خاص- ثقافات
*خلود البدري
شفاه الكلمات ، قراءات في الرواية والقصّة والشعر /2018 دراسة وقراءة خلود البدري
مقدمة لا بد منها :
هنا في هذا الكتاب مجموعة من القراءات التي نشرت في الصحافة العراقية والعربية وبعض المواقع الالكترونية الرصينة ، قدمت فيها قراءة وفحص لمنجز بعض الكتاب والشعراء ، فالقراءة كانت وما زالت جزءا مهما من تكويني ، هنا في هذا الكتاب أحببت أن يشاركني القارئ العزيز بما قرأته. يقول رولان بارت : ” إن هذا ” الأنا ” الذي يقترب من النص هو نفسه سلفا متشكَل من تعدَد نصوص أخرى، وأنساق لا نهائية ”
والقراءة ليست فعلا عرضيا ” طفيليا “على كتابة نمنحها كل امتيازات الإبداع والأولوية ”
وقد ضم الكتاب عدد من المقالات ومنها:
سومري ينقش حروفه بإزميل الزمن
قراءة في مجموعة قصص القاص والروائي زيدان حمود
في شتاء ساخن .. قصص للروائي والقاص زيدان حمود ، المجموعة التي صدرت عن منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق وبواقع 15 قصة، وهي على التوالي : في شتاء ساخن ، في الليل وعند الظهيرة ، همس متواصل ، امتداد ، غناء ، سيدة الصمت ، صوت ، انحراف المسافات ، عندما تحدث سلطان ، دائرة حسابات العبود ، ما حصل في اليوم الأول لاختفاء القافلة ، في دائرة الصدى ، دفوف ، مدخل إلى رقصة صوفية ، ماء .
المدخل : إلى بوابة الجحيم .. جحيم الحرب :
المرأة التي فقدت ولدها في السوق وهو يبحث عن الطحين ليشبع جوعه وجوع أمه ، تجده جثة في ركن من أركانه .
“الحوذي بعينين قاسيتين وجسد مشدود يعلن رفضا قاطعا للانكماش لجبروت الشتاء القاسي ، وامرأة عجوز بعينين دامعتين مرتعشتين وهي تطلق نداءها المتكرر
تعبان ..
– عمن تبحثين يا أمي؟
– أبحث عن تعبان .
– ومن يكون؟
– ولدي الوحيد وليس لي أحد سواه
– وماذا يفعل تعبان في هذا السوق المحترق ؟
– لا أدري .. ولكنه ذهب ليشتري لنا الطحين ..
– أليس هذا هو سوق الطحين؟
:القاص كان يخرج كل يوم في أشد حالات القصف ودفتره بيده يكتب مشاهداته لهذا الدمار ..
وعندما نستغرب من ذلك، يقول :أوثق يوميات “الحرب “.
لمسة النهاية في القصة لمسة تشي بالوضع الذي وصلنا إليه فقد وجد الحوذي جثة ولدها الوحيد وها هو يدلها عليه “هرولت العجوز بعينين دامعتين وقلب مرتعش وابتسامة بلهاء فوق وجه جائع وهي تصرخ
– ربما تمكن من شراء الطحين .ص7
ترجل الحوذي عن عربته وقاد حصانه ماشيا خلف العجوز الراكضة وقد أحس لأول مرة أن برد الشتاء القاسي قد تمكن منه تماما “ص8
في قصة ” في الليل وعند الظهيرة ” ..الروائي ابن مدينته هو المتعلق بها كالطفل المتعلق بعباءة أمه ..هو الكاتب الذي شغلته المدينة وشغلته الحرب هنا، في هذه القصة مكابدات أزهر وهو يشاهد صديقه ، من كان معه في ملجأ واحد يتحول إلى كومة لحم لزج ..ومعاناته كيف يخبر أهله باستشهاده بعد ترقبه لحائط في المدينة كانت تعلق عليه القطع السوداء ، ويا لكثرتها ..يقول :” ثمانية أيام ؟ العائدون .. الناس الذين يسألون .. كل الأشياء توضحت وأنت وراء هذا الحائط ، لا تريد للثامك أن يسقط ، الحائط يتسع والأسماء تأخذ مدى أوسع ، ومجالس الفاتحة شيء للتذكار ، لجمع الشمل ، حكايا وأحاديث ووصف للأيام الماضية التي عاشها الشخص في النفوس “ص13
يا ألهي .. عمن تكتب يا صديقي ؟!.. وكأنك تكتب عنك ! وقت غدوت الآن قطعة من قماش أسود لكنها خطت بحروف من نور، هذه المرة ، علقت على حائط الزمن .
في بعض الأحيان نكتب دون أن نعلم أننا نكتب عما يشغلنا ، عن حياة نحياها بإفراحها وآلامها ففي قصة “امتداد ” البطل يرزق بصبي .. ويضع آماله وتطلعاته به يقول : كان ذلك منذ زمن طويل، انتظرتك فيه، وكنت أحوج ما أكون إليك، ولكنك تأخرت ..”ص26
الانتظار قد يطول ليكون لنا امتداد، يعتقد الإنسان انه سيكون له فرع بشجرة الحياة ..يقول مصطفى محمود في كتابه ” لغز الموت ”
” الفنان والفيلسوف ورجل الدين ثلاثة يقفون على بوابة الموت ..
الفيلسوف يحاول أن يجد تفسيرا
ورجل الدين يحاول أن يجد سبيلا للاطمئنان
والفنان يحاول أن يجد سبيلا إلى الخلود، يحاول أن يترك مولودا غير شرعي على الباب يخلد أسمه .. قطعة موسيقية أو تمثال أو قصة أو قصيدة .
كلنا يخلقنا الموت .. الموت المدهش .” ص21 .
.. في قصته غناء “هناك صوت للغناء يأتي من مكان بعيد يظنه السامع قريبا .. السرد الشيق الذي يؤثر في القاريء يأخذنا حيث الأدراك السمعي، مع الصوت الشجي، يقول :” المرأة الممددة على السرير برداء النوم الشفاف أيقظت زوجها الذي دفن رأسه بوسادة ناعمة، وهو يقول:
– أجل أسمع .. متشرد صعلوك ثمل، يطوف الشوارع ويزعج الناس بغنائه الممل .
– أنني خائفة .
– ممن ؟
– صوت الغناء يخرج من داخل خزانة الملابس .
انتصب الرجل وسط السرير هائجا مذعورا أشعث الشعر، عيناه باتجاه خزانة الملابس وصوت الغناء بدأت مواويله تسيطر على المرأة التي تمايلت نشوانة وهي تحاول مسك الرجل الذي قفز باتجاه الخزانة فتحها على مصراعيها وهو يصرخ:
– أخرج ..أنسا كنت أو جن .ص37
هذا المغني الذي شد صوته الجميع الذي أطرب الجميع بالأمس
“عيناه تائهتان، تتطلعان بالوجوه الكثيرة المحدقة به ..فجأة أغمض عينيه، توقف الغناء، أنهار الجميع فوق أرض الفضاء المفتوح، غمسوا أيديهم بالرمل، ضربوا بها على رؤوسهم بقوة وابتدأ العويل ..عويل مكبوت بحرقة دامية وأصوات مبحوحة، عويل جاف يشبه الصراخ استنطق عيني الفتى الذي بدأت ملامحه تعكس صدى الصرخات المدوية التي حلت محل الغناء “ص40
لقد انتهيت من غناءك العذب وما عادت عيناك تتطلعان لنا، وها نحن قد بدأنا فصلا من فصول العويل .
لكل قارئ مفتاح لسبر غور كل قصة لمعرفة الرمز الذي أراد منا الكاتب الوصول إليه أنا هنا ولأني على مقربة من الكاتب فقد ألبست بعض حروفه على شخصه وليغفر لي ذلك .