زاوية

خاص-ثقافات

*عبد القادر صيد

منذ مدة ليست باليسيرة أصبح هذا السلاح الأرعن لا يحسن استعمالي ، لذلك أصيب نفسي أحيانا فتنكسر مرآة نظارتي و أنجو بأعجوبة ،      و لكنني متأكد بأن مغامرتي لن ترويَها العجائز لأحفادهن ، و لن يتداولها الشباب في هواتفهم الذكية التي تتغابى كلما ذكر اسمي ، لماذا تبقى حالتي دائما استثناء ؟ كل الرصاصات الخاطئة في العالم كانت تقصد قلبي ،     و هي ليست بالطيش الذي يعتقدون؛ تريد إجهاض الأسطورة قبل أن تكون مضغة في رحم الكلمة المشروخ .تلك الرصاصات لا ترعبني ، و لكن رائحة بارودها تسبب لي الزكام ، كما أن صوتها يمنعني من الانغماس بانسجام في أدوار البطولة التي أؤديها في منامي ..لا لافتة تقود إلى الملحمة ،وحدها حرارة أنفاسي تشي بي ، مجرد حياتي يشكل حساسية لكثير من الكائنات الغريبة التي لم تُعتمد ملفاتها بعد ضمن مجرة درب التبانة لكنها تعيش بيننا بكل وقاحة إلى حد اللحظة.
علبة الرصاص الكبيسة عادة ما تكون من حظي ، تلك الزائدة الملعونة مغرمة بجبهتي ، و لا يمكنني أن أشتري ولاءها لأنني لا أستطيع أن أتنازل أكثر، و لكنها بكل صراحة أرحم من البراميل المتفجرة التي تقيء نذالة و عهرا على صفحات زئبق غير قابل للانصهار..هي مثل الزائدة الدودية لا تدري متى تنفجر، ترقص ضمن  لعبة قذرة مفروضة عليّ ، من غير اختيارات و لا استعانة بصديق .. آسف لقد نسيت أن أسطورة الصديق قد انقرضت مع قرن الثور الذي يحمل كوكبنا، و مع ذلك تظل تغريني قشرة الرصاصة التي لا تلمع بصفاقة     و لكن بضياء كإشراق وجه زاهد مذنب ذنبا عظيما بينه و بين خالقه .
سيأتي اليوم الذي أحرر فيه نفسي من الحياد ، و سأعطل فيه فاعلية البارود لأجعل منه مساحيق فاتنة لعجوز شمطاء لم تستلم لريشة العمر الفنية ، مكملة احتراف رذيلة انتظار الظل الذي أدمن السعال على حائط آيل للتهدم .
بدأت أشعر في الأيام الأخيرة أن قناص النخبة الموكل بي قد سئم من تتبعي ، فالفرصة لم تتبرج له إلى حد الآن ليسجنني في دائرته ، ربما كان قد لقي حتفه منذ زمن، و لكن ليس لي من القرائن ما يدلني على موته ، سأنتظر دابة الأرض التي ستأكل سلاحه ،حينها سأمضي متحررا من كل شيء إلا من الديون التي تكبل ابتسامتي البلهاء و ترهن نغمتي الساذجة ، و لكنني متأكد أن دابة الأرض لن تشعر بالجوع نكاية بي ، لذلك أنا ملزم بأن أظهر لهم بأسا أكثر من طاقتي، و لن يطرق آذانهم مني ما يموتون لهفة لسماعه.
لا يجب أن أنسى أن الرصاصة الموعودة ليس لها وقت محدد ، و لكنها الآن في طريقها ؛ تتقطر عرقا كلما تذكرت لحظة الاصطدام ، مازالت تكدح كي تصل إلى صدري ، و ترتمي في قبري المريح ، لتربح شعور الإيمان بالبرزخ  ،بعدما كانت ملحدة بمواهبي ، أما أنا فلي إيمان العجائز بحرارتها وشياط لحمي .

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *