(مأدبة الانتصار) قصة : سعيد الصالحي

(ثقافات)

مأدبة الانتصار

سعيد الصالحي

عقب انتصار قريتنا في موقعة الطناجر الكبرى، قام رئيس المجلس القروي وباسم كافة أعضاء المجلس بدعوة أهالي القرية جميعا لمأدبة غداء يوم الجمعة للاحتفال بهذا النصر الشعبي الكبير، الذي أثبت أن شعب القرية يتحد في مناسبة أو مناسبتين ويقضي طوال العام متفرقا، رحب الأهالي بالدعوة الكريمة وانتعش اقتصاديا بقال القرية والقصاب وبائع العوامة وكرابيج الحلب، وعاشت القرية أسبوعا من الرخاء الاقتصادي لان المجلس البلدي بحبح يده قليلا، هذا الرخاء الاقتصادي انعكس مودة ورحمة بين السكان وبين كافة قطاعات الأعمال في القرية. يوم الجمعة استيقظت من الصباح الباكر أي قبل الشحادة وبنتها، وتناولت على عجل افطار القرية الرسمي من فول وحمص وبيضيتين مقليتان بزيت الزيتون وبضع حبات من الزيتون، ولم أفطر كعادتي كل جمعة، فقد أكلت نصف بطن على رأي اللهجة الدارجة، فكيف أضيع على نفسي لحم وخبز ولبن ورز الحكومة الأصفر، كان الوقت يمر ثقيلا على المعازيم، فكل القرية متحمسة لهذه الدعوة، فلم يتم دعوة القرية بأسرها لغداء جماعي منذ فاز فريق مدرسة البنات الاعدادية ببطولة المحافظة للأشغال اليدوية والتطريز في سبعينيات القرن الماضي. صدحت مأذنة القرية بالآذان الموحد معلنة الآذان الأول لصلاة الظهر، فقفزت من مقعدي وانطلقت نحو المسجد ومن فرط حماسي نسيت أن أتوضأ، وصلت المسجد وبعد أن تجاوزت العقبات الفنية واللوجستية انتهيت من الوضوء وانا على قيد الطهارة، ودخلت رحاب المسجد وأخذت نفسا عميقا من السلام النفسي وغابت مأدبة المجلس البلدي عن خيالي لأول مرة منذ الصباح، صعد شيخ قريتنا إلى المنبر وتوقع الجميع أن يتحدث حول انتصار موقعة الطناجر، ولكنه حدثنا عن الوضوء في بضع جمل، ثم أسهب في الحديث عن التيمم حتى نشف ريقي وريق كل من في المسجد. بعد الانتهاء من واجب الصلاة تحركنا جميعا نحن الصيوان، وكنا نبطئ الخطى حتى نفسح المجال لرئيس المجلس بالوصول قبلنا لاستقبالنا، اصطف رئيس المجلس واعضاء مجلسنا حسب مراتبهم في المجلس، وبدأوا بمصافحة الحضور ومعانقتهم وملاطفة صغيرهم وتوقير كبيرهم، كان أعضاء المجلس القروي أصحاب الانتصار والوليمة، وبعد أن تأكد رئيس المجلس من اكتمال حضور سكان القرية، توسط المكان وألقى خطابا حماسيا استذكر فيه وقفة المجلس والسكان معا لتحقيق هذا النصر، ونفى نية المجلس بفرض ضريبة على الطناجر كما يشاع، وأعلن بأن المجلس قرر بناء صرح للطنجرة على الدوار الوحيد في القرية، وأن هذا الصرح سيبنى من تبرعات الاهالي لعدم توفر مخصصات في موازنة المجلس، وكما بأنه وأعضاء المجلس سيكونون أول المتبرعين، وبحماسة شديدة بدأ الاهالي بالتبرع السخي فالقرية تحتاج صرحا عظيما للطنجرة حتى يذكر الاجيال بنصرهم ونصر أجدادهم التاريخي. بدأ شباب القرية بوضع الطعام على الموائد أمام الأهالي، ولم أشعر برغبة كبيرة في الأكل فما زال تبرعنا لصرح الطنجرة يشغل ذهني، كنت أقف بالقرب من الطعام ولا أكل شيئا فنخزني جاري وقال:

كل يا بني هذا الاكل على حسابنا، لقد تبرعنا بثمنه قبل قليل.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *