قراءة في رواية سمير إسحاق(الطريق إلى يافا)

(ثقافات)

 

قراءة في رواية سمير إسحاق(الطريق إلى يافا)

بقلم:محمد المشايخ

يشارك الروائي العربي المغترب سمير إسحاق في روايته (الطريق إلى يافا) الروائيين الفلسطينيين، ولا سيما (غسان كنفاني، جبرا إبراهيم جبر، إميل حبيبي، يحيى يخلف، رشاد أبو شاور، وغيرهم)، في سرد الرواية الشعبية (غير الرسمية) حول التغريبة الفلسطينية، والتهجير القسري الذي اقتلع الفلسطينيين من منازلهم، وشتتهم في أرجاء المعمورة، إبان حرب عام 1948.

ومن قلب الحدث الذي ما زال الروائي – بذاكرته الذهبية – يعيشه، رغم مرور74عاما على وقوعه، ولم تتمكن أمريكا بكل إغراءاتها ورفاهيتها من أن تنسيه وطنه، يبدع سمير إسحاق مشاهد سينمائية، ويجري حوارات بين شخصياته في أثناء الهجرة، ليؤكد لنا، أن الفلسطينيين لم يهجروا وطنهم إلا تحت القصف والموت، مبرزا دور بريطانيا ووعد بلفور، في تسليم فلسطين للعصابات الصهيونية، تلك العصابات التي لم تكن ترحم شيخا او طفلا او امرأة أو أي كائن حي من بطشها ودمارها، ومبرزا أيضا تمسك الفلسطينيين بأرضهم، ومشاركتهم في المقاومة واستبسالهم فيها، وعدم مغادرتها إلا حين يشتد الخطر ويقترب الموت والدمار، وتفكيرهم بالعودة لوطنهم حتى في أثناء الهجرة(أي قبل أن يظهر مصطلح حق العودة في أيامنا) وقد أعاد الروائي بعضهم فعلا(تحت القصف والغارات والمذابح الصهيونية) ليافا وحيفا والناصرة، وغيرها من الحواضر الفلسطينية، غير آبهين بالموت الذي ينتظرهم.

وتستعرض معظم صفحات الرواية المعاناة التي تعرض الفلسطينيون لها في أثناء الهجرة من فلسطين برا وبحرا، سواء إلى الأردن مرورا بالقدس”حيث توقف الروائي طويلا عند المعارك التي دارت بها، معيدا الفضل في عدم سقوطها بيد الاحتلال، للجيش الأردني الباسل والمقاومة الفلسطينية البطلة” أو اللجوء إلى لبنان، مشيدا بشجاعة الذين عادوا إلى فلسطين نفسها بعد أن غادروها لأيام، ومشيدا بالموقف الأردني العظيم تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وتكريس الأردن للوحدة الوطنية حتى قبل أن يستقر اللاجئون على أرضه، جاء في الصفحة255من الرواية: ( وصلت القافلة إلى بلدة ناعور، وتنفس الناس الصعداء، وبانت علامات الارتياح على وجهوهم، تقدمت منهم سيارة عسكرية، نزل منها بعض الجنود، ورحبوا بجميع العائلات، وقال الضابط موجها كلماته للجميع:أهلا بكم في وطنكم الثاني الأردن، نرحب بكم باسم صاحب الجلالة المعظم على أرض الأردن، نشعر بآلامكم، ونشعر بما فقدتموه، ولكن اعلموا أنكم الآن في حماية الأردن، وسنفعل المستحيل من اجل أن تكونوا مرتاحين، وأهلا وسهلا بكم في الأردن)٠

ورغم ما في هذه الرواية من إبراز لمجريات الصراع العربي الصهيوني على أرض فلسطين، ومن تركيز على المقاومة والثورة الفلسطينية “وظهورها قبل نكبة عام1948وبعدها”، إلا أن العقدة في هذه الرواية، تمثلت في ضياع الصبي الفلسطيني في أثناء توجه أهله إلى الأردن لاجئين إليه، إبان إحدى الغارات الصهيونية عليهم، وقيام إحدى العائلات المتجهة إلى لبنان بأخذه معها، واستغرق بحث ذويه عنه صفحات طويلة من الرواية، التي خالف فيها سمير إسحاق رؤية غسان كنفاني، كنفاني الذي أبقى في روايته “عائد إلى حيفا” الطفل خلدون في منزل ذويه في حيفا، لتضمه عائلة إسرائيلية إليها، وعندما يكبر يصبح جنديا في الجيش الإسرائيلي، أما صبي سمير إسحاق”نادر”(الذي سبق لأمه أن ماتت، ولوالده أن أستشهد، ورافق جده وجدته في اللجوء)، فقد توجه إلى لبنان، وأبقى سمير إسحاق النهاية الخاصة به مفتوحة على كل الاحتمالات.

والجميل أن الروائي كان يلجأ لأسلوب وجهات النظر الذي كرّسه عربيا نجيب محفوظ، ومحليا مؤنس الرزاز، حيث كان يُطلعنا على مُجريات بحث ذوي الطفل عنه، ويطلعنا (باعتباره الراوي العليم) على ما يجري مع الطفل والأسرة التي احتضنته ونقلته معها إلى لبنان.

شخصيات الرواية منتقاة بعناية وإن كان بعضها لا يحمل اسما معينا، بل يذكر الروائي لقبها(ابو فريد، ابو رامي..الخ)، ولا نستطيع أن نقول إنها نامية أو ثابتة، لأنها كانت تتحرك بين الموت والحياة، بين الاغتراب والشتات والمنافي، ولا مجال للحدث عن المفاجأة والصدفة في الرواية، فكل شيء فيها محتمل، اما أسلوبها فسهل ممتنع، وتدرّجها بين المقدمة والذروة والنهاية تم بسلاسة وإتقان.

الزمان في الرواية واضح في أثناء نكبة 1948وتداعياتها وما سبقها من ثورات ومن رفض فلسطيني للوجودين الصهيوني والبريطاني في فلسطين، وإبراز مقاومة المسيحيين والكنائس إلى جانب أشقائهم المسلمين، للاحتلال وممارساته التي تقدمها الموت والدمار والمذابح والتهجير القسري، أما المكان، فكان يتراوح بين ما تـُـسمى دول الطوق، ولا سيما فلسطين والأردن ولبنان ومصر، وإن كان التركيز على قلب الحدث والقضية والرواية:(فلسطين).

ولأن سمير إسحاق أديب قومي عروبي، فقد كان يغادر هذه الدول، ليتحدث عما يجري في غيرها، ومن ذلك حديثه عن الجيوش العربية السبعة التي كانت في فلسطين.

لقد كتب د.وليد سيف التغريبة الفلسطينية في مسلسل، وكتبها الروائي سمير إسحاق في رواية، مليئة بالمونولوجات والتداعيات، والأسئلة والحوارات التي تعتبر من أهم ضروريات الدراما، وأعطى البطولة فيها للمقاومة، التي لم تكتف بمقارعة المحتل، بل كانت تحرس اللاجئين في أثناء هجرتهم للحيلولة دون تعرضهم لاعتداءات العصابات الصهيونية التي كانت ترمي لتفريغ الأرض من سكانها، وإن لم يغادروها فالموت حليفهم.

سمير إسحاق الروائي المتخصص بالمفرق، وصاحب الروح المتعلـّـقة بها منذ أن سافر عنها، والذي انشغل لسنوات طويلة في إبداع الروايات المتخصصة بها، يغادرها مؤقتا لمرة واحدة، ليكتب عن يافا بخاصة، وعن فلسطين بعامة، وقد تكللت روايته بالنجاح.

يـُذكر أن الأديب العربي المغترب سمير إسحاق صاحب مشروع قصصي وروائي تجديدي، ارتبط اسمه بعدد كبير من قدامى المبدعين والمثقفين في المفرق من مثل: أ.محمد داودية، د.عصام سليمان الموسى، أ.فايز محمود، وأ.عيسى بطارسة، وأ.سرحان النمري، أ.فخري قعوار، محمود كساب، وغيرهم من الشخصيات التنويرية، وهو من نشطاء الفيسبوك، ومن أغزر كتاب القصة والرواية، ولا يكاد يمر يوم دون أن يكون له فصل سردي على صفحته الفيسبوكية، وله خمس مجموعات قصصية هي: غريب على نهر هدسن، الرحيل، الاعتراف، سراب الماضي، الانفصال، أما رواياته فهي: عذاب على الشاطئ الشرقي، الجرح وطريق العودة، أحزان المساء، المصابيح القديمة، أحلام شارع الرشيد، لحن الغروب، غيوم بلا مطر، وله روايات مخطوطة:وجع من الماضي، بائعة الزهور، التل القديم، نشأ سمير اسحق في المفرق، ودرس الفلسفة وعلم النفس في جامعة دمشق ، ويقيم في ولاية أريزونا بالولايات المتحدة الأميركية حيث يمارس الأعمال الحرة.نشر نتاجه الأدبي منذ منتصف الستينيات في صحف:الأردن، وعمّان المساء، والمنار، وفلسطين، والجهاد، بالإضافة إلى مجلة الأفق الجديد التي كانت متنفس وحاضنة الكتاب المبدعين الشباب برعاية أمين شنار، وعبد الرحيم عمر، وخليل السواحري، وتيسير السبول.كتب مقالات وقصصا كثيرة في معظم الصحف التي تصدر في أمريكا، ونال جائزة نخلة بدر للصحافة والإبداع التي تُمنَح للمبدعين من الكتّاب العرب في أميركا سنة 1997. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وعضو اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعضو تجمع الأدباء والكتاب الآسيوأوروبيين).

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *