خاص- ثقافات
اختتمت مساء أمس (السبت 7 أبريل – نيسان الجاري)، في مراكش أشغال المؤتمر الدولي، حول “ما بعد داعش؛ التحدّيات المستقبلية في مواجهة التطرّف والتطرّف العنيف”، المنظم من طرف مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث” ومعهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا، بإجماع المشاركين فيه من خبراء وأمنيين وأكاديميين عرب ودوليين، على أن انهيار تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا لا يعني الانتصار في الحرب على الإرهاب، لأن أيديولوجياته ما زالت مستمرة، معتبرين أن الذئاب المنفردة وعودة المقاتلين الأجانب والعرب إلى بلدانهم، تشكل تحديات كبرى لمرحلة ما بعد داعش، خصوصا أنهم اكتسبوا تجارب ميدانية، حيث يقدر عدد العائدين المنحدرين من الدول الأوروبية حوالي 5 آلاف شخص، وما يفوق 6 آلاف شاب من المنحدرين من منطقة شمال إفريقيا.
وأكد المشاركون في المؤتمر أن نجاح الخطوة الأمنية والعسكرية، والتي أعطت أكلها نسبيا في العراق وسوريا، قياسا بتقلص الرقعة الجغرافية التي يتواجد عليها داعش، لا يعكس بالضرورة انتصارا كبيرا أو زوالا للخطر والتهديد، لأن الحرب العسكرية لم تصاحبها حرب فكرية وإصلاحات اجتماعية وسياسية، وإنتاج ثقافة مضادة، خاصة وأن تنظيم داعش بعد تراجعه في العراق وسوريا، صار يسعى إلى التمدد في بعض المناطق في إفريقيا وآسيا.
وشدد المشاركون المنتسبون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، وإفريقيا، والعالم العربي، على ضرورة محاربة كل النزعات الانفصالية في إفريقيا، والتقليص من الفقر والهشاشة، والفوارق الاجتماعية، وتأمين ظروف العيش الكريم، لأن من شأن كل تلك العوامل، بالإضافة إلى عامل الدين الذي يؤخذ بشكله المغلوط والمتشدد، أن يعصف بالمنطقة، خاصة بعد أن وجد التنظيم في ليبيا معسكرا جديدا له، وفي الميليشيات المسلحة في تشاد ومالي وكيكالي، المجال الأوفر لتمدده واتساعه، كما أكد المشاركون على ضرورة نزع فتيل الصراعات المشتعلة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ووقف مخططات التفتيت في المنطقة، والتي باتت ترزح تحت تهديد انتشار نزعة الطائفية، التي تؤجج التطرف، وتخلق البيئة المناسبة لانتشار التطرف العنيف.
وقد تميز المؤتمر الدولي، المنظم على مدى يومي 6 و7 أبريل (نيسان) الجاري، بالمناقشات الغنية، والصراحة والعلمية والدقة في تناول المعطيات المتعلقة بالتهديدات الإرهابية المستمرة لتنظيم داعش، وغيره من التنظيمات المتطرفة، على أوروبا وإفريقيا، والعالم العربي، والتحديات المستقبلية لمواجهة التطرف العنيف، وإشكالية عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم، وخطر إرهاب الذئاب المنفردة في العالم.
كما تميز بتقديم شهادات لقيادات سابقة في بعض “التنظيمات الجهادية”، التي قامت بمجموعة من المراجعات الفكرية داخل السجون، ويتعلق الأمر بنبيل نعيم، القيادي السابق في جماعة الجهاد المصرية، ومحمد نصر كروم، القيادي السابق في الجماعة الإسلامية بمصر، ومحمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) المعتقل السابق في ملف السلفية الجهادية بالمغرب. إضافة إلى مقاربات للمشتغلين على ملف الإرهاب في المغرب والعالم العربي، والمتعاملين مع المؤسسات السجنية، والمشتغلين داخلها مع العناصر السلفية.
وتميز أيضا بجلسته الافتتاحية التي عرفت حضور العميد حبوب الشرقاوي، رئيس فرقة مكافحة الإرهاب بالمكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب، الذي ألقى محاضرة افتتاحية حول موضوع “المقاربة الأمنية المعتمدة للمملكة المغربية في مواجهة تحديات التطرف العنيف”، نيابة عن مدير المكتب، السيد عبد الحق الخيام، تناقلتها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، كما عرفت إعلان محمد العاني، المدير العام لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، عن تأسيس وحدة متخصصة في دراسة الظاهرة الجهادية، التي ستعمل على تجميع كل الوثائق والمصادر والمعلومات الجديدة والقديمة، وذلك بغية فهم التطرف والإرهاب، والسعي إلى محاربته بالاعتماد على الفكر، وإعلان محمد بنصالح، مدير معهد غرناطة للدراسات العليا بإسبانيا، عن عزم المؤسستين المنظمتين لهذا المؤتمر الدولي، مواصلة الاشتغال على هذا المشروع العلمي حول دراسات التطرف، وتفكيك التطرف العنيف، وذلك بتنظيم مؤتمرات مقبلة في بريطانيا وفرنسا، وإسبانيا خلال السنة الجارية، والعمل على التكوين الأكاديمي من خلال إنشاء برامج ماستر في جامعات أوروبية عريقة بشراكة مع مؤسسة مؤمنون بلا حدود ومعهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا.
وقد أجمعت جل المداخلات على ضرورة الاهتمام بهذا الموضوع الشائك، والاشتغال عليه على جميع المستويات: الدينية، الفكرية، التعليمية، الاجتماعية، النفسية، السياسية، الأمنية، الرعاية البعدية… كما أكدت على ضرورة المعالجة الرصينة واليقظة لمسألة المقاتلين الأجانب، هم وعائلاتهم، وذلك بغية استئصال الأيديولوجيا الإرهابية، ونزع كل الأفكار والأيدلوجيات المتطرفة لديهم، وإدماجهم بالشكل الصحيح في مجتمعاتهم، لأن نسبة مهمة من المنتسبين لتلك التنظيمات تعاني من التهميش، والفقر، وغياب فرص العيش الكريم.
كما حث المؤتمرون على التفكير الجماعي والنوعي في مقتضيات مرحلة “ما بعد داعش”، من خلال استشراف الحالة “الجهادية” في مرحلة ما بعد الاندحار الميداني لتنظيم “داعش”، والذي لم يرافقه لحد الساعة اندحار أيديولوجي في أذهان أتباعه، ناهيك عن خطورة تفرعاته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتهديداته المحدقة بالعالم العربي وأوروبا وإفريقيا...
وشارك في هذا المؤتمر كل من الفيلسوف الفرنسي جاكوب روغوزنسكي، وأليكس شميت، مدير مبادرة أبحاث الإرهاب الدولية، والباحث في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب بواشنطن، ورهان غونراتنا، أستاذ الدراسات الأمنية ورئيس المركز الدولي للبحوث في العنف السياسي والإرهاب بسانغفورة، ومحمد بنصالح، الأستاذ المحاضر بمدرسة الحكامة والاقتصاد بالرباط، وجون شارل بريزار، رئيس مركز تحليل الإرهاب بباريس، وجون جاك كوندي، الخبير الإيفواري في شؤون الأمن الدولي، ومحمد المعزوز، أستاذ الأنثروبولوجيا السياسية في جامعة محمد الخامس، ودفيد كارتنشتين روس، الخبير في مكافحة الإرهاب والمستشار في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، ومصطفى رزرازي، أستاذ إدارة الأزمات بالمغرب، ومدير المركز الإفريقي للدراسات الأسيوية، وعبد الحق باسو، الخبير المغربي في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، ونبيل نعيم، الخبير في الجماعات الإسلامية والقيادي السابق في جماعة الجهاد المصرية، ودفيد بولوك، الخبير الأمريكي في الديناميكيات السياسية لدول الشرق الأوسط، ، ومحمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) الباحث المغربي في الإسلاميات، وكمال حبيب، الباحث المصري المختص في الحركات الإسلامية، وسعود الشرفات، المدير العام لمركز شرفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب بالأردن، ومحمد جاسم، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا، ومحمد نصر كروم، الخبير في التنظيمات المتطرفة والقيادي السابق في الجماعة الإسلامية بمصر، ومارك أنطوان بيروز دي مونكلو، كبير الباحثين في معهد البحث من أجل التنمية بفرنسا.