-
حاورته: بشرى عبدالمؤمن
يعدو كالخيل، يومض كالفراش، يطن كالنحل، لم ينصره الليل ولم ترحمه سوى الموسيقى، يفتح بابه كل صباح على علامة استفهام، ويختم يومه بنداء الأحبة والأسلاف، يثقل كاهله بقواميس الشعرية العربية، لا لشىء إلا لينقذ لغته من الموات، ويجعل من كل خافية راية تدل عليه.
هو الشاعر أحمد الشهاوى الذى تدور فى رأسه كتب المتصوفة الأُول كأنها موالد لا أصحاب لها، لم يكتب سيرته على جدران المنزل، ولم يدوّن فى كراريسه عنوانه، لأنه يرى إرثه خيبات وخسائر وعمرًا محروقًا فى الشمس، ففضَّل أن يصير خفيفًا، لا ينافس الهواء فى اختناقه، شاعرًا يخيط قصيدته بإبر لا تبصرها، لكن لا يمكن لعينيك إلا أن تندهش وأنت تتأمل ما يكتب.
يرى أن المثقف الذى يضيق بالآخر هو من ينتج التشدد والتطرف فى الدين، وأن هناك عددًا كبيرًا من المثقفين المصريين سلبيون فى علاقتهم بالسياسة، وأنه لا يمكن أن نبحث عن التنوير فى وقت لا يلتقى فيه طلاب الجامعات والمدارس المفكرين والشعراء.
واعتبر صاحب ديوان «ركعتان للعشق»، فى حواره مع «الدستور»، أنه على وزارة الثقافة أن تهدى الكتب مجانًا إلى المكتبات العامة ومراكز الشباب بدلًا من أن تأكلها الفئران فى المخازن، على حد تعبيره، والتخلص من نصف العاملين بالهيئات الثقافية ومنح رواتبهم للإنتاج المعرفى، مشيرًا إلى أن «الميديا» الحديثة والذهاب للمصادر الواحدة جعلت الشعراء يتشابهون فى نصوصهم.
■ بداية.. هل أسهم المثقف المصرى دون قصد فى تهميش دوره بسلبية مشاركته الاجتماعية والسياسية وانصرافه عن قضايا الواقع؟
– عدد كبير من المثقفين المصريين سلبيون فى علاقتهم بالسياسة، وشخصيًا أنا لا أمارس السياسة كتنظيم حزبى، لكننى تورطت فيها مبكرًا، فأن تكون مهمومًا بقضايا وطنك ذلك يجعلك أيضًا مشاركًا فى نهضته الفكرية.
■ هل التطرف الثقافى والنقدى ابن للبيئة المصرية وضغوطها أم ظاهرة إنسانية عامة؟
– التشدد والتطرف واحتكار الرأى مسألة إنسانية، لكن مصر بلد تسامح وتعايش، فمصر استوعبت ولم تُسْتوعَب، فمثلًا هى لم تصبح أرمينية، بل استوعبت الأرمن فصاروا مصريين، واستوعبت المماليك وغيرهم ممن أتوا واستقروا فيها وتزوجوا منها.
أما المثقف الذى صار يضيق بالآخر فقد أنتج على الطرف الآخر المتشدد والمتطرف فى الدين، فالإمام الشافعى مثلًا كان متشددًا فى العراق، وعندما جاء إلى مصر ورأى أناسًا مختلفين ولاحظ الانسيابية فى الروح ألغى ما كان يأخذ به فى العراق، وتعامل مع المصريين بمنطق آخر تمامًا، فالأرض بناسها جعلته يصرف النظر عما كان يفرضه على أهل العراق، أما ضيق النظر لدى بعض المثقفين فيأتى من ضيق الأفق الشخصى وعدم التعددية فى القراءات والمصادر.
■ إذا وضعت ورقة عمل موجزة لاستراتيجية نهوض ثقافية خلال المرحلة المقبلة فماذا ستكون أولوياتك؟
– بحكم اقترابى، كصديق، من وزراء كثيرين للثقافة ومعرفتى بالهيئة المصرية العامة للكتاب فإنى أجد أنه علىّ أن أتخلص من نصف العاملين بالهيئات كى أمنح الرواتب التى يتقاضونها للإنتاج الثقافى والمعرفى؛ لأن ما يتبقى من ميزانيات هذه الهيئات يذهب كثيره كرواتب ومكافآت ومنح.
أما عن الاستراتيجية، فأولًا: لا بد أن ننتج كتبًا ثقافية منتخبة ومختارة ومصطفاة، وثانيًا: لا بد من الفرز، فعدد كبير من الكتب التى تصدر فى هيئتى الكتاب وقصور الثقافة وغيرهما لا يستحق النشر.
فمثلًا ما قيمة أن أصوِّر كتبًا من طبعات قديمة غير مقروءة أساسًا فى طبعتها الأولى وأعيد نشرها دون تحقيق؟، بل كان يجب إعادة طباعة الكتاب لا تصويره، كما أن سعر الكتاب فى هذه الهيئات أصبح ينافس دور النشر الخاصة، لذا قلَّ التوزيع وندر الإقبال، بالإضافة إلى ذلك لا بد من أن تتكامل خطة وزارة الثقافة بكل هيئاتها مع وزارات التعليم والإعلام والأوقاف والشباب والرياضة.
وإلى جانب ذلك، لو أننى أضع خطة للنهوض والارتقاء بالمواطن المصرى ثقافيًا لكانت قصور وبيوت الثقافة أول ما أعوِّل عليه، فلا بد أن أهدى قصور الثقافة ومراكز الشباب فى القرى والمدن كتبًا مجانية، خصوصًا أن الفئران تأكل مخازن الهيئات الثقافية الحكومية، فبدلًا من أن تأكلها الفئران يأكلها القرَّاء.
وعندما سافرت إلى أماكن كثيرة فى العالم لإقامة أمسيات شعرية، كانت إدارة مهرجانات الشعر تشترط على المشارك أن يقرأ شعرًا فى المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية ثم فى الجامعة، وهو ما لا يحدث لدينا، فكيف نطلب التنوير والتسامح والقضاء على التطرف وطلاب الجامعات والمدارس لا يلتقون المفكرين والأدباء والكتّاب؟
■ يبدأ ديوانك «ما أنا فيه» بجملة «أنا عِند حُسن ظن الحرف بى»، فهل كانت العبارة رغبة منك فى امتلاك اللغة أم نرجسية شاعر؟
– الشاعر ذاتى بطبعه، والشاعر فى مهد الكتابة يكون شخصًا آخر غير الذى يعرفه الناس فى الأوقات العادية، وهناك قلة من الشعراء هم شعراء طوال اليوم.
والنرجسية أنواع، لكن كل ما هو سلبى يخصم من رصيد الشاعر؛ فالنرجسية المرضية تؤذى الشاعر وتجعل نصه مغلقًا، بينما النرجسية المفتوحة على الروح والباطن هى ما تحقق للنص كونيته وإنسانيته وتجعله عابرًا للحضارات والثقافات، فالشاعر إنسان فى كونٍ أو كونٌ فى إنسان، وأنا ابن الحرف، والحرف أمة وكون رحب، ولا أحب أبدًا أن أخذل حرفى لحظة الكتابة.
■ هل يمكن أن تتخلص فى المستقبل من الحس الصوفى الذى يلازمك؟
– لن أتخلص من الحس الصوفى، ولماذا أفعل؟، فشخصيتى مطبوعة به ولا أقول مصبوغة، لقد تربيتُ فى سرير نار التصوف ونوره، وقد قرأنى بعض الشعراء والنقاد خطأ، بمعنى أن هناك آراء عن كتاباتى ليست صحيحة.
فمن السهل أن يطلق البعض حُكمًا عامًا ويضعنى فى دُرج التصوف، لكن هل أنا ابن التصوف؟ نعم، ابن الفلسفة؟ نعم، ابن الشعر؟ نعم، وهكذا فى الموسيقى والفن التشكيلى، فلو لم أكن دارسًا للصحافة لتمنيت أن أدرس الفلسفة.
وقد بنيتُ على الفلسفة التى درستها فى قسم الصحافة، وعمَّقتُ بعد تخرجى من قراءاتى فى الفلسفة الإسلامية والفلسفة الأوروبية الحديثة، وأظن أن أقرب الكتب إلىّ هى كتب التصوف أولًا، ثم الفلسفة، ثم كتب العشق العربى، أما كتب الشعر فهى غذاء يومى.
وأنا أعمل فى اتجاهات عدة، ناهيك عن العمل الصحفى، وأشتغل فى الشعر والتصوف وأدب العشق وفلسفة الدين وأخيرًا الرواية، إضافةً إلى حبى العميق للفن التشكيلى والموسيقى، ويؤذينى أن يختصرنى النقاد فى جزء بعينه، ولو عادوا إلى ما كتبت فى «ما أنا فيه»، و«لا أرانى»، و«سماءٌ باسمى» وأعمال أخرى سيجدون شخصًا آخر لم يروه من قبل، فأنا أحاول فى كل كتاب شعرى أو نثرى أكتبه ألا أكرر نفسى، لكن فى حياتنا الثقافية يقع ظلم كبير على أسماء كثيرة، ويختصر البعض شاعرًا فى جزئية معينة تفرَّد بها وامتاز.
أما فيما يتعلق بالتصوف، فأنا ابن التجربة، لم أستعر لغة المتصوفة أو أحوالهم، فعندما تستعير حال أو لغة أحد، سواء كان صوفيًا أو شاعرًا، فلن تكون حقيقيًا، وما حدث من شعراء كثيرين سابقًا والآن، وليس فى مصر فقط بل فى بعض البلدان العربية، أنهم استعاروا لغة المتصوفة؛ بمعنى أن تصير اللغة حلية أو زخرفًا للنص، فهذه النصوص لا تقوى على البقاء، وعمرها قصير، لأنها قبس أو نفَس من آخر.
وهذا الآخر، القديم بالنسبة لى، أكثر حداثة من المكتوب الآن، بمعنى أنك لو عدت إلى رسالتىّ «المواقف» و«المخاطبات» لـ«النفرى»؛ لوجدت لغتين وشكلين جديدين لم يعرفهما العرب من قبل، لكن ما يحدث الآن هو تشويه لبنية النص والأجواء والعوالم التى خاضها محمد بن عبدالجبار النفرى.
أما عمر بن الفارض فهو أكثر الشعراء وجودًا بكتابه فى الثقافة المصرية، ولكنه ليس مقروءًا عند كثير من الشعراء، وقد صار الآن «موضة» كموضة التصوف التى استشرت، ولا أقول انتشرت، كأنها صارت مرضًا.
■ يرى بعض الشعراء أنه ليس ثمة جمال فى الشعر، بل الجمال يكمن فى الطريق إليه.. فكيف ترى ذلك؟
– الجمال فى الشعر.. فى الفن.. فى اللوحة.. فى القطعة الموسيقية.. فى الجوهرة التى تراها، صحيح أن الطريق إلى الجوهرة ممتع ومشوِّق وجذاب ومغرٍ، لكن نقطة النور الحقيقية فى المتن، أى فيما تصنع.
وقبل سنة ١٩٩١ كنت شخصًا، وبعدها صرت شخصًا آخر، فقد كنت فى الولايات المتحدة الأمريكية فى «برنامج الكتاب الدوليين»، وكنت أصغر شخص من بين ٣٥ مبدعًا من العالم، وكلما التقينا على الغداء أو العشاء يسألنى من معى: ماذا كتبت؟ فأقول: لا شىء، وفى اليوم التالى يتكرر السؤال كذلك، إلى أن عرفت أنهم يوميًا يمارسون الكتابة إلا أنا.
بعدها، بدأت أجلس إلى المكتب يوميًا بغرض الكتابة، سواء كتبت أو لم أكتب، وانتفت عندى فكرة الإلهام وانتظار أن تهبط علىَّ القصيدة من السماء، قلت: لماذا لا أذهب إلى القصيدة وأيضًا تأتى القصيدة إلىَّ ونلتقى فى المنتصف، طبعًا أنا مع المزاج والإلهام والوحى ولا أنفيه، لكنى كذلك مع الاجتهاد والسعى والدأب والاستمرارية.
■ ألا يتعارض ذلك مع تلقائية النص؟
– الشاعر سيكتب بانسيابية وفطرة وتلقائية فى كل الأحوال، والنص المعد سلفًا يسقط، لكن لا بد من إعادة القراءة و«هندسة» و«تدليع» النص وتشذيبه ونخل قمحه، وللأسف نحن نتعامل مع النصوص كأنها وحى يوحَى من السماء، وهذا غير صحيح، فنحن الشعراء نُجَن ونلْهَم فى لحظة الكتابة، وبعد ذلك عندما نغيب عن النص فترة يصير النص غريبًا علينا؛ ولا بد من التعامل معه بالحسِّ النقدى.
لذلك، لا أعوِّل على شاعرٍ ليس لديه حس نقدى، فلا بد أن يكون هو ناقد نصه الأول، وأنا أيضًا مع فكرة أن يكون للشاعر أصدقاء قريبون يقرأون نصوصه، كما كان يفعل صلاح عبدالصبور، ويذكرون ملاحظات لا أوامر أو إرشادات مسلمًا بها، لأن الآخر قد يرى فى النص ما لا يراه كاتبه، وذلك ما يشذِّب النص، فلا يوجد نص يولد كاملًا؛ لأنه إذا اكتمل النص مات الشاعر.
■ تحدث الشاعر البحرينى قاسم حداد عن حالة الجفاف التعبيرى فى السنوات الأخيرة.. فما مستقبل الشعر العربى فى رأيك؟
– «الميديا» الحديثة زادت من كون الشعراء يكتبون نصًا واحدًا، أو يتشابهون فى نصوصهم، كما أن تكرار الذهاب إلى المصادر الواحدة يجعل النصوص متشابهة، لكن لا بد من الاجتهاد، فلا توجد شعرية واحدة، بل شعريات كثيرة وتعدد فى الجماليات والرؤى والأبنية.
كذلك لدينا فكرة القطيعة مع التراث، رغم أنه ليس كل ما هو قديم قديمًا، بل إن كثيرًا من القديم حديث، لكنّ قليلين يذهبون إلى المصادر الأساسية فى ثقافتنا العربية، رغم أنك إن لم تذهب إلى الآخر بلغتك وجمالياتها وإرثك ومخيلتك وما تحمل من بصمات أمك وأبيك فسيقولون: هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا.
لذا، لا بد أن يذهب الشاعر إلى الآخر محمولًا على ذاته وخصوصيته، بمعنى أن يكون نفسه، فعندما عرض جلال الدين الرومى أعماله على شيخه شمس الدين التبريزى ألقاها الأخير فى البئر التى كانا يجلسان حولها، وقال له: اذهب.. وكن نفسك، ومن هنا ولد «الرومى» الآخر بعد سن الأربعين.
■ هل ترى أن نصوصك الشعرية تقع فى نطاق قصيدة النثر أم فى سياق آخر؟
– لا أجد حرجًا فى أن أوصِّف نفسى الآن؛ أنا ابن العين الرائية، وابن القلب الذى يسمع، والروح التى تحتفى بالإيقاع، وقد أصدرت أربعة أعمال شعرية تفعيلية كاملة، هى: «ركعتان للعشق»، و«الأحاديث- السفر الأول»، و«الأحاديث- السفر الثانى»، و«لسان النار»، وفى الديوان الأول كتبت قصائد عمودية.
لذا أقول: أنا مع الشعر فى أى شكل له، المهم أن يكون شعرًا، وفى كل أعمالى لا بد أن تجد ما هو تفعيلى، بالتسمية النقدية المتعارف عليها، لكننى منذ اهتمامى المبكر بالموسيقى وجدت أن الموسيقيين فى العمل اللحنى الواحد يذهبون إلى أكثر من مقام ويزاوجون مقامًا بمقام، وفى النهاية تكون أمام جسد واحد له إيقاع. وأنا مع تزويج نغمية شعرية بنغمية أخرى، وتوحُّد وتر آلة بآلة إيقاع أخرى؛ ففى «الأحاديث» ذهبت إلى إيقاع الحديث النبوى، ثم إلى إيقاع آخر هو إيقاع الحديث القدسى، وبين الإيقاعين اختلافات فى الشكل والبناء، وحاولت أن أقدم بناءً بشريًّا خاصًّا، فالشعر يكتب أولًا ثم تأتى القاعدة تالية له، وهو ما حدث فى تاريخ الشعر العربى، وأنا ابن تجربة الشعر العربى بكل مدارسه وعصوره، فالشعر أولًا والشكل من بعده.
■ لو كان المتنبى حيًا.. هل تظن أنه كان سيكتب الشعر العمودى.. أم قصيدة النثر؟
– كان «المتنبى» سيكتب نفسه.
■ لماذا يبدو عدد الشاعرات قليلًا نسبيًا إذا ما قورن بعدد الروائيات؟
– على العكس، هناك شاعرات كثيرات جيدات فى مصر الآن، ينقصهن فقط أن يكون عند كل واحدة منهن «محرر» أو «مصحح»، من فرط الأخطاء اللغوية والإملائية والأسلوبية، فمقارنة بجيلى والأجيال التالية زاد عدد الشاعرات، لكن ثمة إعاقة لنشر الشعر فى مصر والعالم بشكل عام، فالشعر لا يوزع للأسف، صحيح أننى أوزع لأن هناك من يقبل على كتبى، أما الروائيات فيجدن فرصًا أكبر للنشر، فيظن البعض خطأ أنهن الأكثر عددًا وحضورًا وذلك غير صحيح.
■ بالحديث عن التوزيع يرى البعض أن شاعرين مثل محمود درويش ونزار قبانى أزالا الفاصل بين الشعر والجمهور.. فهل ترى نفسك كذلك؟
– سأقول واحدًا من أسرارى، عادة فى المهرجانات الشعرية، العربية منها أو العالمية، أضع خطة أولى وأخرى ثانية وثالثة لما سأقرأ، ثم أقدم وأؤخر حسب الحضور؛ بحيث لا يكون هناك خلل فى تقديم ذاتى للجمهور.
وعادة، أقرأ فى الخارج الشعر الإنسانى العابر للأرواح والقلوب والثقافات، وهنا أقدم ذاتًا إنسانية، وبالتأكيد هناك نصوص يحب الناس أن أقرأها، فنصف النصوص التى ألقيها فى أمسياتى الشعرية تكون موزونة؛ لأن الجمهور يحبها ويلح فى طلبها، فالشاعر يختار مما يكتب، فهو فى كل الأحوال يقدم نفسه، لكن ما دام الشاعر ظهر إلى الجمهور فعليه أن يرضيه بالمعنى الجمالى، لا بالتدنى أو الكتابة بالمقاس لإرضاء الغير.
■ كنت صديقًا لمحمود درويش.. فما رأيك فى الكتابات التى تصدر عنه؟
– كثيرون عرفوا محمود درويش، لكن هناك قلة كان يثق بها، ومن الأعمال التى يجب أن نقف أمامها باحترام وإجلال؛ لأنها تتسم بالمصداقية، ما قدمه صديقى الشاعر المغربى الكبير حسن نجمى؛ فله حواران مهمان وعميقان مع «درويش»، ورغم أنهما لم يصدرا فى كتاب، فإنهما يظلان المصدر المهم لقراءة تجربة «درويش»، ولكل من يريد أن يطل على «درويش الآخر»، فقد كان يثق فى حسن نجمى ثقة شديدة.
ومن الأعمال المهمة أيضًا التجربة التى أصدرها الشاعر اللبنانى عبده وازن، فى كتابين، وما كتبه الأكاديمى الشاعر والكاتب شربل داغر؛ الذى كان قريبًا من «درويش» فى فترة وجوده فى باريس، وأقول بصراحة إن علينا أن نعوِّل على تجارب كهذه، وقد تغيب عنى أسماء أخرى الآن، لكن هذه الأسماء الثلاثة قدمت المزيد لفهم تجربة «درويش».
وقد كنت أتعامل مع «درويش» كصديق لا كصحفى، كما كنت آخر مصرى رآه، فقد عدنا معًا بالسيارة من الإسكندرية إلى مطار القاهرة، فى زيارته الأخيرة لمصر، لكننى رغم العلاقة بيننا لم أجرِ فى حياتى حوارًا مباشرًا من سين وجيم معه، لكننى كنت أحتفظ فى ذاكرتى بمعظم نقاشاتنا اليومية وأعود فى الليل لكتابتها.
وقد كان «محمود» ذكيًا، وكان يسرِّب لى بعض الأشياء، وهو يعلم بفطنته أننى سأنشرها يومًا ما، وهناك ما نشرته بالفعل من طقوس اللقاء على صفحات مجلة «دبى الثقافية»، وجريدة «القدس العربى» وما لم أنشره حتى هذه اللحظة.
هل يجب أن يكون وزير الثقافة من أكبر المثقفين أم من أفضل الإداريين؟
– أن تأتى بشخص لا علاقة له بالعمل الإدارى وتجعله وزيرًا للثقافة أو أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للثقافة أو رئيسًا للهيئة العامة لقصور الثقافة فستكون فترته فترة فشل، فيمكن أن يكون الوزير عميدًا أو رئيسًا لقسم كذا أو مديرًا لكذا، لكن يجب أن تكون لديه فكرة عن العمل الإدارى.
ويمكن ضرب المثل بالراحل حسين مهران، الذى كان رئيسًا لهيئة قصور الثقافة، ولم يكن من أهل الأدب، لكنه كان من أهم من أداروا الهيئة، وتقدمت طباعة الكتاب فى عهده.
فالمشكلة فينا، نحن الشعراء والروائيين، عندما نكون مسئولين عن السلاسل أو النشر هى أننا ننشر طبقًا لأذواقنا نحن، فالبعض يفرض وجهة نظره الشخصية لأنه يكتب لونًا بعينه فينحاز إليه، وذلك أيضًا من الفساد، وأنا بشكل عام مع استبعاد متوسطى وعديمى الموهبة بشكل عام.
-
عن الدستور