هناك أسطورة قديمة جداً تتحدث عن شابٍ قام بعقد رهانٍ مع الشيطان. وكما في جميع القصص والروايات، راهن الشاب بالشيء الوحيد الذي يملكه حقاً، ألا وهو روحه البائسة.
ابتسم الشيطان، كونه لم يسبق له أن خَسِرَ رهاناً من قبل، ووافق على رهان الشاب.
أمّا الشاب من جهته فقد اشترط أمراً واحداً فقط ليدخل بالرهان.
الشيطان: “حسناً، وما هو ذلك الشرط يا صاحبي؟”.
الشاب: “يجب أن أكون أذكى شخص في العالم. أريد أن أكون ذكياً جداً… نابغة عصري… عبقري… أتفوّق فيها على جميع أقراني من الأذكياء… لدرجة أنفوّق فيها عليك أنت بالذات”.
الشيطان: “هكذا إذن! وهل هذا شرطك الوحيد؟”. تمعّن الشيطان جدياً في الأمر. إذ أنّ هذا الطلب يتطلّب شروطاً معينة.
الشاب: “طبعاً إنّه شرطي الوحيد، فإذا كنت أملك أذكى عقلٍ في العالم، ما حاجتي لأي شيء آخر!”.
الشيطان: “نعم، حسناً. لكن سامحني رجاءً أنا الغبي وأنت أذكلا شخصٍ في العالم”.
وهكذا عُقِدَ الرهان، وجاء الشاب إلى هذا العالم. وكان أذكى رجلٍ في العالم، أذكى من الشيطان نفسه حتى.
وكونه أذكى رجلٍ في العالم، حاول قيادة البشرية في جهودها للقضاء على المعاناة والبؤس في العالم. ولتحرير كل البشر من براثن الشيطان والشر نفسه. كانت لديه خطط. خطط كبيرة جداً وعظيمة. لتخليص العالم من مشاكله الاقتصادية، قام بتصميم نظام جديد للنمذجة الاقتصادية. أعظم الشيوعية والرأسمالية. كان شيئاً آخر جديداً تماماُ. لكن البشر، لأنهم كانوا يعمهون في جهلهم، لم يستطيعوا فهم هذا النموذج الاقتصادي الجديد واستيعابه ووصفوه بالهراء. لذلك تخلّى عن النموذج الاقتصادي وانتقل إلى الفكرة التالية.
الفكرة التالية حاول فيها أن يبشّر بالحب والتفاهم لجميع الناس في العالم. حمل بعضهم الراية وقالوا بأنّ فكرة الحب والتفاهم هي الطريق إلى الحرية للبشرية جمعاء. ومع ذلك، نفس الأشخاص الذين بشروا بالحب والتفاهم كانوا هم أنفسهم قساةً وجُهَلاء في أفعالهم وتصرّفاتهم. لأنهم تكلموا فقط عن الحب والتفاهم، لكنهم لم يمارسوا الحب والتفاهم.
كان أمل الشاب الأخير هو إبادة الأرض وكل سكانها. لقد أصيب بالقنوط شعر بالخيانة من قبل إخوانه من البشر في حملاته السابقة لنشر السلام والحب والتفاهم، والآن أصبح لا يسعَ إلى أي شيء آخر سوى نهاية للعالم. ولكن بسبب جهل الناس وأوهامهم، تم سجنه وتعذيبه. وانتهى به المطاف رجلاً ميتاً مربوطاً على الوتد ومحروقاً. وبذلك خسر رهانه مع الشيطان، وانتهى كل شيء.
((ما الذي يستحقّ كل هذا العناء في عالم مليء بالأغبياء والجَهَلَة؟))… تلك كانت خُدعَة الشيطان.
لأنّ المرء يمكن أن يكون أذكى شخصٍ في العالم، ولكن عندما لا يفهمه الآخرون، وعندما يتحدّث عن أمور لا يفقهونها بسبب جهلهم وغبائهم وافتقارهم للذكاء، عندها سيكون ذاك الشخص ملعوناً، ومحكومٌ عليه بالمعاناة والألم في وسط هذا القطيع من البشر الذين يعيشون في نعيم جهالتهم.
عند وفاته، رجع إلى العالَم السفلي ومَثَلَ أمام الشيطان، إلا أنّه هذه المرة خسر روحه، وحتى نفسه. ابتسم الشيطان وقال له: “أراهن أنّك لم تتوقّع ذلك، صحيح؟… هذا الكَمّ من الجهل والغباء والهراء في العالم!…. لكن لا بد أن تتعلّم أمر وحيد على الأقل، وهو أنّني لم أخسَر رهاناً من قبل”.