بَيان شِعريّ/نقديّ

خاص- ثقافات

* د. مازن أكثم سليمان

 

        الجدَل النِّسْيَاقيّ المُضاعَف _ الانتصاليّة/البينشِعريّة                                     

 

“أمّا اليقينُ فلا يقينَ، وإنَّما

                              أقصَى اجتهادي أنْ أظُنَّ وأحْدِسا”

أبو العلاء المعرّي.

 

أوَّلاً: دلالاتٌ تخارُجيّة:

أنْ أكونَ شاعراً تخارُجيّاً يعني أنْ أكونَ ملعونَ الفَجواتِ النِّسْيَاقيّة التي لا تتوقَّفُ عن الانفتاح في عُقر دار الوجود، وأنْ ألتحِقَ بالالتباس المُستمرّ للصِّراع الجدَليّ التَّراكُبيّ الذي لا تُستنفد أساليبُ انبساطِهِ دفاعاً عن انبثاق الرّوح (الثَّقافيّ _ الجَماليّ) المَغدور؛ إثرَ (تعثُّر الكشف) في حداثةٍ شِعريّةٍ لطالَما تأسَّسَتْ على سُلطة مُسَبَّقات المُطابَقات المركزيّة ذات الأبعاد الثُّنائيّة التَّقابُليّة الميتافيزيقيّة.

أنْ أكونَ شاعراً تخارُجيّاً يعني أنْ تكونَ حداثتي النِّسْيَاقيّة الحُرَّة الجديدة (وجوداً _ للشِّعر)، بقدر ما تكونُ (شِعراً _ للوجود)، وأنْ أنسفَ أيَّ فصْلٍ حدِّيٍّ زائِفٍ بينَ اللُّغة والعالَم، ناهِضاً _في_ (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة) _نحوَ_ المُجاوَزة والتَّباعُد والاختلاف، بوصفِهِ نُهوضاً ينتقلُ بعالَم الشِّعر من مركزيّة الوعي السُّلطويّة، إلى (مُنفتَح/مُنفصَم) تحرير الوجود عبرَ جدَليّة (الفاعل/المفعول به: السِّياق/النَّسَق) التي تبعثُها (القصديّة التَّخارُجيّة النِّسْيَاقيّة).

تحتفي كُلُّ (قصديّةٍ شِعريّة نِسْيَاقيّة) بأساليب وجود تبسطُ صَيرورةَ التَّحوُّل بينَ الزَّمن الخطِّيّ الأُفُقيّ وفَجوة تكرار الاختلاف، حيثُ تتصعَّدُ المُغايَرةُ انقلاباً على شَهوةِ الحُضورِ الحداثيّة المُهترِئة، وتشقيقاً لآفاقِ الخَلْقِ الذي ينبغي أنْ يضَعَ حدَّاً طَموحاً للقصيدة (النِّهاية)، ويُعلِنَ ولادةَ القصيدة (البداية الدّائِمة)، التي يستجيبُ عبرَها (الدَّازِنُ النِّسْيَاقيُّ) للتَّحدّي (الوجوديّ _ الجَماليّ) عبرَ آليّات الفَصْمِ التَّخارُجيّة القائمة على تفتيت وَحدة الاستبداد وتعاليها بأنماط وجوديّة مُتوالدة من دِربة التَّقليب الشِّعريّ التَّأويليّ، ومُكابَداته التَّجريبيّة غير المُتحكَّم بها.

كُلُّ تخارُجٍ شعريّ مُستمدٌّ من “الخُروج”، ويومُ الخُروج مِعجمياً هو “يومُ البَعث ويومُ العيد”، والبَعث في عيده الدَّلاليّ التَّخارجيّ انبثاقٌ _نحْوَ _ مُمكنات المَجهول، لأنَّ من يخرُجُ (في المِعجم أيضاً) “خَرَجَ خُروجاً”: “بَرَزَ من مَقرِّهِ أو حالِهِ وانفصَلَ”، ومَنْ (ينفصِلُ) يخرُجُ خُروجاً يُمثِّلُ أسَّ الحداثة الحُرَّة التَّخارُجيّة الجديدة بوصفها حركيّةً (انفصاليّة/انقلابيّة)، وبحثاً دؤوباً عن كينونة مُتمرِّدة، وتخفُّفاً لا حدودَ لهُ من كُلِّ اطمئنان  واستقرار وسكون، فمَنْ “خَرَجَ على السُّلطان”: “تمرَّدَ وثارَ”.

لا تخارُجَ (نِسْيَاقيّاً) بلا خَلْقٍ في تلكَ الكثافة الإبداعيّة الغامِضة المُتمدِّدة في فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم)، حيثُ إن “استخراجَ الشَّيء” يعني: “استنباطهُ”، ومَنْ “يَستخرِجُ شيئاً من المَعدن”: “يُخلِّصُهُ مِنْ تُرابِهِ فيلتمِعُ ويبرقُ”، فأنْ تقولَ المَعاجمُ أنَّ “هذِهِ التُّفّاحَةُ ريحُها طيِّبٌ وخَرَاجُها طيِّبٌ”، يعني أنَّ طَعْمَ ثمرِها طيِّبٌ، والطِّيبةُ تجدُّدُ الخَلْق وتكرارُ الاختلاف في (وَحدة/فَجوة) الدَّازِن المُتخارِج تراكبياً ليبسطَ أساليبَ وجودِهِ الشِّعريّة المُغايِرة.

إنَّ حركيّة التَّخارُج بوصفِها حركيّة قصديّة مُحايِثة نِسْيَاقيّاً تتأسَّس على خِبرة مُجاوَزة تحكُّم الذّات الميتافيزيقيّة بالعالَم الشِّعريّ، بما أنَّ هذا التَّحكُّم هو إخضاعٌ وطغيانٌ يفرضُ على العالَم الشِّعريّ مُسَبَّقات الوعي المركزيّ المُطابِق، ولهذا لا تتحقَّقُ أصالةُ التَّخارُج إلّا بِـ (الإصلاح)، والإصلاحُ ليسَ هُنا مجرَّد انعطاف؛ بل هوَ (ثورة) ما دامَ المِعجم يقول إنّ مَعنى “استُخرِجَتِ الأرضُ”: “أُصلِحتْ للزِّراعة والغراسة”، وما دامَتْ أيّةُ زراعةٍ شِعريّةٍ جديدة هيَ تكرار جديد لمُحايَثة الاختلاف الكونيّ الكُلِّيّ.

 كذلكَ يُفسِّرُ المِعجمُ قولنا: “خَرَجَتِ السَّماءُ” بأنَّها “أَصْحَتْ وانقشَعَ عنها الغيمُ”، ولهذا يدلُّ اصطلاحي: (خَرَجَتِ القصيدةُ) على أنَّ أساليبَ وجودِها الخلّاقة قد (انكشَفَتْ) على نحْوٍ لم يكُنْ مَوجوداً من قبل بهذِهِ الطَّريقة؛ أي بما هو انبساطُ شيءُ الشِّعر غير المَحدود، أو فائضُ الوجود المُتنامي _في_ عالَم القصيدة، فأنْ يكونَ الانفتاحُ الشِّعريُّ (تخارُجاً) يعني أن يكونَ دائماً (نحْوَ)، و(نحْوَ) هو مُحصِّلةٌ تنفتِحُ بلا هوادة عبرَ الحركيّة الجدَليّة التَّخارُجيّة المُتراكِبة للدَّازِن الشعريّ النِّسْيَاقيّ _في_ فَجوة اللَّعب الحُرّ لأساليب الوجود بما هي أساليبُ تبعثُرٍ وتشظٍّ واختلافٍ _نحْوَ_ المُحتمَل والمُمكِن و_غيرِ المُمكنِ_ والمَجهولِ.

إنَّ المُحايَثة التَّخارُجيّة النِّسْيَاقيّة لتخليق الوجود _في_ عالَم القصيدة بوصفها مُحايَثة جدَليّة هيَ حركيّة المُتحوِّل الذي يُفضي دائماً إلى مُتحوِّل، وهيَ الانقلابُ المَجازيُّ على سُكونيّة الحداثة القديمة التي حاولَتْ إخضاعَ المَجهول والتَّحكُّم به مُسَبَّقاً تحتَ عنوان: (رُؤية/رُؤيا المَجهول)، لكنَّ الحداثة التَّخارُجيّة الحُرّة الجديدة هيَ فرقُ جُهْدٍ حيويٍّ مُتسارِعٍ (نِسْيَاقيّاً) ينتقلُ بالشِّعر ونظريَّته وآليّات خَلْقه من دلالة (رُؤية/رُؤيا) ما هوَ ثابت وأبديّ، إلى دلالة (رُؤية/رُؤيا) ما هوَ مُتقلِّبٌ في حركيَّتهِ ومُتحوِّلٌ باستمرار: إنَّهُ (التَّمدُّدُ) الذي يُنتجُهُ (تحريكُ الماهيّة) بوصفها انفتاحاً يُفتِّت أيَّة جوهرانيّة مُغلَقة، ويُبعثِرُ الفعلَ الشِّعريَّ الوجوديَّ _نحْوَ_ المَجهول، حيثُ إنَّ (وَحدة/ فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ ـ الزَّمانيّة ـ اللُّغة) ليست سوى ذلكَ التَّمدُّدُ دوماً صوبَ التَّعدُّد والتَّشظّي والانفصال، وكلُّ تمدُّدٍ هو اتّساع وانبساط غير مَحدود، ولذلك يُشيرُ المِعجم في قولنا “خَرَجَ السَّحاب” إلى مَعنى: “اتَّسَعَ وانبسَطَ”، كما يُشيرُ قولنا “خَرْجُ السَّحاب” الذي يعني: “ماؤُهُ الذي يخرجُ منه” إلى دلالة التَّوليد والانبساط في مُتَّسَعٍ ما؛ أي إلى دلالة انفتاح النِّسْيَاق الشِّعريّ عبرَ حركيّة التَّخارُج الجدَليّ التَّراكُبيّ المُحايِث ليسَ لتعيين رُؤىً شُموليّة ثابتة ونهائيّة؛ إنَّما للتَّمدُّد بلا هوادة في فضاء التَّشتُّت والتَّبعثُر والمُغايَرة (الثقافيّة _ الجَماليّة) شِعريّاً.

ثانياً: القطيعة التَّخارُجيّة النِّسْيَاقيّة (الانتصاليّة):

يبدو الشِّعرُ تبعاً لآليّات (الفَصْم التَّخارُجيّ) للنِّسْيَاقيّة (التباساً جدليّاً) بينَ الاتّصال التَّراكُميّ والانقطاع التَّراكُميّ؛ أي بينَ زمانيّة خطِّيّة تأريخيّة (أي تتعلَّقُ بتاريخ الشِّعر)، وفَجوة انفتاح تكرار الاختلاف الوجوديّ للشِّعر، وهو الأمرُ النّاجِمُ عن طبيعة الشِّعر المُتجدِّدة كُلَّما اهترَأتْ أسئلته الوجوديّة/الفنِّيّة (الثَّقافيّة _ الجَماليّة) في مُنبسَطات العالَم، لتغدو (القطيعة) مُنطويةً على مَعنىً جدَليّ تراكُبيّ أصطلِحُ عليهِ بِـ (الانتصاليّة)، والانتصاليّة هيَ ابنةُ النَّسْفِ البارّة بدلالة الكُلِّيّ، وهيَ عُلُوٌّ  مُحايِثٌ ينطوي على جدَليّة الاتّصال والانفصال بحثاً عن كينونةٍ حُرَّةٍ، و(انقذافٌ) خارجَ ثنائيّات ميتافيزيقا الحُضور الحدِّيّة التَّقابُليّة.

إنَّ حركيّة التَّخارُج بما هيَ عُلُوٌّ مُحايِثٌ _نحْوَ_ المُحتمَل والمَجهول، تنهضُ على (قصديّة الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّة) المُنفتِحة جدَليّاً _في_ (الخارِجِ)، ذلكَ أنَّ وجود المَوجود الشِّعريّ _في_ عالَم القصيدة ينبسِطُ عبرَ حركيّة الفَصْم الجدَليّ بينَ عالَم الذّات الشّاعرة الوقائعيّة، وعالَم الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة، وفي هذِهِ المنطقة التَّخليقيّة الكثيفة والغامِضة يتعيَّنُ مَفهوم (القطيعة النِّسْيَاقيّة) الجديد: (الانتصاليّة)، فإذا كانَ أحدُ المَعاني المِعجميّة للتَّخارُج هو أنْ “يَخرُجَ كُلُّ واحدٍ من شركتِهِ عن ملكِهِ إلى صاحبِهِ بالبيع”؛ أي أنْ “يتخارَجَ الشَّريكانِ بالعيْن والدَّيْن”، فَـ “يأخُذَ بعضُهم الدّارَ وبعضُهم الأرضَ”، فإنَّ هذا الفَهْمُ يسبغُ على فَجوَةَ (المُنفتَح/المُنفصَم) صفتَي (القطع والفصل) إلى جانب صفتَي (التَّعالُق والاتّصال).

وفي هذا المَنحى، يُجذِّرُ المِعجمُ أيضاً مَفهوم (القطيعة) بوصفها (انتصالاً)، حيثُ يُشيرُ إلى أنَّ مَعنى “تخارَجَ السَّفْرُ”: “أخرَجوا نفقاتِهِم”؛ فهُم في تشارُكِهِم معاً يحتفِظونَ بالاستقلال النِّسْبيّ لكُلٍّ منهُم، والتَّخارُجُ بما هو على وزن (تفاعُل)، يعني المُشارَكةٌ والاختلاف في آنٍ معاً، وهو فِعْلُ تحرير الوجود الشِّعريّ عبرَ جدَليّة (الفاعل/المفعول به: السِّياق/النَّسَق) المَحكومة بالعُلُوّ المُحايِث للقصديّة النِّسْيَاقيّة _في_ (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ ـ الزَّمانيّة ـ اللُّغة).

وهكذا، يحقِّقُ (الفَصْمُ الشِّعريُّ) طبيعتَهُ الجديدة _في_ (القطيعة النِّسْيَاقيّة: الانتصاليّة) عبرَ قُدرة العُلُّوّ التَّخليقيّ _في_ عالَم الشِّعر على الاحتفاء بـِ (الالتباس) بفعل تراكبيّة الجدَل التَّخارُجيّ في مُنفتَح القصيدة وصلاً وفصلاً، أو تعالُقاً وقطعاً، لذلكَ يدلُّ قولنا: “خرَّجَ الشَّيءَ” على مَعنىً مِعجميّ هوَ: “لوَّنَهُ بلونيْن”، إذ إنَّ “اخْتَرَجَ” تعني: “كانَ ذا لونيْن”، وعلى هذا التَّأسيس اللُّغويّ تُبنَى الدَّلالة (الالتباسيّة) بما هيَ دلالةُ التَّعدُّد والفَراغات والتَّباعُد، حيثُ إنَّ قولنا: “خَرَّجَ الغُلامُ لوحَهُ” يعني أنَّهُ: “ترَكَ بعضَهُ غير مَكتوبٍ”، فالصَّمتُ والغائِبُ والمَسكوتُ عنه يَنبثقونَ في حركيّة تخارُج الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ بما هي حركيّة بسط (المُنفتَح/المُنفصَم) على صِراع لا يكفُّ عن الجذْبِ والطَّيّ، والنَّبذ والتَّشتيتِ، ولهذا تنهضُ (القطيعة التَّخارُجيّة النِّسْيَاقيّة) على مُحوريّة (الاختلاف) الجدَليّة/المُلتبِسة بينَ (زمانيّة خطِّيّة تأريخيّة وفَجوة انفتاح تكرار الاختلاف)، فمَعنى “خَرَّجَ فلانٌ عمَلَهُ”؛ أي “جعلَهُ ضُروباً مُختلِفة”.

وعلى هذا النَّحو، تكتسِبُ القصديّة النِّسْيَاقيّة لتخارُج (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ) ماهيَّتها المَفتوحة باستمرار _نحْوَ_ المَجهول، بفعل الزِّيادة الوجوديّة التي تنبسِطُ عبرَ آليّات الجدَل المُحايِث بينَ قصديّة الذّات الشّاعرة المَوجودة _في_ العالَم الوقائعيّ، وقصديّة الذّات الشِّعريّة المَوجودة _في_ العالَم الافتراضيّ، ويكونُ التَّحدِّي الوجوديّ بما هو تحدٍّ (ثقافيّ _ جَماليّ) كامِناً في مَدى انطواء فرق الجُهد الحيويّ التَّخليقيّ لعالَم القصيدة الجديد على آليّات المُكابَدة في فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) الجديدة، إذ يتمُّ تحرير الوجود عبرَ جدَليّة (الفاعل/المفعول به: السِّياق/النَّسَق) التي تبعثُها (القصديّة التَّخارُجيّة النِّسْيَاقيّة).

إنَّ المُحصِّلة الجدَليّة (الانتصاليّة) للقصديّة النِّسْيَاقيّة بما هيَ (قطيعة تخارُجيّة) مُغايِرة، تتحقَّقُ عبرَ تعديلٍ جذريٍّ في عَناصِر عمليّة الخَلْق الشِّعريّ الإبداعيّة التَّقليديّة؛ ذلكَ أنَّ الانتقال في فَهْم هذِهِ العمليّة من ثُلاثيّة (العالَم _ الشّاعر _ العمَل اللُّغويّ الشِّعريّ)، إلى رُباعيّة (الذّات الشّاعرة _ الوجود اللُّغويّ في العالَم الوقائعيّ _ الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة _ الوجود اللُّغويّ في عالَم القصيدة)، يتطلَّبُ اكتسابَ خِبراتٍ (شِعريّة/وجوديّة) مُبتكَرة تتجاوَزُ ما عرفناهُ في نظريّات شِعر الحداثة القديمة، ونظريّات شِعر ما بعد الحداثة في آنٍ معاً؛ إذ تتحوَّلُ الاستعارةُ إلى حامِلٍ جدَليٍّ مُتراكِبٍ يُطيحُ بمُطابَقاتِ علاقاتِ المُشابَهة الذِّهنيّة المُتعالية، وينهَضُ على فَهْمٍ عمَليٍّ مُتجذِّرٍ _في_ الوجود؛ أي على فَهْمٍ مُؤسَّسٍ على مُحوريّة (تفاعُليّة/وجوديّة) (التَّخارُج = التفاعُل/وزناً ودلالةً)، حيثُ تحتفظُ (التَّفاعُليّة/الوجوديّة) للانتصاليّة بحُواريّة (الاتّصال والانفصال) عبرَ جدَليّة (الزَّمانيّة الخطِّيّة التَّأريخيّة وفَجوة انفتاح تكرار الاختلاف)، لترفدَ هذِهِ الجدَليّة مُحصِّلة (القصديّة الجدَليّة النِّسْيَاقيّة) بما هيَ أساليبُ وجودٍ مُنبسِطة في (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة)، وهذا الفَهْمُ الجديد للقطيعة بوصفِها مُكابَدة جدَليّة تتجاوَزُ الثُّنائيّات التَّقابُليّة الميتافيزيقيّة، يرسمُ مَلامِحَ (وجوديّة/مَجازيّة) مُغايِرة تنطوي عليها (الحداثة النِّسْيَاقيّة الحُرَّة) بوصفها مُحايَثة جديدة تتجادَلُ فيها (الذّات/الدَّازِن الشِّعريّ) مع نفسِها؛ أي بوصفِها مَوجودة (_في_ الخارِجِ) بينَ عالَميْن مُلتبسيْن انتصاليّاً كما سأبيِّن في السُّطور الآتية.

ثالثاً: الفَصْمُ النِّسْيَاقيّ (الانتصاليّ/البينشعريّ) بوصفِهِ شَهوتَي حُضور:

لعلَّ فَهْم (القطيعة التَّخارُجيّة النِّسْيَاقيّة: الانتصاليّة) بوصفِها مُؤسَّسة على/ومُؤسِّسة لِـ (الالتباس الجدَليّ) القائِم على (المُشارَكة والاختلاف: الاتّصال التَّراكُميّ والانقطاع التَّراكُميّ)، يقودُ إلى تفسير أعمَق لكيفيات انبساط فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) الشِّعريّ (نِسْيَاقيّاً)، حيثُ أستكمِلُ في هذا المَنحى الدَّلالة (الانتصاليّة) لحركيّة الفَصْم الجدَليّ التَّخارُجيّ، بدلالة مُحوريّة تراكُبيّة ثانية لجدَل (الذّاتيْن/الدَّازِن النِّسْياقيّ) أصطلِحُ عليها بِـ (البينشِعريّة)، التي تدلُّ على تعالُق عُضويّ بينَ الذّاتيّة المَفصومة والعالَم مُتعدِّد الطَّبقات؛ أي إنَّها عرْضٌ مَفهوميّ يُحاوِلُ أنْ يُفسِّر إجرائيّاً إحدى آليّات مُجاوَزة النِّسْيَاقيّة _بوصفِها تخليقاً لعالَمٍ شِعريٍّ مُغايِرٍ_ مَسألةَ فصْلِ اللُّغةِ عن الوجود التي كانَتْ تسود في نظَريّات شِعر الحداثة وما بعدَ الحداثة من جانبٍ أوَّل، وتهدفُ من جانبٍ ثانٍ إلى تشييد ما أدعوهُ (براديغم النِّسْيَاقيّة) بوصفِهِ: (فَصْماً انتصاليّاً/بينشِعريّاً) يبسطُ آليّات فَهْمٍ جديدة ومُغايِرة تُقارِبُ القصديّة النِّسْيَاقيّة بما هيَ حركيّة (العُلُوّ المُحايِث) على نحْوٍ جدَليّ يسعى إلى تفسير آليّات انفتاح العالَم الشِّعريّ الجديد بما هو عالَم من طبقاتٍ مُلتبِسة ومُتشابِكة ومُتَّجِهة _نحوَ_ المُحتمَل والمَجهول.

إنَّ الخُطوة الأولى لفَهْم الفَصْم النِّسْياقيّ (بينشِعريّاً) تنهضُ على أنَّ فرق الجهد الحيويّ التَّخليقيّ لعالَم القصيدة الجديد بما هوَ ناجِمٌ عن توتُّر (وجوديّ/مَجازيّ) ثقافيّ وجَماليّ مُلتبِس، يُحرِّكُ القصديّة (نِسْيَاقيّاً) لتبسطَ أساليبَ وجودِها _في_ فَجوة هذا العالَم الشِّعريّ المُغايِر عبرَ دافعيّة جدَليّة هيَ (دافعيّة الفَصْم: اللّيبيدو) التي تجعَلُ من (الذّات المركزيّة المُنفصِمة إلى ذاتيْن: دَازِن نِسْيَاقيّ): (كوجيتو جديد)، يُؤسِّسُ (البينشِعريّة) على حركيّة الجدَل بينَ شِعريّة الوجود اللُّغويّ للذّات الشّاعِرة المَوجودة _في_ العالَم الوقائعيّ، وشِعريّة الوجود اللُّغويّ للذّات الشِّعريّة المَوجودة _في_ عالَم القصيدة الافتراضيّ.

بهذا المَعنى، يلتقي في دلالات مُصطلَح (الكوجيتو النِّسْيَاقيّ الجديد) مَفهوما: (الانتصاليّة والبينشعريّة)؛ فالالتباسُ الجدَليّ التَّخليقيّ للعالَم الشِّعريّ الجديد بما هو عُلُوُّ المُحايَثة التَّخارُجيّة يحتفِظ بمبدأي (الاتّصال التَّراكُميّ والانقطاع التَّراكُميّ: جدَليّة الزَّمانيّة الخطِّيّة التَّأريخيّة وفَجوة انفتاح تكرار الاختلاف) الانتصاليين، بما هما أُسّ القطيعة النِّسْيَاقيّة القائِمة على مُحوري (التَّعالُق/الاتّصال) و(القطع/الفصل)، ويتعمَّقُ آليّاً أكثَر عبرَ ما تُضْفِيه (البينشِعريّة) على الجدَل داخل (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة) من طبقاتٍ تخليقيّةٍ مُلتبِسة تقومُ كما سأوضِحُ على علاقات تراكُبيّة مُعقَّدة بينَ (دافعيّة الفَصْم: اللّيبيدو) و(الكوجيتو النِّسْيَاقيّ)، ذلكَ أنَّ هذِهِ العلاقات (البينشِعريّة) بوصفِها حامِلةً _معَ الانتصاليّة_ للالتباس الجدَليّ، ومَحمولةً عليه، تساعِدُ في فَهْمِ تلكَ المنطقة السَّديميّة الإبداعيّة الغامِضة التي يتمُّ فيها تخليق العالَم الشِّعريّ المُغايِر، ولا سيما بتوظيف مُصطلَح (البينذاتيّة) المَعروف، وإزاحتِهِ عبرَ (دلالةٍ أُنطولوجيّةٍ نِسْيَاقيّةٍ جديدةٍ) إلى مَفاهيم يُمكِنُ أنْ أصطلِحَ عليها بِـ (الأُنطولوجيا البينشِعريّة).

يُقدِّمُ فَهْمُ (فَصْمِ الذّات)، وتحويلِها (أي تحويل الذّات) عبرَ هذا الفَصْم إلى (دَازِن نِسْيَاقيّ) خُطوة أساسيّة في التَّشييد الجدَليّ المُتراكِب للبينشِعريّة نِسْيَاقيّاً، حيثُ إنَّ التَّعديل (النَّظَريّ/الإجرائيّ) لعَناصِر العمليّة الإبداعيّة بوصفِها (رُباعيّة) لا ثلاثيّة، يقودُ إلى نظرة إجرائيّة أيضاً ترى أنَّ أُولى مَلامِح بسط (الالتباس الجدَليّ) تتمُّ باستجابة (الكوجيتو التَّخارُجيّ الانتصاليّ/البينشِعريّ) لِـ (شَهوتَي حُضور)؛ هُما:

1_ شَهوةُ حُضور سُلطة الذّات الشّاعِرة الوقائعيّة.

2_ شَهوةُ حُضور سُلطة الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة.

ومَعنى هذا أنَّ (الكوجيتو النِّسْيَاقيّ) بما هوَ استجابة (الذّاتيْن: الدّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ) لِـ (دافعيّة الفَصْم) بما هيَ (شَهوتَي حُضور)، هوَ استجابة لِـما سأصطلِحُ عليهِ بِـ (ليبيدو الحُضور)، حيثُ يُمكن الحديث مبدئيّاً عن (بينشِعريّة) تتأسَّسُ على آليّات فَصْمٍ جدَليّ تخارُجيّ _في_ فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) بينَ شَهوة حُضور سُلطة الذّات الشّاعِرة الوقائعيّة، وشَهوة حُضور الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة، بما هيَ شَهوة انقلاب السُّلطة الثّانية على السُّلطة الأُولى، أو لأقُل بمَعنىً أوضَح بوصفِ كُلٍّ منهُما هيَ سُلطة انقلاب مَقلوبة (على/وعن) الثّانية، وبما أنَّ (القصديّة التَّخارُجيّة النِّسْيَاقيّة) هيَ في جانبٍ محوريٍّ منها جدَليّة (الفاعل/المَفعول به: السِّياق/النَّسَق) التي تتعارَكُ بطبيعة الحال مع إرادات القوى، وتكون جزءاً من الصِّراع للسَّيطرة على مُنفتَح العالَم الشِّعريّ الجديد.

رابعاً: الفَصْم النِّسْيَاقيّ (الانتصاليّ/البينشِعريّ) بوصفِهِ جدَلاً مُضاعَفاً:

إنَّ الفَهْم الرُّباعيّ لعمليّة التَّخليق الشِّعريّ عبرَ (جدليّة الفَصْم) يُشير إلى أنَّ مركزيّة (الذّاتيْن: الدَّازِن النِّسْيَاقيّ) تنهَضُ على شَهوة فاصِمة (دافعيّة) أساسُها التَّملُّك والتَّمركُز وتعيين المُطابَقات المُسَبَّقة بإحضار العالَم الشِّعريّ الجديد وإخضاعِهِ لسُلطتي الذّاتيْن، فهُما شَهوتا حُضور (ليبيدو حُضور) تعودان إلى شَهوة مركزيّة ميتافيزيقيّة واحِدة، لكنَّ هذِهِ المَرحلة من شَرح (الأنطولوجيا البينشِعريّة النِّسْيَاقيّة) بما هيَ إحدى مَراحِل الفَصْم الجدَليّ التَّخارُجيّ المُتراكِب، رُبَّما تقودُ القارئ إلى الاعتقاد بوجود تناقُض، أو خلل مَفهوميّ في التَّعامُل معَ (الفَصْم النِّسْيَاقيّ)، ولا سيما أنَّ من أهمّ أهداف (رُباعيّة الفَصْم) تكمنُ في سَعي عمليّة تخليق الشِّعر إلى مُجاوَزة تحكُّم الذّات الميتافيزيقيّة بالعالَم الشِّعريّ، ذلكَ أنَّ هذا التَّحكُّم ليسَ سوى فعل طُغيان يفرضُ على هذا العالَم الجديد مُسَبَّقات الوعي المركزيّ المُطابِق، ليأتي الجدَلُ التَّخارُجيُّ المُتراكِبُ كي يُطيحَ بسِيادة المُطابَقات، ويفتَحَ العالَم الشّعريّ على مُمكناتِهِ الثَّرّة، فكيفَ يكونُ الفَصْمُ آليّة نِسْيَاقيّة (انتصاليّة/بينشِعريّة) لمُجاوَزة التَّمركُز الميتافيزيقيّ، وفي الوقتِ نفسِهِ يكونُ (الكوجيتو التَّخارُجيّ الانتصاليّ/البينشِعريّ) استجابةً نِسْيَاقيّةً لِـ (شَهوتَي الحُضور: ليبيدو الحُضور) بما هو ليبيدو مُطابَقات؟

لعلَّ الإجابة عن هذا التَّساؤل الأساسيّ تنطلِق من التَّذكير أنَّ (الأُنطولوجيا البينشِعريّة) بوصفِها حامِلةً _معَ الانتصاليّة_ الالتباسَ الجدَليّ، ومَحمولةً عليه، تبسطُ الجدَل داخل (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة) عبرَ طبقات تخليقيّة (مُلتبِسة) تقومُ على علاقات تراكُبيّة مُعقَّدة ومُؤلَّفة من مُستوييْن من الفَصْم، أصطلِحُ عليهما بِـ (الفَصْم الجدَليّ الانتصاليّ/البينشِعريّ المُضاعَف)، وهُما:

1_ الفَصْمُ الجدَليّ الأُفُقيّ (جدَل المُطابَقتيْن).

2_ الفَصْمُ الجدَليّ العموديّ (جدَل المُطابَقة/الاختلاف).

إنَّ نمطَي الفَصْم التَّخارجيّ المُتراكبيْن جدَليّاً لا يقومان على آليّة تتابُعيّة حدِّيّة _كما قد يظنّ البعض_، فالقصديّة النِّسْيَاقيّة بما هيَ حركيّة توتُّر العُلُوّ المُحايِث _نحْوَ_ المُحتمَل والمَجهول، تُمثِّلُ مَجموعة آليّات مُتداخِلة في تلكَ المنطقة التَّخليقيّة الغامِضة التي تتولَّد _في_ فَجوتِها الفاصِمة أساليبُ الوجود الشِّعريّ الجديدة للدَّازِن، والتي تسعى (النِّسْيَاقيّة) إلى مُحاوَلة وصفِها وتفسيرِها، ووضْعِ مَلامِحَ إجرائيّة لفَهْمِ حركيَّتِها (الانتصاليّة/البينشِعريّة) النِّسبيّة، وعلى هذا النَّحو لابُدَّ من تأكيد الأصل اللُّغويّ (الوجوديّ/المَجازيّ) لانفتاح فَجوة (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ) زمانيّاً بينَ عالَمين مُلتبسيْن، هُما: عالَم الذّات الشّاعرة الوقائعيّة، وهو ما أصطلِحُ عليه بِـ (مَجاز العالَم)، وعالَم الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة، وهو ما أصطلِحُ عليه بِـ (عالَم المَجاز)، ليكونَ عالَم (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ) في اصطلاحي هو عالَم (مَجاز المَجاز).

وبهذِهِ الصّورة، أبدأ بتفسير آليّات (الفَصْم المُضاعَف) انطلاقاً من مُطابَقات (شَهوتَي الحُضور: ليبيدو الحُضور)؛ فَـ (الفَصْمُ الجدَليُّ الأُفُقيّ) ينهَضُ من حيثُ المبدأ على استجابة أوَّليّة لِـ (الكوجيتو الانتصاليّ/البينشِعريّ) لنداء (ليبيدو الحُضور) بما هوَ نداء لبسط مُطابَقات قصديتَي سُلطتَي (الذّاتيْن/الدَّازِن)، والإطباق مُسَبَّقاً على فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) الشِّعريّ الجديد، ويُمكن وصف هذا المُستوى من (الفَصْم الجدَليّ الأُفُقيّ: جدَل المُطابَقتيْن) بأنَّهُ يخضَعُ لصِراع شَهوتَي ذاتيْن مركزيتيْن تُجيِّران (الجدَل) قَبْليّاً لصالح السَّيطرة والتَّسلُّط والطُّغيان، بغية طيِّ عالَم (مَجاز المَجاز) على مُطابَقات التَّحكُّم الميتافيزيقيّ بإحضار (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة)، وتمثُّلِها أمام سُلطة الوعي الوجوديّ القَبْليّ، وهيَ المرحلة التي كانَ بقاء الشُّعراء عندَها يخصي (نسبيّاً) جُموحَ الاختلاف في مُعظَم شِعر الحداثة وما بعدَها.

لكنَّ (الفَصْم الجدَليّ الأُفقيّ) بما هو حركيّة (الصِّراع) بينَ شَهوتَي حُضور (الذّاتيْن/الدَّازِن)؛ أي بما هُو جدل (مَجاز العالَم) و(عالَم المَجاز)، لا يقفُ عندَ هذا الحدّ؛ إنَّما يحملُ بالمَعنى النِّسْيَاقيّ لِـ (الأنطولوجيا البينشِعريّة) ثغرةً بِنيوية تُبقِي المُطابَقات خاضِعةً لنسبيّة (المُهيمنات المَجازيّة/ الوجوديّة التَّفاعُليّة)، وهوَ ما لم يتنبَّه إليه شُعراءُ الحداثتيْن التَّقليديتيْن، حيثُ يُمكن أنْ أصطلِحَ على هذِهِ الثَّغرة (الوجوديّة/البِنيويّة) الكامِنة _في_ فَجوة (الفَصْم الجدَليّ الأُفقيّ: جدَل المُطابَقتيْن) بِـ (ثغرة الالتباس الاختلافيّ) التي يتولَّد عنها (الفَصْم الجدَليّ العموديّ: جدَل المُطابَقة/الاختلاف)، وهيَ مُرتبطة عميقاً (إلى جانب الأنطولوجيا البينشِعريّة) ببُعد (القطيعة الانتصاليّة) القائِم على جدَليّة الزَّمانيّة الخطِّيّة التَّأريخيّة وفَجوة انفتاح تكرار الاختلاف.

إنَّ آليّة (الفَصْم الجدَليّ الأُفقيّ) تتعرَّضُ في ذروة تسلُّط مَركزيّة الذّات الميتافيزيقيّة، وسعيَها التَّملُّكيّ عبرَ الصِّراع الجدَليّ إلى إحلال المُطابَقات، إلى حركيّة مُجاوَزة اختلافيّة لا تخلو من مُستوىً آخَر من الصِّراع أيضاً، إذ إنَّ العُلُوَّ المُحايثَ المُنبسِطَ _في_ فَجوة (مُنفتَح/مُنفصَم) العالَم الشِّعريّ الجديد، يقومُ من حيثُ لا تتوقَّعُ (شَهوتا الحُضور: ليبيدو الحُضور) بتفتيت كُلّ من الذّات الشّاعرة الوقائِعيّة والذّات الشِّعريّة الافتراضيّة لمركزيّة بعضهِما، فَـ (الكوجيتو النِّسْيَاقيّ الانتصاليّ/البينشِعريّ) في استجابتِهِ لنداء الجدَل الفاصِم أُفُقيّاً، يتخلخل بِنيويّاً من داخلِهِ بفِعل طبيعة (الاختلاف الوجوديّ بينَ الذّاتيْن: تصدُّع الدَّازِن جدَليّاً) الذي ينجُمُ عنهُ (الفَصْم الجدَليّ العموديّ: جدَل المُطابَقة/الاختلاف) الذي يُبعثِرُ الوعي الثُّنائيّ التَّقابُليّ الحدِّيّ بين الذّاتيْن، ولا سيما أنَّ (الفَصْم الجدَليّ النِّسْيَاقيّ المُضاعَف) هو في جانبٍ محوريّ منهُ جدَليّة (الفاعل/المَفعول به: السِّياق/النَّسَق)، حيث تتعارَكُ _في_ مُستويي الفَصْم البينشعريّ المُضاعَف (الذّاتان: الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ) مع إرادات القوى، ويكون هذا الصِّراع جزءاً من شَهوة السَّيطرة على مُنفتَح العالَم الشِّعريّ الجديد، وهو الأمر الذي يمنَع الإغلاق الحاسِم والنِّهائيّ للانفتاح عبرَ بسط أساليب شِعريّة مُغايِرة ومُتمدِّدة _نحْوَ_ التَّباعُد والتَّشظّي والتَّشتُّت بما هيَ حركيّة الماهيّة _نحْوَ_ المُحتمَل والمَجهول.

لعلَّ (ثغرة الالتباس الاختلافيّ) وهيَ تُخلخِلُ مركزيّة الذّات ومُطابَقاتِها، تعني أنَّ (الفَصْم الجدَليّ الأُفقيّ: جدَل المُطابَقتيْن) بوصفِهِ استجابة (الكوجيتو الانتصاليّ/البينشِعريّ) لِـ (شَهوتَي الحُضور: ليبيدو الحُضور)، ينطوي على جدَليّة صِراع (وجوديّة/بِنيويّة) تُضاعِفُهُ، ذلكَ عبرَ (الفَصْم الجدَليّ العموديّ: جدَل المُطابَقة/الاختلاف)، وهذا يستكملُ مفهوم (براديغم النِّسْيَاقيّة) الذي تكشفُهُ (القطيعة الانتصاليّة) و(الأنطولوجيا البينشِعريّة) بوصفِهِ (فَصْماً جدَليّاً تخارُجيّاً مُضاعَفاً)، ليتعزَّزَ بناءً على ذلكَ (البُعد الالتباسيّ) لهذا الجدَل، ولينفتِحَ العالَمُ الشِّعريُّ الجديد بما هوَ عالَمُ (مَجاز المَجاز) مَغموراً بهذا الالتباس الجدَليّ المُضاعَف بينَ (مَجاز العالَم) و(عالَم المَجاز)، وهيَ المَسألة التي تتمُّ مُقارَبة (مُحصِّلتِها التَّخارُجيّة) نِسْيَاقيّاً _في_ (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة) تبعاً لتحليل نسبيّة (المُهيمنات المَجازيّة/ الوجوديّة التَّفاعُليّة)، بينَ ما تقفُ مُهيمنات انبساط أساليب وجودِهِ جدَليّاً عند حُدود (المُطابَقة)، وما تنفتِحُ مُهيمنات انبساط أساليب وجودِهِ _نحْوَ_ حُدود (الاختلاف)، وهكذا تتشكَّلُ حركيّة (الفَصْم الجدَليّ النِّسْيَاقيّ المُضاعَف) من حركيّة الجدَل الأوَّل (الفَصْم الجدَليّ الأُفُقيّ: جدَل المُطابَقتيْن)، التي تتراكَبُ معها حركيّة الجدَل الثّاني وتتشابَكُ، بما هيَ حركيّة (الفَصْم الجدَليّ العموديّ: جدَل المُطابَقة/الاختلاف).

خامساً: الفَصْم النِّسْيَاقيّ (الانتصاليّ/البينشِعريّ) بوصفِهِ تأويلاً أنطولوجيّاً للانزياح:

يبسطُ الفَصْمُ الجدَليّ التَّخارُجيّ بما هو فَصْمٌ نِسْيَاقيّ (انتصاليّ/بينشِعريّ) عبرَ آليّاتِهِ الجدَليّة المُضاعَفة (تأويلاً أُنطولوجيّاً للانزياح)، حيثُ يُؤسِّسُ (براديغم النِّسْيَاقيّة) بما ينطوي عليه من جدَليّات، ومنها جدَليّة (الفاعِل/المَفعول به: السِّياق/النَّسَق) نظَريّة جديدة للانزياح تقوم على فَهْمٍ تراكُبيّ لمَا يحدثُ في تلكَ المنطقة التَّخليقيّة الكثيفة والغامِضة لعالَم القصيدة.

إنَّ (الفَصْم الجدَليّ الأُفُقيّ: جدَل المُطابَقتيْن) بما هو نظَريّاً مرحلة (الجدَل الأوَّل) في التَّأويل الأُنطولوجيّ للانزياح، يقوم أوَّليّاً على استجابة (الكوجيتو الانتصاليّ/البينشِعريّ) لِـ (شَهوتَي الحُضور: كوجيتو الحُضور) بما هيَ استجابة صِراع قائِمة على شَهوة المُطابَقة والتَّمركُز وتشييد سُلطة (الذّاتيْن: الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ) _في_ فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) الشِّعريّ الجديد، ويمكنُ أنْ نصطلِحَ على هذِهِ المرحلة الأوَّليّة من الجدَل بمرحلة (تجميد الانزياح) بوصفِها استجابة لنداء (ليبيدو الحُضور) قائِمة على مُطابَقات (القُوَّة الجابذة) وتمركُزاتِها، وهذِهِ المَرحلة قد هيمَنَتْ إلى حدّ بعيد في مُعظَم شِعر الحداثة وما بعدَها.

لكنَّ انطواء (الفَصْم الجدَليّ الأُفُقيّ) على (ثغرة الالتباس الاختلافيّ)، وتفتيتُ كُلِّ وَحدةٍ مركزيّةٍ وَحدةَ المركزيّةِ الثّانية، وبما أنَّ هذا الأمر يُمثِّل آليّةَ خلخلةٍ للمُطابَقات القائِمة بينَ سُلطة الذّات الشّاعِرة الوقائِعيّة (مَجاز العالَم)، وسُلطة الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة (عالَم المَجاز)، عبرَ (الفَصْم الجدَليّ العموديّ: جدَل المُطابَقة/الاختلاف)، فهوَ قد يبسطُ (نسبيّاً) أنماطاً من (المُهيمنات المَجازيّة/ الوجوديّة التَّفاعُليّة) القائِمة على المُجاوَزة والتَّباعُد والتَّشظّي والاختلاف _في_ (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة)، ذلكَ أنَّ الجدَل الثّاني يقومُ بالتَّجادُل مع الجدَل الأوَّل، فيتراكَبُ الجدَلان بوصفِهِما (أُنطولوجيا انتصاليّة/بينشِعريّة)، ليُشكِّلَ (الفَصْم الجدَليّ المُضاعَف) آليّة يُمكِنُ الاصطلاح عليها بمَرحلة (مدّ الانزياح) بوصفِها (استجابة انقلابيّة) على نداء (ليبيدو الحُضور) قائِمة على (القُوَّة النّابِذة)؛ أي بوصفِها انقلاباً يهدفُ إلى تفتيتِ (ليبيدو الحُضور) وبَعْثَرَتِهِ، ليُهيمِنَ على عالَم (مَجاز المَجاز): (ليبيدو الغِياب: شَهوة الغِياب)، مع التَّأكيد دائِماً أنَّ هذا التَّفحُّصَ للجدَل المُضاعَف هو تفحُّصٌ نظَريّ إجرائيّ لا يقومُ على بُعد خطِّيّ تراتبيّ أو على وضع إحداثيّات حدِّيّة بين المَراحِل التي ينهَضُ عليها الانزياح في الجدَل المُضاعَف، فما أكثَر المرّات التي انطوَتْ فيها عوالِم القصائِد على مَركزيّة المُطابَقات (تجميد الانزياح)، من دون أنْ يتمكَّنَ الشُّعراء من توظيف قوى هذا (الفَصْم الجدَليّ المُضاعَف) لمَدِّ أساليب الوجود الشِّعريّة _نحْوَ_ التَّبعثُر والمُغايَرة والاختلاف.

لعلَّ مُحصِّلة (الفَصْم الجدَليّ المُضاعَف) التي تنبسِطُ _في_ عالَم القصيدة الجديد بما هو عالَم (مَجاز المَجاز)، هيَ مُحصِّلة مُؤسَّسة على (الالتباس الجدَليّ) بينَ (مَجاز العالَم) و(عالَم المَجاز) بوصفِهِ التباساً ينهَضُ على الصِّراع (النِّسْيَاقيّ الانتصاليّ/البينشِعريّ) بينَ مَرحلة (تجميد الانزياح) بما هيَ استجابة لنداء (ليبيدو الحُضور) القائِمة على (القُوَّة الجابذة)، ومَرحلة (مدّ الانزياح) بما هيَ (استجابة انقلابيّة) على نداء (ليبيدو الحُضور) قائِمة على (القُوَّة النّابِذة) الهادِفة إلى جعل هذا اللّيبيدو (ليبيدو غِياب)، وهُنا تكتمل مَعالِم (براديغم النِّسْيَاقيّة) بتأويل الانزياح أُنطولوجيّاً، ومُقارَبة فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) الشِّعريّ الجديد (نسبيّاً)؛ أي بوصفِها مُقارَبة تقوم على تلمُّس (المُهيمنات المَجازيّة/الوجوديّة التَّفاعُليّة) التي بسَطَتْها الحركيّة القصديّة للعُلُوّ المُحايِث _في_ عالَم القصيدة الجديد.

إنَّ تأويل الانزياح بناءً على النِّسْيَاقيّة (الانتصاليّة/البينشِعريّة) بوصفِها فَصْماً جدَليّاً مُضاعَفاً، ينطوي على (بُعْدٍ أُنطولوجيّ محوريّ) ينبغي الإضاءة عليه، فالدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ بما هوَ مَوجود بشريّ _في_ الفَجوة بينَ عالَميْن، هُما عالَم الذّات الشّاعِرة الوقائعيّة (مَجاز العالَم)، وعالَم الذّات الشِّعريّة الافتراضيّة (عالَم المَجاز)، يجدُ نفسَهُ مَقذوفاً في هذِهِ البُؤرة الجدَليّة، ومُلقىً _في_ فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) القائِمة على تهديد كينونتِهِ باستمرار بفعل عَوامِل النَّقص الوجوديّ المُنطوية على كيفيّاتٍ من البَعْثَرة والمَحدوديّة والعَجز والضَّعف والخَطر، ذلكَ أنَّ (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة)، هيَ بمَعنىً من المَعاني فَجوةُ وجودٍ مُؤجَّلٍ باستمرار، ومُعرَّضٍ للخلخلة والتَّفتيت والاختلاف، وهذا الوجود الاستباقيّ _نحْوَ_ المُحتمَل والمَجهول بما ينطوي عليه من (قلَق فُقدان الذّات) هوَ أصل (القصديّة التَّخارُجيّة النِّسْيَاقيّة) _في_ فَجوة الوجود الجدَليّ الفاصِم بين عالَمين، سواء أكانَ ذلكَ عبرَ (جدَل المُطابَقتيْن)، أم كانَ ذلكَ عبرَ (جدَل المُطابَقة/الاختلاف)، حيثُ يُؤسِّسُ هذا الانفتاح الوجوديّ القائِم على الصِّراعات والمَخاطِر وجُملة (تزاحُمات) إرادات القوى المُتعدِّدة وتدافُعاتِها، طبيعةَ استجابة (الكوجيتو الانتصاليّ/البينشِعريّ) لنداء (اللِّيبيدو النِّسْيَاقيّ) بينَ (الحُضور والغِياب)، بوصفِ هذِهِ الاستجابة تأويلاً أُنطولوجيّاً لحركيّة الانزياح الجدَليّ المُضاعَف (أي تأويلاً أُنطولوجيّاً لمُستويَي الفَصْم الجدَليّ: الأُفُقيّ والعموديّ)، إذ إنَّ تلكَ الحركيّة تنهَضُ على (نمَطَي ردّ: نمطان من بسط أساليب الوجود) يقومُ بهِما (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ) ضدَّ شُعورِهِ بقلَق الفُقدان _في_ فَجوةِ الوجود الشِّعريّ بينَ عالَميْن، وهذان النَّمَطان هُما:

1_ النَّمَط التَّمركُزيّ: وفيهِ تُهيمِنُ أساليبُ وجودٍ تردُّ نِسْيَاقيّاً على تشظِّي التَّخارُج، وانتشار الذّات المُختلِف والمُتباعِد _في_ فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) بما ينطوي عليهِ من تهديدات وجوديّة كيانيّة، بمُحاوَلة الارتداد إلى المركز؛ أي بمُحاولة ثني فَجوة التَّخارُج وطيِّها على مُطابَقات تسعى إلى الحِفاظ على وَحدة المركز، حيثُ ينهَضُ العُلُوُّ الجدَليّ للقصديّة النِّسْيَاقيّة المُحايِثة على قُوَّة (تجميد الانزياح الجابِذة) بوصفِها قُوَّة يُمكِن الاصطلاحُ عليها بِـ (استلاب الحُضور) عبرَ (شَهوتَي الحُضور)، وهو نمَط جدَليّ تأويليّ يقومُ أُنطولوجيّاً على مُحوريّة (تأويل الاسترداد) بما هوَ سعيُ (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ) إلى إعادة إنتاج سُلطات المركز، مع التَّأكيد على (نسبيّة) هذِهِ المُطابَقات بما هيَ مُهيمِنات تبسط أساليب وجود يُمكِنُ وصفُها بأنَّها أساليب استبداد سُلطويّة وتمركزيّة مُسَبَّقة تركَتْ أثرَها الواضِح في مُعظم شِعر الحداثة وما بعدَها (أي في الحداثتيْن التَّقليديتيْن).

2_ النَّمَط التَّشتُّتيّ: وفيهِ تُهيمِنُ أساليبُ وجودٍ تردُّ نِسْيَاقيّاً على تشظِّي التَّخارُج، وانتشار الذّات المُختلِف والمُتباعِد _في_ فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) بما ينطوي عليهِ من تهديدات وجوديّة كيانيّة، بمُحاوَلة تعميق حركيّة الإطاحة بوَحدة المركز؛ أي بالالتحاق المُندفِع أكثَر بالتَّشظِّي القائِم على تفتيت (شَهوتَي الحُضور)، حيثُ ينهَضُ العُلُوُّ الجدَليّ للقصديّة النِّسْيَاقيّة المُحايِثة على قُوَّة (مدّ الانزياح النّابِذة) بوصفِها قُوَّة (شَهوة الغِياب) التي يُمكِنُ الاصطلاحُ عليها بِـ (استلاب الغِياب)، وهوَ نمَط جدَليّ تأويليّ يقومُ أُنطولوجيّاً على مُحوريّة (تأويل الارتياب) بما هوَ سعيُ (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ) إلى الإطاحة والانقلاب على سُلطات المركز، وهذِا الرَّدّ يمنَحُ (الفَصْمَ الجدَليَّ المُضاعَف) مُجاوَزَتَهُ للفَصْم الأُفُقيّ _نحْوَ_ المَزيد من الجُموح الاختلافيّ لمُجاوَزة تحكُّم الذّات الميتافيزيقيّة بالعالَم الشِّعريّ، بما أنَّ هذا التَّحكُّم _كما ذكرْتُ مراراً_ ليسَ سوى فعل طُغيان يُحاوِلُ أنْ يفرضَ على هذا العالَم الجديد مُسَبَّقات أساليب وجود الوعي المركزيّ المُطابِق.

إنَّ مُجاوَزة الشّاعر للرَّدّ التَّمركزيّ، يعني أنَّ المُحصِّلة الجدَليّة المُضاعَفة بينَ نمطَي الرَّدّ (التَّمركُزيّ والتَّشتُّتيّ)، هيَ مُحصِّلة جامِحة _نحْوَ_ التَّبعثُر والتَّباعُد والاختلاف؛ أي بما هيَ مُحصِّلة تسعى إلى أنْ تتجاوَزَ (نظَريّاً وإجرائيّاً) الحداثة وما بعدَ الحداثة ببسط أساليب وجود _في_ عالَم القصيدة (عالَم مَجاز المَجاز)، بوصفِها أساليب وجود تنطوي على طبقات تخليقيّة كثيفة من (الالتباس الجدَليّ) بينَ الجدَل الأوَّل (الفَصْمُ الجدَليّ الأُفُقيّ: جدَل المُطابَقتيْن)، والجدَل الثّاني (الفَصْم الجدَليّ العموديّ: جدَل المُطابَقة/الاختلاف)، حيثُ يُؤدّي الصِّراع في مُستوياتِهِ المُتعدِّدة والمُتراكِبة (جدَليّاً) إلى جعل استجابة (الكوجيتو الانتصاليّ/البينشِعريّ) نِسْيَاقيّاً استجابة شديدة الالتباس والتَّعقيد؛ أي إنَّها استجابة لِـ (ليبيدو) تتجادَلُ فيه (شَهوتَي الحُضور: استلاب الحُضور)، و(شَهوة الغِياب: استلاب الغِياب)، بما هو جدَل قائِم على صِراع تأويليّ ينبسطُ بينَ (تأويل الاسترداد) و(تأويل الارتياب)، ولا يقفُ عندَ حُدود الرَّد التَّمركزيّ؛ أي عند حُدود جدَل المُطابَقتيْن بوصفِهِ تجميداً للانزياح، وهو ما أصطلِحُ عليه بِـ (التَّأويل الاستريابيّ).

يبقى أنْ أؤكِّد في هذا المَوضِع أنَّ الكلام عن الفَصْم الجدَليّ المُضاعَف (الفَصْم النِّسْيَاقيّ الانتصاليّ/البينشِعريّ) بما هوَ (تأويل أُنطولوجيّ للانزياح)، لا يقومُ على فكرة وجود إرادة ذاتيّة فاعِلة ومُتعالية على نحْوٍ مُطلَق في عمليّة تخليق القصيدة عبرَ استجابة الكوجيتو (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ) لنداء (اللِّيبيدو: ليبيدو الحُضور والغِياب)، فأساليب الوجود _في_ عالَم القصيدة بما هو عالَمُ (مَجاز المَجاز) تنطوي على تيّارات صِراع مُتراكِبة ومُعقَّدة فيها؛ أي إنَّ (المُهيمنات المَجازيّة/الوجوديّة التَّفاعُليّة) بوصفِها ناجِمة عن (حركيّة التباس جدَليّ) هيَ مُحصِّلة مَفعولات كما هيَ مُحصِّلة أفعال، فنحنُ في (براديغم النِّسْيَاقيّة) أمامَ فَهْمٍ مُركَّب لِـ (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة) تتأسَّس على (نسبيّة: الفاعِل/المَفعول به: السِّيَاق/النَّسَق)، وهذا يُمكِن تفكيكُهُ بتبسيط أكبَر عبرَ التَّمييز (النِّسْبيّ) النَّظَريّ والإجرائيّ (لا الحدِّيّ المُطلَق) بينَ (دازِن: فاعِل ومَفعول بهِ وقائعيّ) و(دازِن: فاعِل ومَفعول به افتراضيّ) من جانبٍ أوَّل، وعبرَ التَّمييز من جانبٍ ثانٍ بينَ (دازِن: سِياق ونسَق وقائعيّ) و(دازِن: سِياق ونسَق افتراضيّ).

وهكذا، يتجذَّرُ (براديغم الحداثة النِّسْيَاقيّة الجديدة) بما هوَ براديغم مُجاوَزة انزياحيّة أُنطولوجيّة للحداثة وما بعدها (الحداثتان التَّقليديتان)، عبرَ تراكُبيّة القوانين الجدَليّة التَّخارُجيّة المُضاعَفة التي تنهَضُ على آليّات فرق الجُهد الحيويّ النّاجِمة عن (التَّوتُّر النِّسْيَاقيّ) الذي يُجابهُهُ الدّازِن الشِّعريّ _في_ فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) المُغايِرة، وذلكَ عبرَ (استجابتِهِ/ردِّهِ) بوصفِهِ (كوجيتو انتصاليّ/بينشعريّ) لنداء (الليبيدو: الحُضور/الغِياب)، وهيَ (استجابة/ردّ) لا تنفصِلُ أبداً عن صِراع إرادات القوى المُتفاعِلة في منطقة الكثافة الإبداعيّة التَّخليقيّة لعالَم القصيدة الجديد، وهذا الأمر ينفي الفاعِليّة المُطلَقة لِـ (الذّاتيْن: الدَّازِن)، لكنَّهُ لا يُلغيهِما، فَـ (الحداثة النِّسْيَاقيّة) بوصفِها تنسفُ الوعي الثُّنائيّ الميتافيزيقيّ الذي يفصلُ اللُّغة عن الوجود في الحداثة وفي ما بعد الحداثة؛ هيَ (حداثةٌ ثوريّة) مُؤسَّسة على حركيّة (الفَصْم الجدَليّ المُضاعَف) الذي يتجاوَزُ نِسْيَاقيّاً تلكَ الرُّؤى والآليّات القَبْليّة التي كانت ترى عالَم القصيدة إمّا بوصفِهِ فِعْلاً تعبيريّاً أنجزَتْهُ ذاتٌ وقائعيّة (سِياقيّة) واعية ومُتحكِّمة بهذا العالَم تحكُّماً مُتعالياً مُسَبّقاً (مَركزيّةُ المُؤلِّف: السُّلطة الشُّموليّة للذّات)، أو بوصفِهِ بِنية (نسَقية لُغويّة لا شُعوريّة مُتماسِكة، ومُكتفية بذاتِها، ومُنفصِلة عن المُؤلِّف، ومُتعالية على الوجود في العالَم (موتُ المُؤلِّف: المَحو الشُّموليّ للذّات)، ليُمثِّلَ (براديغم النِّسْيَاقية) إعادةً للنَّظَر، أو لأقُل خلخلةً (انزياحيّة) لثُنائيتَي الحداثتيْن التَّقليديتيْن: (السِّيَاق _ النَّسَق) و(الفاعِل _ المَفعول به)، عبرَ حركيّات (القطيعة الانتصاليّة) و(الأنطولوجيا البينشعريّة) التي يُمارِسُها الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _في_ فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) بما هيَ ميدانُ الصِّراع الجدَليّ المُضاعَف بينَ الذّاتيْن.

سادساً: ما بعدَ الحداثتيْن الشِّعريتيْن:

إذا كانَ مشروع (النِّسْيَاقيّة) يتأسَّسُ على (الالتباس الجدَليّ المُضاعَف) بما هوَ (براديغم) يقترحُ ولادة )نظَريّة شِعر جديدة( أحد أهمّ أركانِها يتحدَّدُ بِـ (الاستجابة/الردّ) الانزياحيّ لِـ (الكوجيتو الانتصاليّ/البينشِعريّ) على نداء (ليبيدو الحُضور/الغِياب) _في_ فَجوة (مُنفتَح/مُنفصَم) عالَم القصيدة المُغايِر (عالَم مَجاز المَجاز)، فإنَّ هذا المَنحى (التَّنظيريّ/الإجرائيّ: شِعريّاً ونقديّاً) يقودُ إلى إعادة توضُّع جديدة لِـ (نظَريّة الشِّعر) عبرَ مُفارَقة (الفَصْم الجدَليّ المُضاعَف) نِسْيَاقيّاً للحداثة وما بعدَ الحداثة (الحداثتان التَّقليديتان)، بما هيَ (أي هذِهِ المُفارَقة) مُجاوَزة الحركيّة القصديّة للعُلُوّ المُحايِث  _في_ (وَحدة/ فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة) لآليّات التَّجريد الميتافيزيقيّة التي كانَتْ غالباً تتجاهَلُ (وَحدة الذّات واللُّغة والوجود) _في_ عالَم القصيدة المُنفتِح بينَ عالَميْن.

إنَّ أصل الإشكاليّة في نظَريّات الشِّعر الحديث تعودُ إلى الفَهْم الإبستمولوجيّ (المَعرفيّ( للشِّعر؛ ذلكَ أنَّهُ فَهْمٌ يتأسَّسُ على مُسَبَّقاتٍ نظَرِيّة ومَبادِئَ عامّة تتَّسِم بالتَّعالي السُّلطويّ والإخضاع الميتافيزيقيّ والتَّحكُّم الاستبداديّ القائِم على (مَبدأ المُطابَقة المَعرفيّة الزّائِف)، فالشّاعِر الحديث لطالما ظنَّ _أو ادّعى_ أنَّهُ وحده من يمتلك (الحقيقة الكاشِفة) في لُغته الشِّعريّة، لهذا بدا كأنَّ أساليب انفتاح قصيدَتِهِ، بما تنطوي عليه من قيَم ذات أبعادٍ (ثَّقافيّة _ َ جَماليّة)، قيَمٌ خارجيّة يُضيفُها قسراً هذا الشّاعر إلى شعرِهِ شبه المُنفصل بلُغتِهِ عن الوجود، حيثُ إنَّهُ تبعاً للتَّوجُّه الاحتكاريّ الذي روَّجَ لهُ كانَ بالمَعنى التَّطبيقيّ يُجرِّدُ لُغتَهُ ويعزلُ قصائدَهُ عن الخارِج، بينما هيَ ناجِمة في صلب كينونتها الأصليّة عن حركيّة الوجود في العالَم، وهيَ المُعضلة التي خلَّفَتْها الحداثة الشِّعريّة بالادّعاء أنَّ العالَم الوقائعيّ (المُتحوِّلَ) ينفتِحُ  أو يقودُ إلى (ثابتٍ) يقبضُ على المَجهول في عالَم القصيدة.

ولهذا فإنَّ أوَّل خُطوة لِمُجاوَزة هذه الإشكاليّة تكونُ بإعادة الاعتبار لِـ (وَحدة اللُّغة والوجود) بوصفِها مَنْبَعَ الأحداث والثَّقافة والجَمال في عَوالِم الشِّعر. وهوَ الأمرُ الذي يسمَحُ باستعادة الشِّعر أسئلةَ الذّات والوجود الأصيلة، واستئناف الحداثة بما هيَ خيانةٌ لكُلّ استقرارٍ وجُمودٍ ومَألوف، واحتفاءٌ بكُلِّ تجاوُزٍ وتحوُّلٍ واختلاف، وبما ينهَضُ على فكرة (تحريك الماهيّة)، والقول إنَّ (المُتحوِّل) في العالَم الوقائعيّ يقودُ إلى (أساليب وجود مُتحوِّلة) _في_ عالَم القصيدة الذي لا ينبسط على وَهْمِ الفصل الحدِّيّ بين (الذّات واللُّغة والوجود)، وهو الأمر الذي نجَمَ عنهُ بقاء مُعظَم تجارب شُعراء الحداثة عندَ الحُدود القَبْليّة لِـ (الفَصْم الجدَليّ الأُفُقيّ: جدَل المُطابَقتيْن).

كانت دعوتي إلى مُجاوَزة ثُنائيّة) الشِّعر الرُّؤيويّ _ الشِّعر اليوميّ( الزّائِفة في بَياني الشِّعريّ الأوَّل: (الإعلان التَّخارُجيّ) المَنشور في صِيغتِهِ الأُولى العام 2015، تنهَضُ في عُمقها على الدَّعوة إلى (مُجاوَزة نسيان الوجود الشِّعريّ الأصيل)، انطلاقاً من) مُجاوَزة نسيان الوجود في العالَم)، وهو الأمرُ الذي يُمثِّلُ إشكاليّةً حداثيّةً جوهريّة تمَّ بمُقتضاها توظيف اللُّغة لصالح مُطابَقة المُسَبَّقات الإيديولوجيّة  والرُّؤى الاستبداديّة، وطيّ القصائد على مَركزيتها المُغلَقة، وكانَ هذا يُشيرُ في لُبِّهِ إلى (المُعضلة التَّجريديّة) التي تفصل اللُّغة عن الوجود بالتَّعامُل معها بوصفها أداةً ميتافيزيقيّة مُتعاِليّة تستعمِلُها (الذَّات) تقنيّاً للتَّحَكُّم بعالَمها الخارِجيّ والسَّيطرة عليه عبرَ مُطابَقات مَركزيّة قَبْليّة تُحوِّلُ التَّحدّي الشِّعريّ الوجوديّ (الثَّقافيّ/الجَماليّ) إلى آليّة عاجِزة عن العُبور والمُجاوَزة واقتحام المُحتمَل والمَجهول.

لقد تاهَ الشِّعر الحديث في ثُنائيّة ميتافيزيقيّة مُصطنَعة تتوزَّعُ  بينَ وَهْمِ إحضار المَعيش ومُطابَقتِهِ في القصيدة اليوميّة، ووَهْمِ إحضار الغائِب ومُطابقتِهِ في القصيدة الكُلِّيّة. ففي ما عُرِفَ بتيّار الشِّعر اليوميّ عمدَ الشُّعراء إلى طيِّ قصائدهِم على مَركزيّة العالَم اليوميّ المُسَبَّق، مُتوهِّمينَ أنَّهُم ينجونَ بهذا من الإيديولوجيا بالقَبْضِ على حركة الشُّعور في الكلام بوصفها قَبْضاً على سِياقات العالَم الخارِجيّ التي ينبعُ منها الكشف. أمّا شُعراء ما عُرِفَ بتيّار الشِّعر الرُّؤيويّ، فقد عمدَوا إلى إلحاق قصائدِهِم بمَركزيّة ذواتِهِم المُتكوِّرة على رُؤىً شُموليّة، ظنَّاً منهُم أنَّهُم يقبضونَ _وتبعاً لحركة اللّاشُعور في اللُّغة _على أنساق كُلِّيّة ينبعُ منها الكشف، غيرَ أنَّ هذا الفعل لم يكُن في مُعظم الأحيان سوى استجابة قَبْليّة تطوي القصيدة الحديثة على مركزيّات إيديولوجيّة تُصادِرُ مُسَبَّقاً الرُّؤى والمَجهول، وهيَ الآليّات التي كَبَحَتْ مُعظَم تجارب التَّيّاريْن عندَ حُدود جدَل المُطابَقتيْن وتجميد الانزياح.

لعلَّ البدء بتحقيق مُجاوَزة إشكاليّات التَّجريد والمُطابَقة في الشِّعر الحديث (وما بعدَ الحديث كما سأوضح في السُّطور الآتية)، تنطلق من فَهْم وصول شُعراء الحداثة إلى طريقٍ مَسدود في تخليق العالَم الشِّعريّ الجديد، وهوَ ما أرجعوا سببَهُ إلى ما دعوهُ (الاصطدام بجدار اللُّغة)، مُسوِّغينَ عبرَهُ أيضاً إخفاقهُم في تحقيق مَشروع (تشظِّي النَّصّ الحداثيّ)، وهذا أمرٌ يُظهِرُ بجَلاء الأصل (النَّظَريّ/العمَليّ) التَّجريديّ الخاطئ والقائِم على فكرة عزل الذّات عن وجودها اللُّغويّ _في_ العالَم.

وقد حاوَلتْ تجاربُ (شُعراء ما بعدَ الحداثة) حلّ هذِهِ الإشكاليّة بالانتقال من مَشروع (تشظِّي النَّصّ) إلى مَشروع (نصّ التَّشظِّي) لمُجاوَزة مأزق الحداثة القائِم على ما وصفَتْهُ بمُعضِلَة (الاصطدام بحاجز اللُّغة)، فعملوا على استئناف فكرة (تفجير اللُّغة)، لكنَّ مُعظَم تلكَ التَّجارب أيضاً ارتدَّتْ إلى نقطة التَّجريد والفَصْل الحداثيّة نفسِها عبرَ إعادة إنتاج (المُطابَقات المُسَبَّقة) من بوّابة السُّقوط في وهم تحقيق (الاختلاف).

إنَّ الفخّ المحوريّ الذي عاد ليصطادَ عدداً كبيراً من شُعراء ما بعد الحداثة، هو فخٌّ شكلانيّ يكمنُ في الاعتقاد أنَّ (تفجير اللُّغة) يُمكنُ أنْ يتمَّ بمعزل عن (تفجير الذّات المَوجودة في العالَم) بما هيَ (وَحدة/فَجوة) زمانيّة مَفتوحة _نحْوَ_ المُحتمَل والمَجهول، لتترسَّخَ المُحاكاة المُسَبَّقة من جديد عبرَ بقاء مُعظم تجارب ما بعد الحداثة أسيرة رؤية نظريّة وإجرائيّة ترى أنَّ العالَم الوقائعيّ مُتشظٍّ ومُمزَّق ومُتباعِد وفوضويّ، وأنَّهُ يكفي (نصّ التَّشظِّي) ليبلُغَ الاختلافَ النّاهِضَ على (تفجير اللُّغة) أنْ يُؤسَّسَ على آليّات (لُغويّة/تقنيّة) فوضويّة ومُتبعثِرة، فاللَّعب الحُرّ للعلامات _في زعمِهِم_ يُمكِنُ أنْ يبسطَ التَّشتُّتَ والانتشارَ الاختلافيّ في النَّصّ ما بعد الحداثيّ بمجرَّد تحقيق مُحاكاة لُغويّة مُتعالية للاعقلانيّة العالَم، لكنَّ هذا التَّوجُّه لم يكُن في أساسِهِ سوى إعادة إنتاج باهِتة لخِطاب الحداثة القائِم على فصل اللُّغة عن الوجود، وإخراج عالَم الشِّعر من طبيعتِهِ الأصليّة التي لا يُمكنُ أنْ تقومُ على بلوغ المُحتمَل والمَجهول الاختلافيّ عبرَ خلخلة اللُّغة بقرار تقنيّ مُسَبَّق، يُرسِّخ تجريد هذِهِ الخَلخلة اللُّغويّة المَزعومة عن آليّات خَلخلة الوجود اللُّغويّ _في_ العالَم، فالمُغايَرة التَّفجيريّة للُّغة لا تأتي من تجريد فَجوتِها الطَّبيعيّة عن فضائِها الوجوديّ الأصيل، ولا تتحقَّقُ عبرَ إعادة إنتاج سُلطة الذّات القائِمة على التَّحكُّم القَبْليّ بالنَّصّ الشِّعريّ بإحضارِهِ وإخضاعِهِ وتمثُّلِهِ ميتافيزيقيّاً.

لقد تحوَّلَتْ مُعظَم تجارب شُعراء ما بعد الحداثة إلى تجارب مَنزوعة الرّوح (الشِّعريّ/الوجوديّ) بفعل الإذعان إلى جُملة (تقنيّات) مُفرَّغة من أصالتِها التَّخليقيّة والتَّخييليّة، لم يُقدِّم عبرَها عدد كبير من هؤلاء الشُّعراء سوى نصوص مُؤسَّسة على مُطابَقات قَبْليّة تجريديّة ومَعزولة عن العالَم، وواقِعة في هوّة تمطيط دلاليّ يُعلِّقُ الوجود لصالِحِ وهم (الفوضى اللُّغويّة) التي لم يُفضِ ما ظنّوهُ تفجيراً لها إلى فَتْح عوالِم المُجاوَزة والاختلاف الشِّعريّ، ذلكَ لأنَّهُم تناسوا أنَّ دالّ الاختلاف الشِّعريّ غير مَعزول بِـ (المَعنى النِّسْيَاقيّ: القطيعة الانتصاليّة والأنطولوجيا البينشِعريّة) عن أساليب الوجود (المَجازيّة/اللُّغويّة) التي هيَ أصل انفتاح صدع الذّات في العالَم، وانتقال حركيَّة هذا الصِّدع غير المَحدودة إلى عالَم القصيدة بما هو عالَم (مَجاز المَجاز).

وهكذا، تقترحُ (الحداثة النِّسْيَاقيّة الحُرّة الجديدة) مُجاوَزة الحداثتيْن التَّقليديتيْن عبرَ (براديغم النِّسْيَاقيّة) النّاهِض على (الفَصْم الجدَليّ المُضاعَف) بوصفِهِ ناتِجاً عن فرق الجهد الحيويّ للحركيّات القصديّة للعُلُوّ المُحايِث الذي يبسطُ _في_ فَجوة (المُنفتَح/المُنفصَم) (المُهيمنات المَجازيّة الوجوديّة التَّفاعُليّة) لِـ (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ)، بما هيَ مُحصِّلات تراكبيّة شديدة التَّعقيد والالتباس الجدَليّ في أساليب الوجود التي يبسطُها (التَّأويل الاستريابيّ) القائِم على الجدَل بينَ تأويلَي (الاسترداد والارتياب)، واللَّذين يُحدِّدان طبيعةَ (الاستجابة/الرَّدّ) لِـ (الكوجيتو الانتصاليّ/البينشِعريّ) على نداء (الليبيدو النِّسْيَاقيّ) بينَ (الحُضور والغِياب)، وذلكَ بوصفِ هذِهِ الاستجابة تأويلاً أُنطولوجيّاً (نسبيّاً) لحركيّة الانزياح الجدَليّ المُضاعَف المُجاوِز للإشكاليّة الميتافيزيقيّة التَّمركزيّة النّاهِضة على آليّات تجريديّة تفصل اللُّغة عن الذّات والوجود في الحداثتيْن التَّقليديتيْن، حيثُ إنَّ تخارُج (الدَّازِن الاستريابيّ) يُحرِّك (الماهيّة) التي لا تكاد تتعيَّن في كُلّ مرَّة حتّى تصيرَ (عرَضاً) جديداً يفتحُهُ اللَّعب الحُرّ (اختلافيّاً) على التَّشظِّي والتَّباعُد والمَجهول إلى ما لا نهاية _في_ (وَحدة/فَجوة) (الدَّازِن الشِّعريّ النِّسْيَاقيّ _ الزَّمانيّة _ اللُّغة).

دمشق في كانون الأوَّل/ديسمبر 2017.

 

_ تعريف بالكاتب:

مازن أكثم سليمان _ شاعر وناقد سوري:

(مُتحصِّل على درجة الدُّكتوراه في الدِّراسات الأدبيّة من جامعة دمشق _ له ديوان شعر صادر في دمشق عام 2006 بعنوان: “قبلَ غزالة النَّوم” _ أطلَقَ بَياناً شعريّاً عام 2015 بعنوان : “الإعلان التَّخارُجيّ” _ له عشرات القصائد والنُّصوص والمَقالات والدِّراسات النَّقديّة والفكريّة المَنشورة في الجرائد والمجلّات والمَواقِع العربيّة _ لديه أكثر من مَخطوط شعريّ ونقديّ وفكريّ قيد النشر.).

 

 

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *