لقاء عابر بين باسل خياط ودانييلا رحمة، يعقبه مشهد آخر لهما يتعرضان فيه لحادث سيارة، يدخل خياط في غيبوبة بينما تفارق رحمة الحياة في ظروف غامضة.
الملابسات الغريبة حول لقاء رحمة وخياط وحادث السيارة تتكشف شيئا فشيئا عبر مشاهد متتابعة على طريقة الفلاش باك، تتداخل هذه المشاهد مع الوقت الحاضر وتشتبك في أحداثه لتفسر لنا ما حدث.
هكذا يضعنا مسلسل “تانغو” المعروض حاليا على عدد من القنوات التلفزيونية أمام حالة من الغموض منذ أول مشاهده، فالمسلسل هو واحد من الأعمال المشتركة التي تقدّم في رمضان الحالي بإنتاج لبناني وفنانين من لبنان وسوريا، وهو من إخراج السوري رامي حنا وسيناريو وحوار إياد أبوالشامات وبطولة كل من باسل خياط وباسم مغنية ودانا مارديني ودانييلا رحمة ويوسف حداد وطلال الجردي.
ويبدو أن صناع المسلسل قد راهنوا بهذا الشكل على تقديم توليفة درامية مضمونة النجاح، فبخلاف كونه عملا مشتركا يقدّمه نجوم من لبنان وسوريا، فالعمل أيضا مقتبس من مسلسل أرجنتيني ناجح، وهو ما لم يخفه صناع المسلسل.
ورغم هذا الإعلان المبكر عن اقتباس العمل، إلاّ أن وضع اسم الكاتب إياد أبوالشامات كمؤلف للنص على شارة المسلسل أثار العديد من التساؤلات، وهو ما أوضحته الشركة المنتجة للمسلسل في ما بعد، إذ أدخل أبوالشامات تعديلات جذرية على سياق الحبكة الدرامية للعمل غيرت من مصائر أبطاله ووجهة التصاعد الداخلي في المسلسل، وهي التغييرات التي رآها المؤلف أنسب إلى طبيعة المشاهد العربي، كما صرح من قبل، وهو ما يفسر كتابة اسمه كمؤلف في شارة المسلسل.
وتدور أحداث مسلسل “تانغو” حول عامر (باسل خياط) وهو رجل أعمال وزوجته لينا (دانا مارديني) اللذان تجمعهما علاقة صداقة وعمل مع سامي (باسم مغنية) وزوجته فرح (دانييلا رحمة) التي تعمل كمدربة رقص، هذه العلاقة التي تجمع بين الشخصيات الأربع، والتي تبدو علاقة صداقة مثالية بين أسرتين، تخفي وراءها العديد من الأسرار التي بدأت تتكشف شيئا فشيئا بعد حادث السيارة، والذي كان سببا في الكشف عن تفاصيل الخيانة الزوجية التي يتورط فيها الأصدقاء الأربعة.
ونعرف لاحقا أن ثمة علاقة غرامية كانت تجمع بين عامر وفرح، أما المفاجأة الأخرى فتتضح حين نعرف أيضا أن ثمة علاقة أخرى كانت تجمع بين سامي ولينا زوجة عامر، هي خيانة مركبة وعلاقات تحت السطح تظهر فجأة وتتضح معالمها وأسبابها شيئا فشيئا عبر الأحداث المتلاحقة، والتي تتصاعد خلالها وتيرة الإثارة والتشويق من حلقة إلى أخرى.
ويلفت مسلسل “تانغو” إليه الانتباه بسبب هذه التوليفة من التشويق والإثارة المستمرة منذ بدء حلقاته، ساهم في ذلك بالطبع فريق العمل والنجوم المشاركين فيه.
والنجم السوري باسل خياط يؤدي هنا واحدا من أفضل أدواره، إذ تضاف شخصية عامر التي يؤديها في هذا المسلسل إلى مجموعة الشخصيات المركبة التي قام بأدائها مؤخرا، والتي يبدو أنه يجيد اللعب على وترها، وكان خياط قد لفت إليه الانتباه العام الماضي بدوره المركب في المسلسل المصري “30 يوم” مع الفنان آسر ياسين، والذي عُرض في رمضان الماضي وحقق نجاحا ملحوظا، كما يعرض له هذا العام أيضا مسلسل مصري آخر يلعب فيه شخصية ذات أبعاد مركبة ونفسية، وهو مسلسل “الرحلة”.
وفي مسلسل “تانغو” تكشف الأحداث أننا أمام رجل غامض ومتعدد الأوجه، يبحث عن علاقة غرامية من دون حساب للعواقب، لكنه يواجه بمصير غير متوقع في النهاية.
أما الفنان اللبناني باسم مغنية فيبدو أكثر إبداعا كذلك في رسم شخصية الزوج المخدوع تارة والرجل القوي المسيطر تارة أخرى، ولفت إليه الانتباه بذلك التباين في وتيرة الشخصية التي يؤديها والتي تراوح بين الحدة واللين.
ويختلف دور باسم مغنية في “تانغو” عن دوره الآخر الذي يؤديه في مسلسل “كل الحب كل الغرام” والمستمرة حلقاته أيضا في رمضان الحالي، وهو اختلاف يضاف إلى رصيده بالطبع كفنان ونجم متمكن من أدواته.
بدورها تقدّم الفنانة السورية دانا مارديني دورا لافتا ومميزا يضاف إلى رصيدها الدرامي، فقد بدت منذ إطلالتها الأولى في دور لينا كزوجة جميلة مطيعة لزوجها وراضية بحياتها الأسرية، ثم ما تلبث أن تقدّم لنا وجها آخر مختلفا، فهذه الطيبة التي طالعتنا بها في البداية تخفي وراءها تمردا على حالها وعلى علاقتها بزوجها، لندرك أن هذه السعادة الظاهرة عليها مع زوجها هي مجرد وهم، كما نراها تتلون في أدائها حسب الموقف وبسلاسة تمثيلية مميزة.
أما مفاجأة هذا المسلسل فهي بلا شك الفنانة دانييلا رحمة، ملكة جمال لبنان للمغتربات سابقا، وعرفت عن طريق تقديمها لبرنامجي “أراب كاستنغ” و”إكس فاكتور”، ويعد دورها في مسلسل “تانغو” أول تجاربها التمثيلية على الإطلاق، غير أن حضورها اللافت كان محط اهتمام الكثيرين، ومثّل بداية قوية لنجمة سنراها بلا شك في أدوار أخرى، بعد اجتيازها اختبار البداية بنجاح.
ومن بين الأدوار اللافتة أيضا دور الفنان طلال الجردي في شخصية المحقق، والذي يبحث في كل صغيرة وكبيرة للوصول إلى الفاعل الحقيقي بعد تأكده بأن حادث السيارة كان جريمة مدبرة، ولا يقتصر دور الجردي في إطار الأحداث المرتبطة بتلك الجريمة، بل تتداخل حياته الشخصية هو الآخر مع الخيوط الدرامية للمسلسل عبر علاقته المتوترة مع زوجته، هذا التوتر الذي يصل حد الشك في سلوكها وإخلاصها له.
في “تانغو” تبدو فكرة المراوحة بين الماضي والحاضر على طريقة “الفلاش باك” موفقة إلى حد كبير رغم توظيفها بكثافة داخل العمل، فهي تخلق نوعا من الإثارة والترقب، وحالة من البحث والاشتباه البوليسي حول الدوافع الخفية التي أدت إلى جريمة القتل، إذ يجد المشاهد نفسه متورطا في رحلة بحث بوليسية غامضة، يحاول فك ألغازها المعقدة.
وقد نجح المخرج رامي حنا بالفعل في إشراك المشاهد في حل تلك الألغاز والتلاعب بها أحيانا، ففي الوقت الذي نعتقد فيه أننا وضعنا أيدينا على خيوط الحل، نجد أنفسنا أمام المزيد من الألغاز والتعقيدات المربكة، ويعد مسلسل “تانغو” بحق عودة قوية للمخرج السوري إلى ساحة العمل الدرامي بعد مسلسله الأخير “غدا نلتقي” الذي قدّمه قبل 3 سنوات.
________
*العرب