قوة التنظير الجمالي لدى الخطاط والفنان المغربي الدكتور محمد البندوري
فبراير 26, 2018
خاص-ثقافات
*رشيد مربوح – باريس
يعتمد الخطاط والفنان الدكتور محمد البندوري على التنظير الجمالي المحكم للخط المغربي النابع من تجربته الخاصة وخبرته المعرفية التي تقوده إلى استنتاج بعض المقومات الفنية الأساسية التي يوظفها أثناء التطبيق، وهي لها دور في تغيير الشكل السائد إلى بعد جمالي بملمح ذاتي مقتبس من التراث العربي عامة والتراث المغربي خاصة، فمجمل التفاعلات التي تحدث بين المجال الدراسي والعلمي والمعرفي بما تحظى به من تنظير قوي تسهم في عملية البناء الفني لدى الخطاط والفنان الدكتور محمد البندوري. فهو يشكل محورا قويا في البناء الخطي والتشكيلي بالاعتماد أولا على نصوص جمالية، وباعتماد تطبيقات من التراث العربي والمغربي، وبين هذا وذاك يرسي دعائم معرفية وعلمية من خلال تنظيراته القوية يدجج بها البناء الفني ويؤطرها وفق منهجه المعرفي وأسلوبه الفني على مستوى الخط والتشكيل. فجانب الشكل لديه يحظى بسمات إسهامه النظري. وقد يلحظ المتتبع لشأنه المعرفي ولتطبيقاته في الخط والتشكيل هذا الإسهام النظري القوي الذي ينتهل منه عدد من الخطاطين والتشكيليين في المشرق وفي الغرب، وهو يحمل مضامين مفعمة بالمعاني الفنية وبالأبعاد الجمالية. إن خبرة محمد البندوري قد قادته حتما إلى عوالم ذاتية وجعلت منه إطارا معرفيا وفنيا منفتحا على عوالم التراث الانساني في أشكاله المتنوعة وفنونه المختلفة التي طالما شكلت زادا رئيسيا في أعماله عامة. إن وقوفه على خبايا وأسرار الخط العربي من جهة، ورصده القوي للبعد الجمالي ودوره في تحريك العمليات الإبداعية جعله يتجاوز المفهوم السائد بتكريس جهده العلمي ليقدم دورا فاعلا في الساحة العالمية بسمة الإيجابية الفنية والمعرفي للخط العربي، والخط المغربي على وجه التحديد. فجمع بين الحسنيين ليفتح قناة تواصلية بين الخط العربي والمغربي وبين الفن العالمي، لكن برمزية قوية وبناء فعال وتواصل أمثل وتفاعل رزين، ليسهم بشكل قوي في التحولات التي استحسنها الغرب والشرق بهذا الخصوص، فنظرياته حول الخط، وطرقه للسبل المظهرية الإقناعية للخط وتناوله للخط في علاقاته بالتراث عامة وبالنصوص النثرية والشعرية وبالفن وبالجمال وبالاقتصاد وبالتنمية.. كل تلك الاستثمارات كان وظل لها وقع قوي في عمليات البناء والتواصل، وفي أركان التجديد الفني وفق المقومات العربية والمغربية. ولا شك أن تناول محمد البندوري لعدة مشاريع تخص الخط العربي والفن التشكيلي والفكر، منها مشروع التأويل والمشروع الجمالي ومشروع التنمية الاقتصادية للخط العربي.. في دائرة الدراسة وإنشاء بلاغة خطية عربية من المغرب، وإرسائها في كل العالم له وقع كبير في المشهد الثقافي المغربي والعربي والدولي. ولا شك أن مؤلفاته الخصبة ومقالاته المتنوعة والغزيرة في كل الأرجاء قد قوت من القدرة البيانية والفلسفية والجمالية للخط العربي في الأرجاء العالمية، بل إنه لفت الانتباه إلى أهمية الوعي بحيثيات الخط العربي وتأثيرها في مختلف عمليات الإبداع العربي، وتأثيرها كذلك في الفن البصري، خاصة وأن محمد البندوري قد رصد مجموعة من العلائق بين عدد من الفنون التي تتقاطع مع الخط العربي في عدد من القضايا، على مستوى النقد والبلاغة. وكان محمد البندوري سباقا لذلك في عدد من المفاهيم والأفكار التي خولت له أن يُدخل الخط العربي إلى مجال النقد الأدبي وإلى المجال الاقتصادي والتنموي.. وبكل ذلك وغيره فقد وضع محمد البندوري صورة علمية ومعرفية ومظهرية للخط العربي والتشكيل وفق مجموعة من الأفكار والتصورات. وقد أسهمت مجموعة من تنظيراته السديدة في لفت الاهتمام إلى عدد من الخصائص الجمالية التي صنعت الجمال بدلالات في الخط المغربي، الشيء الذي حرك عجلة التجديد في الإنتاجات الخطية. ويرجع له الفضل في التطور الذي ساهم في اضطلاع عدد من الخطاطين بالأساليب الخطية وجمالياتها المتعددة في تصنيف قويم استمد منه هؤلاء المبدعين بعض الصيغ الجمالية التي ساهمت في وجود عدد كبير من الأعمال الخطية التي لها وزنها الكبير في الساحة العربية والدولية، بل ويرجع له الفضل كذلك في تعميق النقاش حول بعض القضايا الفكرية التي تخص الخط العربي والمغربي انطلاقا من نظرياته.