“إيروتيك” الأجداد بين يدي الأحفاد

جسد وروح (1)

إيروتيك الأجداد بين يدي الأحفاد

يحيى القيسي*

 

يبدو أن دور النشر العربية أصبحت تتسابق اليوم إلى طباعة نتاج أجدادنا ” الإيروتيكي”، والكلمة هنا ملطّفة تجنباً للكلمة الأدق أي “الشبقي” ، ويمكن أيضاً التعبير بشكل أكثر حرية عن ذلك التراث الجنسي الكبير،والخطير الذي وصلنا نحن الأحفاد المؤدبين، بعد نحو ألف سنة أو يزيد، مبثوثاً بين ثنايا “صبح الأعشى” للقلقشندي ،و “ألف ليلة وليلة”، و موسوعات ابن عبد ربه الأندلسي ،ووجدناه مكثفاً وسافراً بشكل لا يحتمل التأويل في كتب الإمام السيوطي ” نواظر الأيك في فن .. ” – لاحظوا هنا أنني لا استسيغ كتابة اسم الكتاب كاملاً،  أما الإمام صاحب تفسير الجلالين والفقيه والعالم ، فلم يتردّد في تسمية الأشياء بمسمياتها ،ومنها ” الأترنج في الغنج” ، ولا يمكن أيضاً نسيان قاضي مصر وتونس الشيخ التيفاشي في كتابه “البورنوغرافي” المخصّص لوصف الجنس الشاذ  “نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب” ،ولا يمكن المرور سهواً على كتاب الشيخ النفزاوي “الروض العاطر في نزهة الخاطر “، وهذه نماذج قليلة من تراث لم يكن هامشياً ونائياً في التخوم من الثقافة العربية كما يبدو، وها هو اليوم عاد إلى الحياة ليشير إلى تلك الحياة المتهتكة لأجدادنا، وأنا شخصيا وظفت جانباً منه في روايتي “باب الحيرة ” ،ورأيت شيئاً من هذا القبيل متوفراً بكثرة في رواية سلوى النعيمي “برهان العسل” ،وهي رواية جريئة إلى حدّ كبير في تسمية الأشياء بمسمياتها بطريقة لا تخلو من الفجاجة..!

لن امرّ على الملذات المطروحة في المخيال الإسلامي النقلي عن الجنّة، ولا عن القراءات الظاهرية للملذات، لكني أطرح السؤال هنا عارياً: لم كل هذا الاحتفاء بالجسد؟ وأين الجانب الروحي في المجاسدة، والمباعضة، والمعافسة، والمفاخذة ، …إلى آخر التعبيرات اللغوية العربية الملطفة عن فعل “النكاح ” الذي هو أيضا ملطف عن فعل آخر أصبح استخدامه في الظلّ فقط ..!

إنّ من يقرأ عن الإيروتيك الشرقي أي الهندي تحديداً سيجد ثقافة مختلفة، ولا سيما في الكتاب الشهير “الكاما سوترا ” فهناك اشتغال حقيقي قبل أربعة آلاف سنة تقريباً من كتب العرب ذات الطابع الإباحي الشاذ – بكل أسف – على ربط الجسد بالروح ، والانتباه إلى أن الفعل الجسدي يتبع القبول الروحي ،أي قائم على الحب، وأقصى درجات الوله والعشق والقبول ،وليس فعلاً ميكانيكياً خارجياً يقوم على الاحتكاك ..!

بعض التعابير في ألف ليلة وليلة مثلاً تحيل القارئ إلى فعل الحرب لا الحب ،ويظنّ المرء أنّه يتابع وصفاً لمعركة لا لعلاقة جسدية من مثل “فعند ذلك قامت إليه ست الحسن  فجذبها بدر الدين وعانقها ،……، ثم ركب المدفع، وحرر القلعة ،وأطلقه فهدم البرج فوجدها درّة ما ثقبت ،ومطية لغيره ما ركبت، فأزال بكارتها ، وتملّى شبابها …” .

القراءات للموروث الجنسي العربي تقود إلى الاستدلال إلى ذلك الاحتفاء المبالغ فيه بالجسد وصولاً إلى أقصى درجات التهتّك، ذلك أنّ التجاسد هنا يصل إلى درجة الشذوذ ،إذ هناك فصول خاصة للجنس المثلي، والسحاق، والحيواني، ولا يكاد المرء يعثر على ذلك الحب العظيم،والعواطف الإنسانية الرقيقة ،والكشف الروحي للرجل والمرأة ،أما الملاحظة الأخرى فهو أنّه ذكوري بامتياز، لا يقيم وزناً للمرأة ودورها، اللهم إلا من ناحية المنفعل لا الفاعل ،والأرض الموطوءة ،ومحل المتعة.

على كل حال رغبت هنا فقط بالتأشير على الانتباه لدراسة الهامشي والقصيّ من تراثنا بعيداً عن الإجابات الجاهزة ،والبحث بتجرّد عن أسباب نشوء مثل هذا النوع من الكتابات ،وأثرها ،ودورها في صياغة ثقافتنا التي كانت، والتي ما نزال عليها الآن ، قبل الإدانة ،والإقصاء والتهم المعلبة ..!

  • مؤسس ورئيس تحرير “ثقافات”

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *