سُوء أَصَابع الحَلاّق

خاص- ثقافات

*سيومي خليل

1-
حين وُلدَت امْتَدّ غَيمَةٌ واحدة
عَظِيمَة جدَّا ..جدا ..

-2-
لمْ تُؤرّخ بدقّة
هُنَاك منْ قَال أنَّها ولدَت فَجْرَا حينَ كَان النَّمل يَغْزو القَبيلَة
هُناَك منْ قَال أنَّها وُلدت بَعد الفَجْر حين أَحكَم النّمل سَيطَرتهُ علَى كُل القَبيلَة
وهنَاك منْ قَال أنَّهَا وُلدَت بأَيَادي نملاَت مُّتَحكمَات…

والدهَا كَان يَنْتظر مَولُودَا ذكرَا ، لذَا نَسى بشكل لاَ وَاعي تَاريخَ ولادتهَا
والدتُهَا لمْ تَكن تَفْهم في التّواريخ كَثيرَا
قَالَت حين سألت عن الميلاد وهي تبْتَسم :
إنَّها وُلدت حينَ أَكمَلت تسْعَة أَشهر في بطني
وعمرا طويلا من الانْتظَار
وحينَ صَار يَجمعني معهَا ربَاط امتَد أَكثَر منْ امْتدَاد غَيمَة وَاحدة
عظيمة جدا ..جدا .

-3-
كأي فَتَاة بَسيطَة تَسْكن فَجوة
أو شقا علَى الأرض مَلكت :
عينين غَامضَتين بؤبؤاهمَا يَتسعان بعد كُل وَخز
شَعرا أَسْود تُخبئه دَائمَا كلّما اشتدّت الريحُ أو اشتَد الحّر أو اعتدَلاَ معَا
وَوجهَا يَفقد كُلّ يَوم مَلامحه
ويَكْتسب كُل يَوم تَجاعيدا أكثر …

دُون هذَا لمْ تَملك شيئا
كأنّها فِي مَرحلة مَا قبل الملكية
ما كَانَ يَسْتقر قَليلاً بَين يَديها كانت تَعْلم أنَّهُ سَيغادر
لذا راهَنَت علَى أتَان بطيئة في لُعْبة الحَياة
لكنها جلدَة ، صبّارة ، وتَحمل تقْلا كَثيرَا
حينَ تركبهَا تَقُول :
أنَا لاَ أعرفُ طُول الطّريق لذَا لاَ تَهُمني السّرعة
لم يَسبق أنْ أخْبرني أحدٌ كم علّي أنْ أمْشي لذَا لاَ تهُمني السرعة
أعرف منْ خلاَل دقَات قَلْبي أانَّ هُناَك طريقَا علي أنْ أَمشيهَا.

-4-
كَبرت فِي مَرحلة حُكم النّمْل
لمْ تَكُن مَرحلة سَيئةً أبدَا ، فالنمل جَميلٌ ، عَملي ، رَغمَ أنَّه مُزعج
ورَغمَ أنَّها لمْ تَر شَيئا ممّا كَان النمل يُخَزنه إلاَّ أنّها آمَنت بِحكمته
لم تَذهب إلى مَدْرسة إلاَّ أنَّها آمَنت بعلم النَّمل
حينَ غرَس ثُعبَان أرْقط فخذَها لمْ تَجد مَصلاً ، واكْتَفت بِتَرك فَقيه القَرْية يَمص دمهَا ، إلا أنّها آمنت بصحة النمل …

لمْ يَعرف أَحدٌ أنّ النمل كَان يُعدّ نَفْسه للتّحول
النّاس بُسطاء جدا لذَا لمْ يَروا شَيئا من التَغَيرَات التي كَانت تَحدث في النمل
لا أحدَ انْتَبه إلى أنّ أجْنحت بعض النمل كَانَت تتَعاظم أَكْثر
لا أَحد رَأى أنّ زُبَانا كَانَ يَخْرج مَع الموَاليد الجّدد
وأنَّ النمْل لمْ يَعد يُخَزّن بِنَفْسه بَل صَار يُجَيش منْ يُخَزن لَه …

صبيحَة يَوم امتدّت عَليه غَيمَة وَاحدَة
عَظيمَة جدّا ..جدّا
ظَهرت يَعَاسيب
حينهَا انْتَبهُوا جَميعا لتَغَير النَّمل .

لكنهم ليعيشوا بأمَان أَوْهموا أنْفسهم أنّهم لمْ يَعُودا يَنْظرون جيدَا .

-5-
كالآخرين ..
كالأخْرَيات
أوهمت نَفْسها أنَّها لاَ تَنْظر جيدَا .

-6-
لمْ تَكن تَكْبر أو تَشيخ
كانَتْ فَقط تُسْتَنزف كَبَيدر
كَمقلع لرِمَالاٍ ذَهَبية
كَنَهر يَعحّ بصغَار سَمَك السلَمُون
كَأشجَار أَرْز
كَمَنْجَم فَحم أو مَنْجَم فضَّة
كَمحِيطَين …
كقَاصر تَبَنّتها قَوَادة .

-7-
حين علمَت أنَّ هُناك زينَة للفَتيات

-لا يُذكر تَحديدَا كيفَ علمَت ذلك
هَل قَرأت عنهَا فِي مَجلَّة ؟
هل أَخْبَرتهَا فَتاة تَسْكُن كَوكبَا مختلفَا ؟
أمْ أنَّه شُعور الأنْثى حينَ تُؤمن أنَّها بَلد –

بَدأَت تَسدّ الثقُوب
ترَمّم الشقُوق
وُتخْفي التجَاعيدَ بالتجَاعيد
تَضَعُ قنَاعا بَعْد قنَاع
تَرْسُم وَجْها آخَر لِجَسد آخَر
َتنْسُج علَى نَوْل الأمَاني أزْياء أُخَر تَليقُ بأُخَرى
لمْ تُولد حينَ امْتَدتْ غَيمَةٌ وَاحدَةٌ
عَظيمَةٌ جدَّا ..جدّا
.
-8-
أشْرقت شَمْس مرة ، أو حتَى مَرات ،لاَفَرق ؛ فَقَد كَانَتْ تَغيب
والقنَاع بَعد القنَاع التي كَانَت تَضَع كَانَ يَذُوب بِسَبَب آخرْ غَير أشعَّة الشَّمْس
كانَ يَذُوب بِسَبب سوء أَصَابع الحَلاّق
ومَا كَانَتْ تَنْسُجه علَى نَول الأمَاني من أزيَاء كَان لاَ يُغطي جَسَدْ البَلد
الذي امْتَد عَظيمَا
لا كَغيمَة
ولا كَسمَاء
ولا كَزَمَن
إنَّمَا كَنفسه فَقَط .

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *