حيوانات أليفة

خاص- ثقافات

*سيومي خليل

فِي أحَد السّجون كانَ يُطلب منْ المَساجين اختيار حَيوان ليتصفُوا بصفَاته طيلة مدة سجنهم . مَا أنْ يَتم ادخال سجين جَديد من بوابة السجن الحَديدية ، السّوداء ، وايقَافه في غُرفة التفتيش ، وتَصويره بآلة فوتغرافية لا تخرج إلا صُورا بشَعة لمنْ يقف أمامها ، وتدوين كُل معلُوماته على آلة دَاكتيلو تصدر تكْتكة متناغمة ، حتى يَطلب منه موظف خاص اختيَار اسم حيوان يُناسب شَخصيته . بعد أن يختار السجين الحيوان الذي يَراه مناسبَا لشخْصيته ، يوضح المّوظف له مَا عليه القيام به :
– عَليك أن تَكون هذا الحيوان الذي اخْتَرت وليس أي حيوان آخر ، إنْ لم تنجح ستتعرض لمضايقات لن تحبها .
فهم السجناء أنّ المطلوب منهم هو اختيار حيوانَات أليفة ، ناعمة ، وهادئِة ، فهي الوحيدَة التي سَتتوافق صفاتها مع ما تُريده إدارة السجن من السجناء .
هناك من اختَار أن يكون نعجة ؛ سَيأكل فقط ، وسيتجول في ساعَات اسْتراحة السجناء دون أن يُثير أي شَغب في أروقَة السجن ، وسينام بعد أن يُغلَق عَليه باب الزنزَانة دون أنْ يُفكر في تقديم شَكوى ضد أَحد . أيضَا ، هُناك ، من اختار أنْ يَكون كلبا ؛ سيسمح له بالنباح ، والقيام ببعض المناورات داخل السجْن ، وبعَض سجناء آَخرين وهرش أجسادهم ، لكنه سَيظل وفيا وفاء كلب مطيع لإدارة السجن ، يلهث ورَاء كل ما يمكنه أن يقدمه لهَا ويجعلها تُقربهُ أكثر منها . كان هُناك من اختار أنْ يَكون طائرا مغردا بدون مخالب ، شحرُور أو كَنَاري جميل أو ببغاء مردد ، يَشدو نَاغما دون أي أصوات مزعجة . هناك منْ اختار أن يكُون مجرد فأر كلَّما أرَادت ادارة السجن القيام بكنس مُفاجئ للأروقة والزَنازين قدمته لمصائدها الكثيرة .
جميع السجناء رغم شَرَاستهم ، والجرائم العَنيفة التي ارتكبوها ، ودخلوا بسببهَا السجن ، كانوا يُدركون أنّ الاختيارات المقدمة مَحدودة ، رغم أن ادارة السجنْ لم ترغم أي سجين على أي اختيار .
أي اختيار لحيوان لاحم ، سريع ، نَزق ، خَفيف الحركة ، لن تَكُون غَابة السجن مكانا مناسبا لاستقرَاره ، كأنّ الغطَاء النباتي الذي يُغطي هذه الغابة لا يصلح إلا للحيوانَات الأليفَة .
حين جرب بعض السجناء الجُدد أن يكونوا حيوانات غير أليفَة تمّ انْهَاكهم مثلما تُنْهك الفهود والنمور والصقور قلةَ وُجود الفرائس في الأحرَاش ، ومثلما تُنهٍكهُم نذْرة المياه ، وجفاف الأرض . كان كُل شَيء يتم بشكل قَانوني جدا ، فإدارة السجن عادلة إلى حدُود مَعقولة جدا ، منذ بداية الاعتقال تُفْهم السجين أن يَكُون الحَيوان الذي اختاره بشكل حر ، وليتَحمل فيمَا بعد حياة هذا الحيوان .
اختار سَجين أنْ يَكون أسدا متأثرا بكلمة * السبع * التي كان أصدقَاؤه يلقبونه بها ، والتي غطت على الاسم الذي أعطتْهُ له والدته حين ولد . كانت مدة سجنه قصيرة لكنها جعلته يَفْشل فشل دَريعا في أن يكون الأسد الذي اختَاره ، فما كان من ادراة السجن إلا أن عَاقبته بالسجن في إحدى الزنازن الانفرادية الضيقة والباردة التي يسميها السجناء */الكاشو * ، وعَاقبته أيضَا بتقليل كمية الطعام الذي يقدم للسجناء ، ثم في الأخير أطلقَت عليه بعض السجناء الذين اختاروا أنْ يَكونوا ضباعا تقتات على جيف الفرائس ، أو كلابَا وَفية شرسة وذكية وماكرة ، اضافَة إلى بعض الثعالب التي كانت مُنَاسبة تماما لهذه المهمات ، ونسانيس عليه لمضايقتِه .
بعد الفشَل الدريع في أنْ يَكون السجين ما اختاره داخل السجن فهم أنّ عليه أن يَختار في المرة المقبلَة حينَ يُعتقل من جديد نوعا من الحيوانات لها قطيع ، أو سرب ،دَاخل السجن ، أما الأسُود التي تعيش في زمر وتَحمي حدودها بشراسة فلم تكن موجودة هنا.
قدم السّجين طلبا لإدارة السجن يتراجع فيه عن اختياره قبل أن يتم انهاكه بالكامل . رَدّ الُمدير عليه :
-لا نجحفك اختيارك ذاك …أنْت أسَد تكالبت عليك حيوانات لا تحبهُ كثيرا .
س خ

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *