الفن والسياسة… حوار مع هايدي بيتلور

خاص- ثقافات

أجرته: آني ويثرواكس/ ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

ما هي وظيفة الفنان والكاتب في مجتمع مضطرب؟ وما هو دورنا في هذه الأوقات السياسية العصيبة المحفوفة بالمخاطر؟

لا يخلو الأمر من القضايا الملحة التي تستأثر بالاهتمام من قضية اللجوء التاريخية مروراً بجرائم الكراهية وتنامي التعصب ومخاطر التغير المناخي والتي تشكل أرضية خصبة للكتابة ولكن هل  نستطيع استخلاص معنى مفيداً دون استجلاب منظور الزمن والمسافة؟

تحدثت مع هايدي بيتلور وسألتها عن رأيها.

كتبت بيتلور رواية ” أعياد الميلاد” ورواية “زواج في وضح النهار” وعملت رئيسة محررين في دار نشر هوجتون ميفين هاركورت وعملت محررة لسلسلة “أفضل القصص الأمريكية القصيرة” منذ عام 2007.

نشرت كتاباتها في مجلات نصل المحاريث والنيويورك تايمز والبوسطن جلوب والهفينجتون بوست ولابور داي: قصص ولادة واقعية لأفضل الكاتبات وغيرها.تتولى  التدريس حالياً في برنامج ماجستير الفنون الجميلة في جامعة ريجيس في مدينة دنفر . وتسكن مع زوجها وابنها وابنتها التوأم  خارج مدينة بوسطن.

آني ويثرواكس: ما الذي تقترحينه للكتاب والمبدعين الآخرين للتعامل مع مناخنا السياسي الراهن؟

هايدي بيتلور: هذه أيام عصيبة. تتوارد الأنباء المقلقة عن بلادنا بشكل يومي إن لم يكن ساعي ويتوجب على الكتاب والفنانين ،والذين هم بطبيعة الحال الأكثر تحسساً لمحيطهم، إبرام توازن بين المحافظة على الإبداعية والإنتاجية والتثقف. أقترح العودة إلى الأصول: التواصل وجهاً لوجه مع الناس وتنمية علاقاتك وصداقاتك والانغماس في تجارب حسية مباشرة وإعادة تأكيد الأولويات وإكتشاف المتع القديمة. ومن المهم الآن إتخاذ الإجراءات بأي شكل  يضيف مغزى لحياتك.

يجب أن نصل للأفراد المستهدفين بالشعارات والتعصب و نحاول إثبات وجودنا ولطفنا.

آني: كيف أثر المناخ السياسي الراهن على أصوات الكتاب ؟

هايدي: من المبكر معرفة ذلك. سيستغرق الأمر بعض الوقت لتفهم أعمق وأعرض لزمننا ليتطور ويترجم إلى الأدب والفن. تمر البلاد بحالة إنبثاق وتدفق. إذا كتبت شيئاً للحظة الراهنة تكون قد كتبت عن هدف متحرك لإن التغيير يحدث بشكل سريع خاصة الآن .

وقد تصبح  أشباه الفكاهات التي يقحمها الأدب المعاصر في قصص الواقع المرير وما نعتبره الآن أو مؤخراً أدباً واقعياً سوف يصبح عما قريب أدباً تاريخياً.

آني: ما هو دور الكاتب في حماية حرية التعبير؟

هايدي: يجب أن يعاضد الكتاب ويدعم بعضهم البعض. وهذا يعني من الناحية المادية عن طريق شراء الكتب من المكتبات المستقلة وحضور القراءات وكتابة مراجعات الكتب على امازون وجود ريدز وشراء ومطالعة المجلات والصحف. يجب أن ندعم مكتباتنا المحلية بكل طريقة ممكنة. ويجب أن ندافع عن الصحفيين والكتاب المستهدفين الذين يقولون الحقيقة وينتقدون الخطأ. ويجب أن يخبر أحدنا الآخر عبر مواقع التواصل الإجتماعي وخلال حواراتنا اليومية عن هذه الأحداث ونآزر الضحايا بكل الطرق الممكنة.ومنظمة بن (القلم) هي منظمة رائعة تدعم بنشاط حرية التعبير – ويجب أن ينضم الكتاب للفروع المحلية لتلك المنظمة ويحضروا ويساهموا في نشاطاتها. الطريقة الوحيدة لحماية حرية التعبير هي دعمها بجد ونشاط.

آني: هناك الكثير من الحديث عن نهاية الحقيقة ما هو دورنا في حمايتها؟

هايدي: قد يكون كشف طرفاً من الحقيقة أحد أهم أعمال الكاتب. تدفع سطوة الأخبار السئية اللامنتهية الكثير منا إلى الإنسحاب لحماية أنفسنا. لا نقوى على تحمل الكثير. ولكن إذا إنغلقنا على أنفسنا أكثر مما يجب نخاطر بفقدان الإتصال بالحقيقة والأسوأ من ذلك فقدان الإحساس بها. نخاطر بالإقتراب من قصة جديدة ربما كانت في السنين السابقة تثير غضبنا ولكننا نكتفي اليوم بالفزع واللامبالاة. ألقى سيدهارتا موكيرجي خطبة بليغة نشرت مؤخراً في مجلة النيويوركر وناقش كيف تنقل انطون تشيخوف في مستعمرة يابانية لحجز المجرمين. غادر تشيخوف روسيا القيصرية وذهب إلى هذه الجزيرة الصغيرة بهدف تقوية إحساسه بنفسه كفنان وإنسان.

يجب أن نحافظ على المنظور ونؤجج غضبنا دون أن يفضي لهلاكنا. وهذا ليس بالمصير الهين ولكن الكثير من المبدعين عاشوا في ظل أنظمة قمعية وتابعوا إبداع مآثر عظيمة بسبب أو رغم الظروف القاهرة المحيطة بهم. يقود الغضب والعواطف المحضة الروح الفنية.

آني: كيف تعتقدين أن السوق يحجم الأصوات المسموعة؟ كيف خلقت الرأسمالية عن غير قصد شكلها الخاص من الرقابة؟

هايدي: عندما لا يحظى أفضل كتابنا بالتقدير الملائم ولا يحصلون على التعويض المادي الكافي  فإن الأصوات الوحيدة المسموعة هي أصوات الأفراد الذين يمتلكون الوقت والموارد للعمل دون مقابل. وبدون دعم الحكومات المحلية يضطرالكتاب للإعتماد على الممولين من القطاع الخاص أو أهواء السوق لتمويل إبداعاتهم. وأخشى أن تصبح الفنون الرفيعة في ظل الرأسمالية الصرفة التي يرغب البعض بها في هذه البلاد والتي تتطلب موارد ووقت لتطويرها رفاهية مقصورة على أقل من 1% من السكان.

وفي الوقت ذاته تمتلك وسائط التواصل الإجتماعي ومبيعات الكتب على الإنترنت تأثيراً ديمقراطياً. يستطيع كل فرد التعبير عن رأيه عن كتاب ما. هناك منافذ أعرض لهذه الأراء أكثر من ذي قبل وأصبح الكلام المنقول من شخص لآخر أكثر قوة عما كان عليه.

آني: الفن والسياسة- هناك معسكرات تعتقد أنهما يجب أن لا يختلطان قط. ما هي وجهة نظرك؟ هل وصلنا إلى أوقات من التاريخ أضحت فيه الجماليات النقية مرغوبة بشكل أكبر؟ وهل مر زمن (كزماننا) أصبح فيه الخلط بين الفن والسياسة أكثر إلحاحاً؟

هايدي: أعتقد أن كل مبدع هو ويجب أن يكون مختلفاً عن الآخر. وبالنسبة لي كانت تلك لحظة توضيحية.

نرى التزمت والتمييز العرقي والجنسي والخوف من الآخر وما سوى ذلك والذي كان مخفياً تحت السطح في بلادنا لسنوات عديدة. وشخصياً لا أستطيع الفصل بين الفن والسياسة. درست منذ زمن طويل العلوم السياسية في الجامعة وامتلكت قناعات قوية بالحقوق المدنية وحقوق النساء. وأرى أن الحالة الراهنة في بلادنا قد نزفت إلى أبعد من تخوم السياسات المعتادة. لدينا الكثير على المحك من الحقوق المدنية إلى التعليم إلى الأمن والأمان والبيئة. وبالجوهر المستقبل كله على المحك. ولا أقوى على  الكتابة عن شئ يبدو أقل إلحاحاً الآن.

آني: يقسم الأطباء قسم أبقراط- أن يتعهدوا بعدم إيذاء أي إنسان. لو توجب على الكتاب حلف يمين مماثل ما عساه أن يكون؟

هايدي: سوف أختم بملحوظة صغيرة بالقول أن  يتعهدالكتاب بعدم قراءة مراجعات كتبهم على امازون وجزدريدز. وسوف يكون ذلك عملاً لطيفاً تجاه أزواجهم وأقرب أصدقائهم.
____________

المصدر:

مجلة نصل المحاريث الأدبية الصادرة عن كلية إمرسون في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية. عام 2018.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *