أم‭ ‬كلثوم‭ ‬معلقة على‭ ‬حائط‭ ‬الذكريات

أم‭ ‬كلثوم‭ ‬معلقة على‭ ‬حائط‭ ‬الذكريات

علي السوداني

 

أنصت‭ ‬إليها‭ ‬عاشقاً‭ ‬منذهلاً‭ ‬تالفاً‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬ومرات‭ . ‬أقصد‭ ‬أغنية‭ ‬ليلي‭ ‬ونهاري‭ ‬بصوت‭ ‬الخالدة‭ ‬العظيمة‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ . ‬كان‭ ‬الجوق‭ ‬الموسيقي‭ ‬مدهشاً‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الشبه‭ ‬المدوي‭ ‬بين‭ ‬عازف‭ ‬القانون‭ ‬الفخم‭ ‬وبين‭ ‬مدير‭ ‬المدرسة‭ ‬العتيق‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬كفه‭ ‬الثقيلة‭ ‬مختومة‭ ‬فوق‭ ‬خدي‭ ‬القليل‭ .‬

لم‭ ‬أعد‭ ‬أحس‭ ‬بلذة‭ ‬الكشف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬التكرار‭ ‬،‭ ‬لذلك‭ ‬رحت‭ ‬أتجول‭ ‬بمودة‭ ‬عالية‭ ‬بين‭ ‬وجوه‭ ‬الجمهرة‭ ‬المكبوسة‭ ‬بدخان‭ ‬الصالة‭ ‬وآهات‭ ‬العشاق‭ ‬،‭ ‬وبمراقبة‭ ‬الزوجات‭ ‬لعيون‭ ‬الأزواج‭ ‬المالحة‭ . ‬السلطنة‭ ‬التي‭ ‬كادت‭ ‬تدق‭ ‬رأس‭ ‬السطر‭ ‬الأول‭ ‬،‭ ‬كانت‭ ‬مشغولة‭ ‬بثلاثة‭ ‬من‭ ‬العميان‭ ‬الرائعين‭ ‬الساكنين‭ ‬مثل‭ ‬أفراخ‭ ‬طير‭ ‬بعش‭ ‬مساء‭ ‬ظل‭ ‬بارداً‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬جسم‭ ‬الأم‭ .‬

في‭ ‬سطر‭ ‬عشوائي‭ ‬آخر‭ ‬،‭ ‬ثمة‭ ‬امرأة‭ ‬بيضاء‭ ‬سمينة‭ ‬مقمطة‭ ‬بلباس‭ ‬أسود‭ ‬تكاد‭ ‬تذوب‭ ‬وتسيح‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المكان‭ ‬بقوة‭ ‬الوجد‭ . ‬هي‭ ‬من‭ ‬صنف‭ ‬الخانم‭ ‬ماري‭ ‬منيب‭ . ‬

أما‭ ‬الرجل‭ ‬الطويل‭ ‬المتوج‭ ‬بعقال‭ ‬غليظ‭ ‬فلقد‭ ‬أكل‭ ‬نصف‭ ‬المشهد‭ . ‬كان‭ ‬يشبه‭ ‬ناصر‭ ‬حكيم‭ ‬لكنني‭ ‬كرهته‭ ‬لأن‭ ‬جسده‭ ‬الكثير‭ ‬قد‭ ‬جعل‭ ‬مدى‭ ‬الرؤية‭ ‬يتصفر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للكائن‭ ‬القصير‭ ‬الذي‭ ‬غطس‭ ‬خلفه‭ .‬

مر‭ ‬لابس‭ ‬الطربوش‭ ‬المطربش‭ ‬سريعاً‭ ‬وما‭ ‬بقي‭ ‬منه‭ ‬الآن‭ ‬صار‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬مضببة‭ ‬منعشة‭ ‬من‭ ‬بخار‭ ‬يتلوى‭ ‬فوق‭ ‬فوهة‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬يسلق‭ ‬رز‭ ‬العنبر‭ ‬ويصنع‭ ‬من‭ ‬بقاياه‭ ‬وجه‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ .‬

مجموعة‭ ‬أنيقة‭ ‬استوطنت‭ ‬الممر‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬قسمي‭ ‬الجمهور‭ ‬،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنهم‭ ‬وصلوا‭ ‬المكان‭ ‬ودخلوا‭ ‬الصالة‭ ‬الضخمة‭ ‬بعد‭ ‬تمام‭ ‬غصيصها‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬جيء‭ ‬لهم‭ ‬بمقاعد‭ ‬متحركة‭ ‬مجلوبة‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬المدير‭ ‬ومطبخ‭ ‬المسرح‭ ‬وكرسي‭ ‬الحارس‭ .‬

ذكرني‭ ‬منظر‭ ‬هؤلاء‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬بسينما‭ ‬بابل‭ ‬البغدادية‭ ‬الجميلة‭ ‬أيام‭ ‬نفاد‭ ‬التذاكر‭ ‬المرقمة‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬كراسي‭ ‬الاستيعاب‭ . ‬هنا‭ ‬سيقوم‭ ‬العمال‭ ‬عبد‭ ‬الواحد‭ ‬وعادل‭ ‬واحمد‭ ‬ونامق‭ ‬بتدبر‭ ‬كراسي‭ ‬إضافية‭ ‬يزرعونها‭ ‬خلف‭ ‬الألواج‭ ‬العائلية‭ ‬وقرب‭ ‬الدكة‭ ‬،‭ ‬لتنشغل‭ ‬تالياً‭ ‬بالزبائن‭ ‬العزيزين‭ ‬على‭ ‬مدير‭ ‬الدار‭ ‬والفاطرين‭ ‬قلب‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬القوي‭ ‬المهيب‭ ‬مالك‭ ‬المكان‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬اولائك‭ ‬الملحاحين‭ ‬الذين‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬مشاهدة‭ ‬شادية‭ ‬وحليم‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬وقوفاً‭>

  • عن الزمان

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *