يقول الأديب الأميركي ويليام هنري “العيون تهتف بما تخشى الشفاه أن تتفوّه به”، ووصف بعض علماء النفس العين بأنها نافذة العقل وما يدور فيه، ويكفي فك رموز نظراتها للتعرف عما يدور في خلد الآخرين والكشف عن مشاعرهم المكنونة.
ويزخر التاريخ البشري بالحكايات والأساطير عن دور لا يستهان به للعيون في توطيد العلاقات العاطفية والاجتماعية، بدءا من نظراتها الغامضة والناعسة والواثقة والجريئة واللامعة.. وصولا إلى التجريدية التي تجعلنا ونحن نحدق فيها نشعر كما لو أننا ننظر إلى عين الشمس أو شعاع القمر.
ولعل الكثير من قصص الحب التي يضرب بها المثل عبر التاريخ البشري، تعكس قوة اللحظ في كسر الحدود الثقافية والاجتماعية، وحتى الدينية بين العشاق وجعلهم يقعون في الحب منذ اللحظات الأولى التي تلتقي فيها العيون.
تبادل عنترة بن شداد مع حبيبته عبلة النظرات، وتمخضت عنها قصيدته الشعرية الشهيرة التي كانت رمزا خالدا لقصة حبهما المتوهجة، وقد غنتها المطربة اللبنانية هيام يونس ووضع لحنها الموسيقار السعودي طارق عبدالحكيم، وتقول بعض أبياتها “رمتِ الفؤادَ مليحة ٌعذراءُ/ بسهامِ لحظٍ ما لهنَّ دواءُ/ مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ/ مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ/ فاغتالني سقمِي الَّذي في باطني/ أخفيتهُ فأذاعهُ الإخفاءُ…”.
ولا يمكن أن تسقط من أذهاننا سهوا قصة حب روميو وجولييت المثالية، التي حركت مشاعر الكثيرين وجعلتهم يتوقون إلى حب مشابه لحب جولييت لروميو، ورغم أن القصة خيالية وقد خطها شكسبير في مسرحيته الشهيرة “روميو وجولييت”، ولكن هناك قصص حب كثيرة واقعية شبيهة بقصة روميو وجولييت قد بدأت بنظرة.
ما توحيه لغات الحسّ والحواس، مثل النظرات وتعابير الوجه ونبرات الصوت وحركات الجسد، تساهم جميعها في التأثير على المشاعر، وعندما تتطابق الرسالة التي يريد العاشق إيصالها مع لهفة المعشوق تحدث عملية انجذاب فوري وتقارب حسي بين الاثنين.
أما في عصر التكنولوجيا فقد انتقل الناس للعيش على وسائط رقمية، وأصبحت الطرق التي يتفاعلون بها لا تنفصل عن هواتفهم وأجهزتهم اللوحية.
الكثيرون من كافة أرجاء المعمورة، ممن جانبهم الحظ في العثور على شريك الحياة في الأماكن الحضرية، يقتفون أثر الحب بالنقر واللمس طوال الوقت على هواتفهم الذكية.
العالم الافتراضي مليء بقصص غريبة وعجيبة، بعضها بدأ بالنظر إلى صور منمّقة على حسابات المواقع الاجتماعية، وانتهى بلقاء على أرض الواقع، والبعض الآخر مازال مصيرها معلقا بين الوهم والحقيقة.
هذه ترغب في العثور على فارس أحلامها الذي سيحقق جميع طموحاتها، وتلك تبحث عن توأم روحها، وهذا يريد أن يجد زوجة تكون نسخة طبق الأصل من الممثلة الأميركية مارلين مونرو أو بالملكة الفرعونية نفرتيتي، وذاك يبحث عن مشروع من نوع آخر لا يتوّج لا بالحب ولا بالزواج، وكلٌ يمنّي النفس بالعثور على ليلاه…
وتحدوني شفقة كبيرة على زميلة لي في الجامعة عاشت لسنوات على أمل أن يأتي حبيبها الافتراضي، وعلى الأرجح أنه كان يخدعها، ولكنها كانت تجد دائما تبريرا لمواعيده الكاذبة وأقواله المتضاربة، وتحاول إقناعنا بأن علاقتها به ستكلل بالارتباط، ولم تتمكن إلا مؤخرا من معرفة أنها كانت رهينة حب مزيف.
ربما لا تكون لكل العلاقات العاطفية التي تبدأ على الإنترنت نهايات متشابهة، فهناك الكثير من العلاقات الافتراضية التي تتوّج بالزواج، ولكن العلاقات التي تنشأ في الفضاء السيبراني تفتقر في أغلبها إلى ضمانات الصدق والشفافية، وقد تترتب عنها تبعات ومشاكل كثيرة وخطيرة، ولذلك فأفضل نصيحة يقدّمها الخبراء هي الرجوع إلى المقوّمات الأساسية في العلاقات والتواصل والتحاور وجها لوجه في رحلة البحث عن الحب، لأن الحواس الرقمية لا تعكس حقيقة المروجين لأنفسهم من خلال الصور. فأغلبهم يقدمون أنفسهم بقناع مزيّف للحبيب المحتمل.
________
*العرب