فنان مصري يستلهم لوحاته من جمهور أم كلثوم

*ناهد خزام

القاهرة – يعرض التشكيلي المصري مصطفى رحمة في معرضه المعنون بـ”جمهور الست” في قاعة “بيكاسو للفنون” بالقاهرة أكثر من أربعين لوحة مختلفة المقاسات، لم يهتم فيها برسم أم كلثوم قدر اهتمامه برسم جمهورها من الرجال والسيدات الذين عشقوها.

وتحتل المرأة مكانة خاصة في أعمال الفنان مصطفى رحمة، فهي محور تجربته التصويرية، وموضع تساؤلاته، فنساءه هنّ نساء الزمن الجميل، كما يقول، هنّ السيدات والفتيات من جمهور أم كلثوم اللاتي كنّ يتمتعن بالأناقة والذوق والمظهر المتناسق.

وهؤلاء السيدات يمثلّن نموذجا لسيدات ذلك العصر، بحضورهنّ المميز في الشارع وفي السينمات والمسارح بكامل أناقتهنّ، من دون تحرّش أو مضايقات أو ابتذال في الملبس، وهو يحاول أن يتذكّر تلك المشاهد وتذكير الأجيال الحالية بذلك الزمن، حيث يرسم المرأة في هيئتها التي يعشقها، مسجّلا هنا مشاعر الشجن والحنين التي يشعر بها كلما شاهد حفلا من حفلات كوكب الشرق.

وتناول العديد من الفنانين على امتداد الوطن العربي سيدة الغناء العربي في أعمالهم الفنية رسما ونحتا وتصويرا، لكن الفنانين الذين تناولوا جمهورها في لوحاتهم قليلون.

والتفت الفنان مصطفى رحمة إلى ذلك الجمهور الذي كان يقتفي أثر أم كلثوم في كل حفلة من حفلاتها، هم ما يطلق عليهم اسم “السميعة”، الذين يتمايلون مع آهاتها وتعدّد المقامات اللحنية واختلافها، ويطربون لارتجالاتها من نفس مقام اللحن.

وشريحة كبيرة من جمهور أم كلثوم كانت من النساء، من أصحاب المزاج الرائق، حيث تتبّع الفنان جمهور أم كلثوم من النساء، رسمهنّ في بيوتهنّ، وهنّ يتأملن مستمعات إلى أغنيات “الست”، ويحتسين الشاي في الشرفات، أو يستمتعن بفنجان من القهوة طحنت حبوبه في المنزل بمطحنة صغيرة أُعدت للغرض نفسه، كل هذه التفاصيل مجتمعة مثّلت عناصر لوحاته التي يعرضها حاليا.

وعرف الفنان مصطفى رحمة برسومه للأطفال، وخاصة تلك التي كان يقدّمها في مجلة “ماجد” الإماراتية، والتي شارك في تأسيسها عام 1979 بعد عمله لسنوات كرسام كاريكاتير في جريدة “الاتحاد”، وارتبط اسمه بالعديد من الشخصيات التي ابتكرها بنفسه.

ورحمة يرسم أعماله بحس طفولي، وشعور مرهف بطبيعة المساحة المرسومة، إذ يمكنك أن تميّز صورة المرأة في أعماله بسهولة، فهو يحيطها بغلالة رقيقة من الحنو والبهجة، هذه البهجة التي تميّز درجات اللون المستخدمة في صوغ أعماله.

والمرأة في أعمال مصطفى رحمة تبدو أحيانا مكتنزة، لكنها جميلة وفاتنة صريحة ومتحررة وخجولة في نفس الوقت، يرسمها منفردة، أو محاطة بعناصر أخرى ذات دلالة تراثية وشعبية، كطائر الهدد، والقط، والثور، والخرزة الزرقاء التي تحمي من الحسد، حسب الموروث الشعبي المصري.

وفي أعماله نرى المرأة وهي تعزف على آلة العود، أو مسترخية في بيتها، حيث تبدو ألوانه دافئة أو متوهجة أحيانا، تُلطّف من وهجها درجات الأبيض والأزرق، وهما لونان يتردّدان في تناغم وخفة بين معظم أعماله.

ويقول الفنان “للمرأة مكانة مميزة تليق بها، لذا فقد احتلت أغلبية لوحاتي، فقد شكّلت المرأة مع الرجل كتابة التاريخ الذي نعرفه، فمنهنّ من أدارت شؤون ممالك وإمبراطوريات، وبعضهنّ جاءتنا أخبارهنّ عبر أساطير رويت شفويا”.

ويواصل “في لوحاتي أطرح دائما هذا السؤال: ماذا حدث للمرأة في مصر؟ فالمرأة في بلدي لم تعد ملهمة لرسام أو شاعر كما كانت منذ عقود مضت، المثّال محمود مختار على سبيل المثال أنتج كل منحوتاته الخالدة من وحي المرأة، فكانت هي نموذجه الأثير، كذلك محمود سعيد، الفنان الرائد الذي أظهر جمالهنّ بالرغم من التفاوت الطبقي بين نساء أعماله، فقد رسم المرأة الكادحة بنفس القدر من العناية الذي رسم به المرأة ذات الهيئة الأرستقراطية، فكلهنّ كنّ يتمتعن بنفس الأنوثة الطاغية والحس المرهف”.

وعن مراوحته بين التشكيل ورسوم الأطفال، يقول مصطفى رحمة “الرسام عندي هو الرسام، فإذا ما كانت لديه الموهبة من السهل أن ينتقل من رسوم الأطفال إلى الكاريكاتير أو الفن التشكيلي، وأعتقد أن الرسم للصغار هو أصعب بكثير، فإذا لم يكن الرسام على قدر من الموهبة والتمكّن من أدواته لن يقتنع به الأطفال، فالطفل لديه ملكة الرؤية والنقد لكل ما يراه، ولا تنطلي عليه الأكاذيب أو الزيف”.
_________
*العرب

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *