جنان المحبّة ” لعبد العالي الوالي … زجلية يرسم ملامحها الرّمادي والعابر

خاص-ثقافات

*احمد الشيخاوي
تنثر آفاقا قزحية، هذه المجموعة الصادرة سنة 2015 عن مطبعة وراقة بلال/فاس، وتدغدغ بألوانها المرِحة، معلنة إفلاسا ذاتيا من ضرب خاص،ومجدّفة وفق تيار ماضوية كتومة ومتحفظة جدّا على طقوسيات هذا المفقود الذي ما ينفكّ يعاود هيمنته على الذاكرة ،ممارسا عليها لونا استنطاقيا أو بالأحرى تحفيزيا موجّها نحو كلّ دال عن طفولة ما ،عبرتنا بمختلف تفاصيلها، على نحو مشوه للوجوه وناقر بأريحية وتوهّج وتضوع الفصول داخل هذه الحلقة المفقودة،سائر ما يكمن خلف هذه المقامرة الزجلية ،وهي تزاول على الذائقة استعراضا أميل ما يكون إلى البرزخية الواعية المستفزّة لحقول الدّفين وكيف أنه طوانا ولمّا نزل مفتقرين إلى الكفاءة والأهلية المخوّلة لاصطدام رجولي نغنم من خلاله بعضا مما قد يعوّض عن العابر والمفقود من ملائكية الذات والمكان والوجوه.
من ثمّ ، فخاخ العتبة جمّة، من حيث أهمية التّسربل بدوال تنعت ولا تسمّي، تضمر ولا تظهر، تنسف ولا تلملم، كي تمكّن لانثيالاتها الأخطبوطية،باستقطابنا إلى أبراج الفهم المضاد القاذف بنا ملء الذاكرة الطفولية والانكسار الأنوي، مباشرة في غياهب المغيّب أو المتواري في رحم التيمة الفردوسية وما تحيل عليه من عوالم مفجّرة لربيع التواؤم الإنساني الصرف،ناطقا بمتوالية مناقب لا تسرق من الطبع الآدمي السوي فقط، بقدر ما تترعه بمعسول فلسفة الروح المنصهرة في الجماعة.
إن مجرّد الأثر الذي يخلّفه اصطدامنا المخملي الأولي بعتبة الديوان ، يعدّل بوصلة السفر في بحبوحة الإنساني الذي طالما التزمت به روح الجماعة داخل تخوم الرّيف المغربي،وأرست مواويله ضامنة به معطيات التكتّل والتكافل الاجتماعي وإرسالية الدعابة المجدّدة للنفس النضالي ،تبعا لثالوث القوة والمحبّة والاستقرار.
إنه وبالتوغل تدريجيا في متون المجموعة، يتبين جليا ،نورانية الإرث،وكيف أنّا وبلا مبالاة، ضيّعناه، لائذين بالذي هو أدنى،وهو نزر ممّا جنته علينا تبعية اتكال، وانفتاح أعمى طامس للهوية، ومهجّن للسلالة، مغتصب للملامح.
لنا عودة ،بعد نتملّى الاقتباسات أسفله :
” جناني
ورد وزهر
ما تفتّح
تسنّى عين الصباح
تنور
تسنّى البشارة”
……………….
“بسمة بلون جديد
تبصرها العين ترتاح
تنسيك الهم
وشلة حوايج مخفية،
عشق ضاوي ف القلب لاح
فيه جوارحي مجلية،
طوير صغير ب المحبة صداح
نغمة صداحه قوية،
وردف جنان العمر
منه تسقات الاجباح،
وفاضت ب عشق
الارواح به مروية”
………………..
” فلتات لحظة مني
لذاتي
غواتها
تفكرات
كاع اللي فات
بكات
ضحكات
داز عمر مني
ل هاد النهار مستني
لمه
ف كمه
حسبه من الايام
فيه صورة من السكات
كبرات
وهو مات”
………………….
” بوح أخاطري بوح
اجبد الغارقة ف الروح
اكشف سرّك
سري
وسر الروح
وسري بنا نغزلوا لكلام”
………………
” نعطيك الشوق فتوح
ها عار الخاطر
اعطفي
يا ولفي
تبرد مجامر الكية
قوافي البوح
المعنى حاضر
حرفي
إلى يكفي
فوق الروح هدية.
واش الورد يكفيك
ولا ندير محج تواليك
كل يوم موسم
كاع الناس تزور
تتبرك بك
إلى انت راضية
وتكون كاملة حروفي ليك
واش المحبة تكفيك؟
القلب رحبة،
والخاطر فرشتو ليك.”
لا يمكن أن تتيح هذه الفسحة لتأويل المجرود في الالتماعات الآنفة، شيئا أكثر من المسرحة الطوباوية لخصوصيات المحلّي، بدرجة أولى، وهي شعرية تمتح بالأساس من لونان للحظة الهاربة مبطنة بثقافة كائن الشرق في هذه المملكة السعيدة.
وهي ظاهرة تكرّس لها الأعراس ، بشكل خاص، تزمجر بها إيقاعات ” النهايري” و ” العلاوي” في خضمّ توليفة بديعة وتناغم تام للميكانيزم الموسيقي المختوم بتواشجات الأشجى موقّعا بالمناوبات على الناي والمزمار.
يجرّ هذا إلى محمومية الليالي الصفية داخل تراب العمق، معتّقة الظلال، فضلا عمّا يمكن أن تساويه لحظات مواجهة البكارة والتنعّم باللذة الأولى من على أبراج المبارك والمباح،بمعزل بالطبع عن منطق ووثنية التعطّش للدم العذري مغريا بامتحانات ما قبيل ولوج عش الزيجة، حسب المتعارف عليه من لدن كهذه قبائل تنتمي إلى جهة ما تحاول اختزاله ذاتية شاعرنا ها هنا.
” التباريح” أو الخطاب الزجلي المقتضب والمكتفّ الفاصل بين النوتة الموسيقية والأخرى في مثل هذه الأعراس التي تنصب لها الخيام، وتستضيف الخاص والعام، بل وتكون الأغلبية من الأسراب المراهقة التي لم توجّه لها دعوة بالأساس.
هي محافل يطغى عليها ميسم الملكية العامة، تدشّن فصولا من الإيروتيكية وتكرار ما دأب عليه الأولون في صناعة الفرحة والفرجة ونشر ثقافة المحبة والتساكن والتآزر والتزاور والتصافي والإخاء.
لا يمكن لشاعرنا أن ينعزل عن كهذه أجواء، إذ ليس ثمة بد من أن يسكب في قصائده ،من عذب وبرود طقوس مابه تنبض ذاكرته المشدودة إلى وراء وردي راحت ملامحنا تتعثر بمطبات ومنغّصات تناسيه وتغافله وتجاهله التام.
صورة للبياض تتّسع، حدّ ابتلاع جنان المحبة ، مزدانا بشخوصه وكل من زرعوا في الذاكرة مثل هذه الثقافة التي تحاور إنسانيتنا على مضض.
بشرى متروكة،ومسبّة تذكيها هذه الفسيفساء الزجلية،مؤججة فينا الحنين إلى ما يحاكي فراديس نفتقدها وهي مقيمة فينا ،لا مسافات تفصلنا عنها، سوى ما به الجرح هدل ،و به قلب السنبلة وشى، وهتكت تلاوين ماهيته القصيدة.
شاعر وناقد مغربي

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *