متتالية الشبيه

خاص- ثقافات

* محمد فائق البرغوثي

المختار ،،

أنا الآن بلا هاتف ، بلا ساعة يد، بلا ساعة حائط ، في منزل العائلة

المهجور،  في قريتي البعيدة ، كما نصحني الأطباء .

اللعنة عليهم .. إنهم يُعْزون كل شيء إلى الاجهاد والارهاق وضغط الحياة

وكل ما يوصون به : الراحة، عدم التفكير، والمهدئات، الكثير من المهدئات .

مازلتُ أذكر ذلك الفزع الذي غطى وجهه عندما سألني عن رؤيتي  تفسيري للأمر:

أخبرته أنّ هذه المصادفات الزمنية المتكررة قد تكون رسائل من القدر،

علامات مشفرة لها دلالتها وتحمل نبوءة ما، سيأتي يوم وأعلمها .

ربما اختارتني السماء لحمل عظيم، السماء تهيئني لمرحلة ما، السماء

تكافئني على إخلاصي وتفانيّ بالعمل طيلة حياتي.

أدرك تماما أنني لو نظرتُ إلى الساعة الآن، أو في أي وقت

لوجدتُ إحدى المتواليات الرقمية نفسها: 11:11، 12:12 ، 5:55 ، ……

كما أدرك تماما، أنك لو نظرتَ إلى ساعتك الآن، لوجدتَ المتوالية ذاتها ،

أو ربما لن تجدها، فأنت لستَ (المختار) لستَ صاحب النبوءة

لستَ (مراقب الدوام) الذي أفنى عمره يحرس الوقت

وتقاعد منذ عامين .

رؤى ،،

كان لابد من نظرةٍ أخيرةٍ قبل أن يرحل

وكان لامفر من تلك الدهشة التي ارتسمتْ على مُحيّاه .. حين

استدار بظهره ورأى تلك الجموع الغفيرة التي تلوح له وللمغادرين

– من أين جاؤوا .. وكيف ظهروا هكذا فجأة .. لا يدري !

لكنه يرفعُ يده أيضا.. ويلوح ، يتقدمُ خطوتين ويمدّ بصره ليتأكد ؛

نعم نعم إنها أمه، تلك التي تلوح بيدها وتصرخ، أبوه .. وقد استعاد عافيته ،

أخته الصغرى والكبرى المغتربة…

تتجمد يده وملامحه فجأه.. حين شاهد أخاه المتوفى بين الجموع، لم يصدق ما رأى ؛

أخوه أصدقاؤه جيرانه زملاؤه بالعمل، زملاء الطفولة بقامات صغيرة لم تكبر .

الكل كان حاضرا، الكل كان يلوح، أجساد تشبه الدمى ، وتلويحاتٌ باردة ..

– من أين جاؤوا، وكيف ظهروا هكذا فجأة، لا يدري.

لكنه كان مطمئنا أنه يحلم ، نعم ، وأنه لابد أن يصحو في لحظة ما .

وحتى ذلك الوقت، عليه أن يحث الخطى ويلبي نداء الطائرة الأخير.

الطائرة .. التي سيتعطل محركها .. وتسقط ..

تسقط بعد قليل .

قصتي ،،

كنتُ صبي المطعم الجديد، أرسلُ طلباتهم كل يوم إلى موقع التصوير، وقد رأوني ولفتَ انتباههم أنني أشبهه إلى حد بعيد، ولذلك اختاروني لأمثّـل مرحلة المراهقة في الفيلم الذي يروي سيرته، وعليهم الآن أن يبحثوا عن صبيٍ آخر، في مثل عمري ..أنذاك، قد يكون من مطعم آخر قريب، أو من نفس المطعم.. هههه من يدري . صبي تنفتح طاقة الشهرة في وجهه ، يبتسم له القدر مرة أخرى ، ويشبهني .. يشبهني إلى حد بعيد .

امتدادات ،،

الطائرة تعطلَ محركها وسقطتْ بالفعل

لكني لمْ أمت، كنتُ من القلة الذين نجوا

ساعتي أيضا نجت، وهأنذا أنظرُ لعقاربها وهي تدور

اللعنة ، إنها تشير إلى الساعة  12:12

وهأنذا أستلقي على ظهري وأنفجر ضاحكاً

قبل أن ألتفتَ خلفي وأجد جثة غارقة بالدماء

تشبهني … تشبهني إلى حد بعيد !

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *