إنهن يطرزن حكاية فلسطين

خاص- ثقافات

* د.ايهاب بسيسو/ وزير الثقافة الفلسطيني

يمثل فيلم “خيوط السرد” لكارول منصور حوارا فلسطينيا لم ينقطع عن الجذور والبدايات وحكاية وطن لم يغب عن الجغرافيا بقدر ما أصبح ذاكرة حية تتنفس وتحيا جيلا بعد جيل وتسعى نحو حقها في العودة وامتزاج التفاصيل مرة أخرى بالسرد.
ذاكرة لم تهرم رغم ما أصابها من حروب وويلات بل ظلت قادرة على المواجهة، مواجهة المنفى والغياب والنسيان ومشتقاتهم القاسية.
انها حكاية اثنتا عشرة سيدة فلسطينية من أجيال متعددة وضعتها كارول منصور أمام أثواب فلسطينية مطرزة لتروي بعفوية وانطلاق حكاية المكان، فصار الحوار مزيجا خاصا من تجارب وأسماء وبلاد، وصارت الخارطة مزيج جغرافيا وتاريخ وتحررت الصورة من الصمت لتشارك في الحوار دون ارتباك حول مفهوم الهوية.
كأنه الفيلم حوار شخصي مع الذات حين تنكشف على صورتها في تعدد الألوان المنقوشة تطريزا على الأثواب.
لقد جعل الفيلم حكاية الوطن أقرب إلى البوح منها إلى الهتاف وان كان هذا البوح أكثر تأثيرا من الهتاف ففيه يصبح الوقت خزان الروايات الشخصية والعائلية، تلك الروايات التي عندما اجتمعت أطل الوطن مرة أخرى بكل ثقة وكبرياء.
كأنه الفيلم مرآة للفلسطينية التي ناضلت ونجحت وشقت مسارا للحرية بإصرار وثبات كي تروي حكايتها في مسيرة شعب لم ينفصل عن الجذور، بل ازداد تعلقا بالتفاصيل اليومية للذاكرة وازداد تمسكا برواية الأمهات كي يعزز من رواية المكان بالمزيد من تدفق المكان في السرد.
كارول منصور ومنى الخالدي في “خيوط السرد” تحققان سيرة وطن دون تكلف أو انفعال، بل تمضيان مع الحكاية كما تمضي سيدة فلسطينية في صناعة ثوب للفرح على مهل وبصبر وروية.
وكما تجتمع الخيوط والأشكال المطرزة على الثوب، تجتمع حكايات السيدات وتمتزج في حكاية الوطن-الأم ليصبح الفيلم ثوبا جديدا لحياة ما زالت تحتفظ بتوهج خاص.
يمثل “خيوط السرد” وثيقة بصرية وفنية هامة تضاف إلى سجل السينما التسجيلية والتوثيقية الفلسطينية عبر براعة فطرية في استعادة الحكاية مرة أخرى كما تستعيد سيدة فلسطينية مهارة التطريز مرة أخرى حين تمر بأصابعها على ثوب عتيق وتهتف: فلسطين.
كل التقدير لكارول منصور ومنى الخالدي وجميع العاملين/ات في هذا العمل المميز والمؤثر والذي يساهم بجدارة في صون الحكاية.
حكاية الوطن-الأم
فلسطين.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *