“ثقافات” واحة فكريّة نتفيّأ ظلالَها الوارفة ونَنعَمُ بعِطرِهَا الرَّطِيب

خاص- ثقافات

 السّفير د. محمّد محمّد الخطّابي*

 

ثقافات” مبنر ثقافي رفيع ، ومنار أدبي بديع ، وواحة فكرية نتفيّأ تحت ظلالها الوارفة، وأغصانها الفيحاء عطرَ الشرق السّاحر، وروعة الغرب الآسر، إنّها دوحة معرفية تحنو على قرّائها ، وقارئاتها حنوّ المرضعات على الفطيم، تصدّ الشمس عنهم أنّىّ واجهتهم، فتحجبها وتأذن للنّسيم ، تقيهم لفحة الرّمضاء ،وتشفي غليلهم من ظمأ ،وعطش، وصَدىً، وأوّام، وهيام المتيّمين الوالهين ، هوىً، وصبابةً، وجوىً، ووجداً ،وعشقاً بالحرف النابض، والكلمة العذبة ، والأدب الرّصين ،والفكر الخلاّق.

تتميّز” ثقافات” بجاذبية سحرية غريبة، فأنت عند زيارتك الأولى لها لا تستطيع منها فكاكا ، تكاد أن يتوازى وَلَعُك بها مع قهوة الصباح عند غسق الدُجىَ، وشاي الظهيرة، وكأس الطلى ،والماء العذب الزّلال فى قيظ الصّيف، وهبوب صبا النسيم العبق العليل عند الشفق الأصيل…وهي على غنى مضامينها، وثراء مواضيعها،وتباين حقولها ،وتعدّد مشاربها ،وتنوّع ينابيعها تجعل بينك وبين الرتابة والملل برزخاً واسعاً، ويمّاً شاسعاً ، وتجعل بينك وبين الإستمتاع ،والإستغوار، والإستكناه، والإستبطان، والإنغماس فى روائع المعرفة والعلوم والعرفان،آصرة هي قاب قوسين منك أو أدنى، إنها ملتقى الكتّاب والمثقفين المجدّدين، فى مشارق الأرض ومغاربها، وقبلة الباحثين المستنيرين، ومنبر الأدباء والمفكرين، وعكاظ الشّعراء والفنّانين من كل صوب وحدب، ولوحة الفنانين التشكيليين المبدعين، ومنهلاً لذخائر التراث العربي والإنساني الزاخر.

 وإسمها ” ثقافات” يدلّ علي رسالتها الشمولية السامية الرّفيعة ، فهي إسم على مُسمّى كما يُقال، إنها فى صيغة جمع مؤنّث سالم …فسَلِمَتْ معها وبها ولأجلها أيدي السّاهرين عليها ،والقائمين بها،والرّاعين لها .إنها ما فتئت تبهرنا – منذ تأسيسها فى الأردن الحبيب على يد الكاتب الفذّ، والأديب الألمعيّ، الأستاذ يحيى القيسي بفيضٍ غامرٍ غير ضامرٍ من العطاء الثرّ، والمتابعة الحثيثة، والمسايرة الدقيقة، والمثابرة التي لا تكلّ، وأرجو لها إن شاء الله  عمراً مديداً، وتجديداً ورونقاً وبهاءً مزيدا ، ما فتئنا ننتظر منها الكثير، والكثير بفضل همّة صفوة من خيرة الأصدقاء المبدعين والمبدعات من فرسان وفارسات اليراع والإبداع ، ونخبة ممتازة من المثقفين، والمثقفات الذين واللائي يبذلون ويبذلن جهوداً مضنية ليخرج علينا هذا المنبر الثقافي السّاطع ،وهذا المولود اليافع الأنيق فى حلّته القشيبة، وهندامه البديع،والذي أصبحت أضواؤه السّاطعات تنير ربوع وأصقاع عالمنا العربي وغير العربي فى مختلف أرجاء المعمور ..هذا المولود ها قد شبّ عن الطوق وأصبح قويّ العود، فى شرخ شبابه النضر، وريعان عمره الفتيّ. فهنيئاً للرّوائي المتميّز الصديق الأبرّ الأستاذ يحيى القيسي الرّاعي الأمين ، والسّاهر المثابر،والصّابر الحثيث لتجاوز كلّ العقبات،والصعوبات التي تواجه مشروعه  التربوي،والإعلامي، والثقافي الطموح ، الذي أصبح اليوم يتبوّأ مكانة مرموقة،ومنزلةً لائقة فى الساحة العربية  الثقافية المعاصرة .

تحيّة حرّى لكِ  من القلب ” ثقافات “ونأسف  أسفاً شديداً عن الأخبار المُزعجة التي انتهت إلى علمنا..كما نأسف عن الظروف الصّعبة التي يمرينّ بها بعد أن أمسيتِ كبيرة فى أعيننا .. هذا ما يحدث في مختلف بلدان عالمنا العربي الرديء ، فكم من تجربة رائدة، و مبادرة ناجحة ومتفرّدة سدّوا عليها الخناق بلا شفقة ولا رحمة واغتالوا ” الحرف” العربيّ النقيّ الذي كانت ترعاه، إنهم بعدم مساندة ودعم هذا المنبر الرّصين إنما هم يكتمون أنفاس المثقفين، و يحبطون رغبتهم الجامحة في مواصلة الكتابة والعطاء ، فالكتابة عندهم أصبحت هي المِعول والمِنجل اللذان ما زلت تحملهما أيديهم بالكاد .

 أغتنم هذه السانحة لأقول ملء فمي، ولساني، وجَناني  شكراً لكِ  ” ثقافات” من الأعماق على تثقيفنا وتهذيبنا.. شكراً لكِ وللعديد من كتّابكِ، ومثقفيكِ، ونقّادك، وشعرائك الذين داوموا على الكتابة في فضائك التنويري المشرق  حيث كانت حبّ الكلمة الجميلة الحرّة الهادفة الملتزمة الطليقة ديدنهم.. لكِ الشكر ولكلّ طاقمك المخلص المتفاني الذي عمل معك أو إلى جانبك وإلى كلّ هؤلاء الأفذاذ الذين كانوا وراء ظهورك، وتألقك، واستمرارك.

  لقد عقدتُ العزمَ على مواصلة الكتابة فى هذا الموقع الجميل إلى أن يشاء الله ،ولابدّ أنّ العديد من مثقفينا الشرفاء لن يتوانوا فى إتخاذ نفس القرار لعلّ القلوب الرحيمة التي ما فتئت تنبض فى نياط أفئدتها غيرة حقّة على الثقافة العربية الأصيلة التي لطالما أنارت دياجي الظلام فى أوروبا وفى العالم أجمع لأجيال طويلة،طويلة تستجيب  !.

كان إعجابي وما يزال يتزايد يوماً بعد يوم بهذه النافذة الثقافية المُشرعة التي نطلّ من على شرفاتها الوردية الفسيحة على كلّ بديع رائع ، وجميل جليل فى عالم الخلق والعطاء، والفنون ،وإلإبداع، – قرّاءً، وكتّاباً،وشعراء، وفنّانين ،ومبدعين- حدائق غنّاء ،وبساتين باسقة تغصّ بباقات ملوّنة تتألق،وتتأنّق، وتينع وتزدهي فيها كل صنوف الأزهار النّضرة، والورود الناعمة، ومزهريّات تزيّنها أغصان وأفنان من الفلّ، والقرنفل، والياسمين والرياحين، فى أناقة ورقّة، ورونق ورشاقة،وبهاء .

تحريراً بتاريخ 26 أغسطس (آب) فى حيّ المزمّة ( أجدير- الحسيمة) المغرب.

*كاتب وباحث ومترجم من المغرب (عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوتا- كولومبيا)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

تعليق واحد

  1. لفد كان تعبيركم جميل وواضح ومبسط وسهل الفهم و الاستيعاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *