نــســوك يــا شيـــخ المسرحيين!

خاص- ثقافات

*نجيب طلال

نــسَـوك ؛ ومــا نـعَـوْك ؛ في وبـعْـد مثواك الأخير: يا شـيـخنا ! لأنـك لم تـكن مـنافقا ولا استغلاليا؛ ولابـهتانيا ؛ بـل كنت متواضـعا بسيطا في علائقـك ومعاشـك ؛ صـادقا مع ذاتك ومنسجما مـع مواقـفك وتصوراتك ؛ ويكفي أنـك كـنت أيها الراحل عـنا نارا على عـلم في محـيطـك وخارجه ؛ بحكم حـركيتـك  المتفردة ؛ ووجودك المتميز؛ فتاريخه العـريق بين أهـل وساكنة المدينة القديمة بفاس؛ منذ ولادته 1910 إلى يوم أن غادرنا لدار البقاء– عبد العزيز الساقوط –  الذي امتهن الخرازة التي كانت من أرقى الحـرف في الثلاثينات من القرن الماضي؛ لأسباب يدخل فيها حتى الجانب الاستعماري أنذاك؛ وبعدها تحول كمستثمر محلي  في بيع الجلود. ومن طبيعة مرحلته التاريخية التي فرضت عليه أن ينخرط في المقاومة والدفاع عن استقلال بلاده ؛ التحـق بصفوف الحركة الوطنية؛ واستقـر به الأمر فيما بـعـد في  جناح – حزب الاستـقلال –  من هـنا هـب عليه ريح – المسرح- ليعشـقه ؛ويهيم في رحابه ومنجزاته (آنـذاك) بحكم الأعمال المسرحية التي كانت تـنـجز وتـقدم في المدارس الحرة التابعة للحـزب ؛ وإن كان يمـيل للبســاط الذي كان سائدا في القصور والمنازل والرياض والحقول المسيجة … ومن خلال مساره في معـمعان – المسرح- الذي يفرض قراءة تاريخية لذلك؛ ومما يؤسف لـه؛ لا أحـد حاول أو فـكر أن يخترق عـوالم مساره المسرحي؛ وخاصه الذين كانوا بجواره ؛ بل كانوا يفكرون في استغلاله :كيف ؟ فمن سياق المتن سنعرف الجواب . ولكن شاءت لحظة البوح أن يحكي بعضا من مساره ؛ لأنه أصلا كان قليل الكلام ؛ ويستظهـر كتابه في دواخله ؛ لأنه لم يكن ممثلا ولا مؤلفا ولا مخرجا؛ بل كان رجلا مهـووسا بالمسرح وملسوع به ؛ مما حقق دينامية وجوده وقربه للفعل المسرحي؛ في عملية التسيـير والتدبير للجمعيات المسرحية . وإن كان مارس (البساط) والذي ليس هو المسرح كفعل إبداعي له خصائصه وقواعده وأنماطه الفكرية والتعبيرية ؛ وبالتالي يُـعَــد وسيلة لتحقيق غاية لحظية تتمثل في تواصل روحي شبقي بعوالم إنسانية ؛ ثم من خلال مضمون رسالته التي تعد غاية بعدية؛ أما البساط  فبعضهم أراد أن يؤطره كشكل مسرحي ؛ من خلال موجة تأصيل المسرح العربي ؛ الذي لم يـتأصـل ؛ بقـدرما تأزم ؛ من كثرة التخريجات الوهمية منها ( البساط) صحيح إنه يعتمد على ممثل وجمهور؛ وصحيح أنه يحمل فرجته معه ؛ ولكنه لا يحمل فكرا ولا جمالية ؛ لأنه يندرج ضمن المسليات أو الهـزليات.
ففي سنة 1947 أسس الحـزب ( الاستقلال) تحت إشراف “السلوي أبـو عـزام” جمعية (العلم ) فاستدعي لكي ينخـرط فيها؛ لكنه تهَـيَّب من طلبة القرويين الذين كانوا اعضاء فيها؛ ولاسيما أن طبيعة حضوره تكمن بين الصناع التقليديين والحرفيين ؛ فساهـم الراحل – الـساقوط – في تأسيس جمعـية( التواضع الفني) في أواخر الأربعينات من القرن الماضي؛ والتي كانت تضم/محمد بنمنصور/ /محمد الحياني/ ع الحق الجامعي/ حماد الصفريوي/ الطاهرالغياتي/ عبدالرحيم الأزرق/ حماد بن جلون/ مصطفى بلامين/ محمد باحسين/…./ فانطلقوا بالارتجال والمقالب والقفشات؛ ذات فـرجات شعبية؛ يغلب عليها طابع الإضحاك والبهجة ؛ ففي هذا القالب أو النمط؛ ظهرت بجانبهم جمعية [ المستقبل المسرحي ] رفقة كمال بنسودة / بلحاج بنجلون/ ع السلام الإدريسي/ محمد الحمومي/ حماد الصفريوي/ عبد العزيز الغرناطي/ محمد الفيلالي/عبدالحق الزموري/…/  فكانت المنافسة شرسة وأخوية في آن؛ في مجال (البساط/ الإضحاك) بين الجمعيتين؛ بحيث كان جموع الحرفيين وغيرهم يتهافتون على عروضهما مساء الخميس والجمعة أنذاك؛ والمثير أن الجمعيتين آمنا بممارسة الفـن من أجل الفن؛ بعـيدين عن المجال السياسي الذي كان سائدا آنذاك؛ مؤكدين أن النشاط السياسي لا مناص أن يمارس خارج الجمعية؛ وإن كان أغلبهم ينتمون لحـزب الاستقلال؛ وجزء من إيرادات عـروضهما (كان) يرسل ويسلم من طـرف عبد العزيز الساقوط وحماد الصفريوي. كمكلفين بإيصال تلك الحصيلة ؛ لصندوق الحزب من أجـل المقاومة ؟
لكن بعـد سنوات من النشاط أي في 1952اندمجا كجمعية واحدة اطلق عليها – المسرح الشعـبي- واسندت الرئاسة لعـبد الحق الجامعي وأمين المال لعبد العزيز الساقوط ؛ فتطور نشاطهم لأعمال لها مقومات مسرحية ك- رواية – وهذا المفهوم كان يؤمن به الراحل ( الساقوط) ويتلفظ به. فما سمعنا يوما منه يتلفظ بمسرحية بل رواية ( الإيمان) لمحمد الإدريسي ؛ الذي كان آنذاك رئيس مدرسة النهضة التي تعد إحدى أقدم المدارس الحرة بفاس؛ وفيها كانوا يتدربون ويقدمون عروضها؛ وهناك رواية(محو الأمية) للعربي بنشقرون الذي بدوره كان رئيس مدرسة- عقبة الفيران- ورواية ( كيف المعمول) للعربي الدغمي و(المال والجاه) لحماد بن جلون… لكـن حينما شعر الراحل – ع العزيز الساقـوط- باختراق الفعل السياسي في الجمعية؛ انسحب منها سنة 1960 ليؤسس جمعية [ الاتحاد الفني] رفقة محمد العلمي وعبد الرحيم الأزرق ومحمد المرادي وأحمد البورشدي وأحمد الأزمي وعبدالحق بنعظيم ومحمد الحجامي…. إذ تم إعادة بعض السكيتشات والأعمال التي تم تقديمها في( المسرح الشعبي) بعـدما التحق بهم  إبراهيم الدمناتي وعـزيز صابر وصالحة الجزائرية ونورالدين السباعي/…/ بحيث تم استغلال قاعة سينما (لامبير)عـدة مرات لتقديم أعمالهم ؛ والتقليد الذي نهجه المسرح الشعبي؛ بالقيام بجولات في القرى والمدن المجاورة لفاس وكذا المستشفيات ودور المسنين ؛ نفسه سلكـه ( الاتحاد الفني) بحيث قام بعدة جولات في بعض المدن والمداشر القريبة من فاس؛ ومن ضمن الجولات؛ كانت لهم جولة لمدينة وجـدة سنة 1961 رفقة جوق إذاعة فاس آنذاك والعجيب أن هاته الجمعـية  كانت بمثابة جـسرا يَمُـرُّ ومـرَّ منه أغلبية المسرحيين ؛ والمسألة كانت تندرج في عملية تمويل ودعم العمل المسرحي؛ ماديا فكان الراحل – عبد العزيزالساقوط – كرئيس للجمعية وممول لأعمالها بكل ثقـله المادي والمعنوي؛ فعلى يده ظـهر أول عمل مسرحي لمحمد تيمد- النكران – والتي  شاركت بها في إقصائيات مسرح الهواة الدورة ( السادسة/1962) وقبل هـذا العمل التحق الفنان نبيل لحلو وأخيه حميد و زكي الهواري؛ فانطلقوا في التداريب حول رواية( يوليوس قيصر) وأنفق الراحل أموالا طائلة على الديكور والملابس؛ لكنه أوقـف العمل بعدما؛ كـذب عليه أحد المسرحيين ! بأن العمل ذو طابع سياسي ضد السلطة ؟
وبحكم طبيعة حياة الصناع التقليديين؛ الذين( كانوا) يمسرحون طبيعة حياتهم وعلائقهم بكل تلقائية – فعبد العزيز الساقوط قيد حياته؛ ليس استثناء؛ فكان بدوره يمارس مقالب مع الصناع والمسرحيين؛ فكانت قفاشاته مريبة جـدا؛ مما كان يتخوف منها العديد ممن انخرط في الجمعية؛ وحينما يصاب أحدهم  بمقلب  ينسحب لجمعية أخرى؛ وفي هـذا المجال الحديث يطول؛ مما انخرط العديد من الفعاليات المسرحية في الجمعية؛ مما أضحى شيخ المسرحيين بدون منازع ؛ ولاسيما رئاسته مجلس دار الشباب السياج بالمدينة القديمة؛ وكانت في زمن الاستعمار الفرنسي مـقرا( للمجلس البلدي) وبقربها دار (بوعلي) التي كانت مجلس حكم الباشا البغـدادي آنذاك؛ ففي هذا الفضاء كان يتحرك الراحل؛ بعدما ينهي عمله بباب عجيسة؛ ويملأ حافظته بما تيسر من رزق يومه؛ جزء منه كان ينفقـه على المسرح؛ وليس هو الوحيد الذي كان كذلك بل كان (محمد عادل) ما أنفقه على [اللواء المسرحي] فمن الصعب حصره؛ وهناك المرحوم ( زكي العلوي) ما أنفقه على [ الطليعة ] حتى أنه باع بعض اثاث منزله ؛ بهوس المسرح؛ وهناك المرحوم( محمد العلمي) تجاه جمعية (التجديد المسرحي) والمرحوم (عبدالله مراني العلوي) في حق (جمعية نادي الفنون) (وووو) فـإشكاليتنا لا أخلاقية ؛ بحيث لا نؤمن بتضحيات الآخر ولا نضعها في ميزانها؛ ولم نترب على ثقافة الاعتراف.
ففي1972  قـدمت رواية الأموات لمحمد المرادي الدباغ؛ الذي كان طاقة خارقة في المجال الشعبي؛ بحيث كان الراحل يفرض عليه البقاء ضمن الجمعية؛ بحيث قدم لها عـدة أعمال  ؛ لكن بعد عام أي: 1973 التحق أحمد العراقي ومحمد خشلة وادريس الجاي لتقديم رواية( حسب تعبير الراحل) – حزيران شهادة ميلاد- والتي شاركت في المهرجان الوطني(الدورة14) وبعـدهـذا التاريخ  أمست أفواج من الشباب تتقاطر على الجمعية ؛ وبعـد التمرس فيها يؤسسون جمعية مسرحية موالية لها؛ حتى أن بعضهم؛ حاول ممارسة الانقلاب على الراحل؛ وإزاحته من رئاسة الجمعية؛ بأساليب ملتوية؛ والسبب يعود؛ بأن ( الاتحاد الفني) كان لها تاريخ وصيت في المحيط الفاسي؛ ولها رصيد مالي جـد محترم؛ انطلاقا من المنح والمساعدات المالية ؛ ودعـم خاص من المجلس البلدي في عقود خلت؛ ومادام لم يفلح الانقلاب؛ التجأوا لتأسيس جمعية؛ أطرت نفسها آنذاك في اليسار؛ ولم تكن يسارية ؛ إلا لإخفاء ما كانت تخطط له ضد الراحل؛ الذي كان له حضوره القوي في حياة الصناع التقليديين؛ إذ كان أمينا للتجار بباب عجيسة ( سوق الجلود) ورئيس جمعية الشبيبة الصناعية وعضو إنساني في جمعية المعاقين جسديا وعضو فعال في نادي الصناع التقليديين؛ ولكن هنالك شباب ظلوا في كنف الجمعية سنوات وسنوات ؛ ولم يتمردوا على الراحل بل دعموه بكل عطائهم الفني كالمرحوم: محمد الشيكي/ المرحوم: محمد التاج الدين/المرحوم:المريني أبو العينين/المرحوم:  ادريس الذويب/ عبدالله مفيد/محمد فارس/ عبدالله الدوردي المدغري/عبدالواحد المرابطي/ خالد فايز/ سعيد العامري/ادريس العطار/ أحمد اليعقوبي/ محمد سليم/ محمد التسولي/ محمد الخمليشي/…../
ومن أجمل ما فـكر فيه الراحل إنجاز رواية ( مولاي ادريس) من تقديم وإنجاز [الاتحاد الفني ] وإشراف الاتحاد الاقليمي للمسرح آنذاك ؛لإعطائها الصبغة الإقليمية؛ وفكرة الراحل كانت  محاولة تقديمها في فضاء [ باب الماكنة] تيمنا بمؤسس المدينة ؛ فاختيرلها محمد خشلة للقيام بالإخراج؛ فكانت بحق ملحمة؛ بخلاف التصور الذي قدمها به – الطيب الصديقي- بحكم مشاركة عناصر من كل الجمعيات المسرحية.
فبحق فالراحل عنا – ح /عبد العزيزالساقوط: كان شيخ المسرحيين بامتياز؛ بعدما ساهم بكل ثقله في الميدان المسرحي؛ ومساهما في التنظيم والإشراف والتواصل مع الجهات المسؤولة؛ لدعم الفعل المسرحي ماديا ومعـنويا؛ ومن جانبه لقد ضحي بالغالي والنفيس من اجل الارتقاء بالإبداع المسرحي ؛  وشحن همم الشباب على الممارسة المسرحية الحـقة . فرغم تضحياته وديناميته ؛ فالأغلب الأعم تنكروا له؛ ونسوه حتى في مماته؛ علما لم  ينصفه الزمن أويعوضه ولو عُـشر ما قـَدمه للمسرح وللشبيبة الصناعية !!

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *