المعركة مع القشتاليين وغيرهم ممن ممالك الإسبان، وانتهى المسلسل بوفاة المنصور بعد أن رفع شأن الأندلس وجعل تلك الأيام ربيعاً بحق.

  في المسلسل الثالث ومع إعلان الوزير (أبو الحزم بن جوهر) سنة 422هـ = 1030م سقوط  الخلافة الأموية في الأندلس مما حدا بكل أمير من أمراء هذه الدولة أن يعلن مدينته دولة منفصلة وينصِّب نفسه حاكماً عليها، ليبدأ عهد الصراع الداخلي والفتن والاقتتال بين أخوة الدين، لنحصل في نهاية الأمر على اثنتين وعشرين دولة، وكما رأينا في مسلسل “المعتمد بن عباد” تحالف الكثير من هؤلاء الملوك مع الإسبان ضد إخوانهم في الإسلام ودفع الجزية عن يد وهم صاغرون لأعداء الملَّة، وانتهى المسلسل بعد تعاون المعتمد بن عباد مع الفونسو السادس ملك قشتالة، بقدوم يوسف ابن تاشفين أمير دولة المرابطين في عدوة المغرب، ومحاربة ملوك الطوائف وأخذ بعضهم أسرى، ومنهم “المعتمد بن عباد” وحبسه في المغرب إلى توفى فيها وقد نزع الله تعالى منه الملك.

سقوط غرناطة:

كان يُؤمَّل أن يخرج هذا المسلسل إلى النور منذ نحو عشرين عاماً ولكن حالت ظروف دون خروجه للنور، لقد  احتاج هذا العمل إلى دراسات وبحث طويل وأسفار.  يدور المسلسل حول النهايات في الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس.

   وفي “سقوط غرناطة”  وهذا الاسم الذي شاع قبل اعتماد الاسم الأخير: “غرناطة .. آخر الآيام”  وكما قال الدكتور وليد في مقابلة سابقة  مع (الجزيرة نت) عن المسلسل بأنه يصل بنا مباشرة إلى الفصل الأخير في تاريخ الأندلس. ويتضمن ثلاث وحدات درامية في عمل واحد تعالج كل وحدة فترة أساسية في تاريخ الأندلس في القرون الأربعة الأخيرة يصل بينها رواية أبي عبد الله الصغير(آخر أمير مسلم في الأندلس) الذي يتحدث من منفاه في المغرب عن المراحل التي سبقت سقوط غرناطة ليكشف عن مشكلات جوهرية سابقة عليه “حصد شوكها”،  وأضاف سيف في تلك المقابلة إن المسلسل طرح السؤال عن دور العصبية القبلية في تكوين المجتمع العربي الإسلامي السياسي وفي الصراعات المدمرة، وهي العصبية التي ما زالت فاعلة في الحياة السياسية العربية حتى الآن؛ وتقف عائقاً أمام التنمية المدنية وتطوير مؤسسات المجتمع المدني ومفهوم المواطنة.

 وقال أيضاً “يناقش المسلسل علاقة الدين بالسياسة، فدعوة الموحدين دينية لكن في الواقع مادتها الأساسية قبلية ومؤسسها محمد بن تومرت (473 – 524 هـ = 1080 – 1130م) شخصية غريبة متعددة الأبعاد ومثيرة للجدل وتنطوي على الكثير من المغالطات الفكرية والدينية، كما يعرض لعلاقة الفيلسوف ابن رشد مع أبي يعقوب المنصور التي بدأت بالاتفاق وانتهت بالاختلاف، ودخول فيلسوف العقلانية الإسلامية في محنة جراء أفكاره الفلسفية.

 استئناف العمل في المشروع:

  شأن أي مبدع، لا بد من إعادة النظر في أي عمل ما يزال قيد الإعداد، وبعد انقطاع طويل عن مسلسل سقوط غرناطة، شرع الدكتور وليد سيف في إعادة صياغة المسلسل وإجراء تعديل عليه، ففي مقابلة مع الدكتور وليد سيف قال : أستطيع أن أقول الآن إنه قادم بالفعل، فأنا أعمل على إحيائه الآن، وكنت قد أعددت المادة التاريخية من سنوات وأعددت المعالجة الدرامية بصورة عامة، بل كنت قد بدأت في كتابة بعض الحلقات، ثم حصلت ظروف حالت دون أن أستكمل المشروع، أما الآن فأنا أستأنف المشروع مع إضافات؛ لأني أفكر ألا يتوقف العمل عند سقوط غرناطة بل أن يمتد إلى ما بعد سقوطها ليصور محنة المورسكيين – العرب المنصّرين- وما تعرضوا له من اضطهاد وعذاب على أيدي سلطات محاكم التفتيش.

    كانت هذه أفكار المسلسل أثناء فترة التحضير.  ولكن ربما طرأ بعض التغيير على سير أحداث المسلسل بعد الانتهاء من كتابته  والذي من المتوقع أن يقع في ثلاثين حلقة، فالمسلسل ـ وكما أخبرني في حديث هاتفي معه ـ سيتناول بدايات النهضة الأوروبية التي تزامنت مع بداية الهبوط وتفكك الدولة في الأندلس، وسيتحدث عما في تلك المجتمعات الأوروبية من صراعات فكرية لا سيما العلاقة بين الكنيسة والعلم والحكم، وقال بأن سقوط الأندلس لم يبدأ بأبي عبد الله الصغير  ولا حتى بملوك الطوائف، وإنما بدأ منذ أيام الفتح الأولى.

 سينتهي المسلسل بعد سقوط غرناطة عام 1492م وما لاقاه المسلمون من عنت بعد السقوط، إلا أنه لن يسترسل في تفاصيل محاكم التفتيش وسيكتفي بالإشارة إليها إشارة، وسيتعرض للمقاومة الشعبية التي قام بها المسلمون بعد السقوط وسيستحضر أبطال المقاومة الشعبيين أمثال: موسى الغساني وعلي العطار وحامد السبري، هؤلاء الأبطال الذين لا يكاد يذكرهم المسلمون في كتاباتهم وذكرهم الإسبان.

  من المعروف ظهور تيار فكري في إسبانيا الحديثة يعتبر وجود العرب والمسلمين في الأندلس وجوداً طبيعياً يشكل مرحلة من تاريخ إسبانيا وأنهم ليسوا محتلين، بل هم إسبان مسلمون، ولهذا نجد عشرات التماثيل لعلماء المسلمين وقادتهم منتشرة في شوارع إسبانيا من ابن حزم إلى المنصور بن أبي عامر إلى ابن زيدون وولادة بنت المستكفي إلى قادة الثوارات الشعبية، فهناك تمثالان للبطل المسلم الثائر علي العطار  على اعتبار أن الصراع بين (الإسبان العرب) والقشتاليين هو حرب أهلية بين أهل بلد واحد.

  ينتهي المسلسل بربط الماضي بالحاضر من خلال مقابلات مع مسلمين مورسيكيين من أبناء المسلمين الذين كتموا إيمانهم ولم تفلح محاكم التفتيش في القضاء على انتمائهم الديني، هؤلاء المسلمون الذين أخرجوا إسلامهم للعلن بعد سماح النظام الإسباني بحرية الأديان عام 1967 م،  إذ ألغى الدستور الإسباني الصادر عام 1978 الكاثوليكية بوصفها دينًا رسميًّا، وينتهي المسلسل بقول أحد المورسيكيين ( ما نزال هنا).

  لم يتم الاتفاق بعد على اسم المخرج أو الجهة التي ستتولى إنتاج العمل وبالتالي من هم الممثلون الذين سيقومون بدور البطولة، وبهذه المناسبة لا بد من التنبيه بأن بعض التعليقات على خبر انتهاء الدكتور وليد سيف من كتابة المسلسل قد افتقدت المخرج الراحل حاتم علي الذي توفى يوم (29/12/2020) وقالت بعض التعليقات بأنه لا يوجد مخرج يستطيع أن يحلَّ محل المخرج الراحل أو سيبدع إبداعه، وهنا نكرر مقولة الدكتور وليد سيف بأن المخرج الجيد لن ينقذ نصاً رديئاً، والمخرج الرديء سيفشل العمل الجيد، إذاً لا بد من تكامل الدورين: الكاتب والمخرج، ومن الطبيعي أن لا ينتهي الإبداع بموت أحد، ومن المعروف أن الكاتب الممتاز يقدم سيناريو مكتملاً لا يسمح لأحد بالتعديل على نصه، والدكتور وليد سيف الذي ما يزال  يكتب أعماله الأدبية بيده وبقلمه، لا يترك شاردة ولا واردة تتعلق بالنص إلا وأشار إليها حتى طريقة التصوير وزاوية الكاميرا وتوجيه الممثلين والديكور وكل ما يتعلق بالعمل، ونأمل في هذا العمل أن يتم مراقبة أداء الممثلين اللغوية، ونحن نرى ونسمع في الأعمال الدرامية التي تُكتب باللغة العربية الفصحى أخطاءً من الممثلين تكون قاتلة، وهذا عائد لضعف الرقابة اللغوية في العمل أثناء تنفيذه، ومن المؤسف أن بعض المتابعين قد يحسب هذه الأخطاء على الكاتب.

نأمل أن تتولى جهة إنتاح ضخمة هذا العمل وتكون مستعدة على الإنفاق عليه بسخاء ليكون العمل بعد تنفيذه بحجم العمل المكتوب والأمل المرتقب. نأمل أن يرى العملُ النورَ في رمضان القادم، بإذن الله.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *