عرب البوش هاوس

خاص- ثقافات

*جهاد الرنتيسي

اتسعت رواية الفلسطينية سلوى جراح “الفصل الخامس” التي صدرت طبعتها الثانية في بيروت وحيفا مؤخرا لإطلاق صرخة ضد مظاهر “العولمة” وهي تقطع شوطا جديدا من توحشها.

تقول بطلتها عايدة مهران في أحد أجزاء الرواية  ” كل شيء حولي يتغير بسرعة عجيبة والمطلوب أن أواكب هذا التغيير فهو أكبر من أن أواجهه، معنى ذلك أن علي أن أقبل به وأتغير أنا أيضا” وتشير في مقطع آخر إلى طريقة جديدة في التخاطب بين الناس فلم تعد الرسائل تكتب على ورق جميل ملون في زمن رسائل “التكست” وإنصاف الكلمات والعربية المكتوبة بحروف انجليزية.

تأتي التقاطة الروائية  في سياق تأملات لتحولات ظهرت على اداء القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية وأملت على العاملين فيه طرقا مختلفة في إعداد المواد الإعلامية المقدمة للمستمعين.

اتسمت التحولات التي رصدتها جراح خلال سنوات وجودها في بوش هاوس بتسطيح المادة الإعلامية المقدمة للمستمع مع اتساع حضور البعد الإخباري للبرامج على حساب المحتوى الثقافي، وفي موازاة ذلك هناك تغيرات ظهرت على السلوك الشخصي والمهني للعاملين في الإذاعة فهم تائهون يبحثون عن وظيفة إدارية وراتب شهري ضخم ويعيشون أوهام النجومية ويتناسون حقيقة “أن النجم الحقيقي لا يشعر بنجوميته بل يراها في عيون من حوله” فيما بقيت صورة المتلقي ملتبسة بين الضحية التي ستدفع ثمن هذا التحول من عمق تفكيرها وذريعة الانتقال من اداء إلى آخر .

ولإظهار اتساع المفارقة بين الزمنين والاداءين الإعلاميين تقرن الروائية والرواية اكتمال مقومات انتقال صناعة الوعي من حالة إلى أخرى بما كانت تلمسه من أثر تتركه البرامج الملغاة على الجمهور.

ولا تخفي صدمة التحول التي مرت بها الروائية وبطلتها ـ التي ورثت عنها التجربة ـ النظرة الاستشراقية التي تطغى على تعاطي الإعلام الغربي الموجه للشرق مع  الجمهور المستهدف.

ظهر ذلك واضحا في اداء معدة البرامج ـ بطلة الرواية ـ خلال زياراتها إلى القاهرة ودمشق وغزة، فهي مسكونة بالحنين للاماكن وناسها لكنها مضطرة للتعامل مع الإنسان والمكان من زاوية حيادية تفرض عليها إخفاء تفاصيل ودلالات يمكن أن تغير الصورة المقدمة.

 وخلال تدريبه على العمل يخضع العامل لعملية تنميط مبرمجه تصادر الكثير من ملامحه وطرق تفكيره بمقدار ما يكتسبه من مهارات .

تضفي ايحاءات نمط العلاقات بين عرب “البوش هاوس” وتفاعلاتهم مع محيطهم  بعض الايضاحات التي ربما لا تكون مقصودة، فقد نقلوا أمراض المنطقة إلى قلب العاصمة التي استعمرتهم، بقي تأثرهم بنمط حياتها محدودا، كاد تأثيرهم أن يكون معدوما، وغالبا يعودون إلى بلدانهم بهويات مشوهة يواجهون صعوبات التأقلم.

بقدر اقل من رثاء زمن “المحتوى الإعلامي” الذي راح ضحية توحش العولمة والتشاؤم من عملية “تستطيح الوعي” التي جلبها إعلام القرن تضع رواية “الفصل الخامس” علامة استفهام حول آليات استهلاك المتلقي العربي للصورة المقدمة إليه من الآخر في ظل إعلام عربي أكثر تشوها.

___________

ـ كاتب من الأردن

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *