خاص- ثقافات
*ترجمة : سعيد بوخليط
تقديم :
لقد عشق ألبير كامو النساء والعلاقات المتعددة. لكنه مع الممثلة ماريا كاساريس،التي تعرف عليها سنة 1944،سيعيش قصة حب مجنونة،التصدع،ثم استعادة العلاقة غاية اليوم الأخير. الشاهد على ذلك رسائلهما الملتهبة الصادرة حديثا (1917)عن دار غاليمار.
لقد مثلت ماريا كاساريس بالنسبة لكامو : “مأساته”، و”انفعاله”، و”ألقه” و”سمكة السلمون المرقّط “، و”قديسته الصغيرة المتلهفة”، و”الراحلة الهائمة” ،و”شاطئه” و”حدائق هسبريدس “، و”غضبه الجميل”، و”نوره”، و”فرادته”.
بينما اعتبرت ماريا كاساريز،كامو : “رفيقها في المعركة“، و”أميرها الجميل المنفي”، و”سلطانها”، و” حبيبها المجنون”، و”كائنها الحي”، و”مصدر معرفتها”، و”الشاب المرهف والأسمر صاحب العينين اللامعتين “،ثم “الشاب المنتصر” حينما حصل سنة 1957على جائزة نوبل للآداب.
ماريا كاساريس (1922-1996) وألبير كامو (1913-1960) ،هذا الثنائي الأسطوري،الذي تمتع بحظ أن يعشق أحدهما الثاني خلال حقبة لازال الشغف يُعبر عنه بالرسائل،وليس برموز وعلامات أنترنيتية،ولم تتم بعد مُلاحقته من طرف مصوري الصحف وتستعرض حيثياته المجلات.
حب يلتهب،بشعلة سعادة جميلة،عبر رسائل متوهجة قاربت 865 نصا، رسخت إلى الأبد هذين العاشقين الشهيرين والمتواريين في الآن ذاته. بدأ عشقهما ،يوم 6 يونيو 1944 ،تاريخ صادف نزول قوات الحلفاء إلى نورماندي، متطلعين نحو الحرية الكبرى.
كان يبلغ آنذاك مؤلف رواية الغريب ثلاثين سنة،بينما قاربت الممثلة سن الواحد والعشرين.ازداد كامو في الجزائر،وكاساريس في غاليسيا الاسبانية.ميز كامو صوت يطبعه النيكوتين وهيئة شبيهة بنجم السينما الأمريكي”همفري بوغارت”،أما كاساريس فكان صوتها أرنّ ومظهر يحيل على “أوبرا كارمن”.
كامو، متزوج من فرانسين فور Francine Faure،التي خلف منها التوأم “كاترين” و”جين”، سنة 1945 .بينما لازال المستقبل أمام كاساريس، لكن الأخيرة تحتكم إلى مبادئ : تفضل إنهاء علاقتها مع رجل لن يتزوجها ولديه أطفال. منفصلان،فقد عرفا الشهرة سنة 1947، كامو بإصداره لرواية الطاعون، ثم تألق كاساريس سينمائيا برفقة جيرار فيليب في فيلم: la chartreuse de Parme لكريستيان جاك.
لكن، يوم 6 يونيو 1948،الذكرى السنوية لافتتانهما ،صادف أب الأسرة (كامو) خطيبة الممثل جان سيرفي(كاساريس)،وسط شارع سان جيرمان ثم على الفور توقدت النار ثانية بينهما. ومنذئذ،استمرت حكايتهما غاية الموت المفاجئ لألبير كامو ،يوم 4يناير 1960 .
أيام قليلة،بعد ذلك كتب كامو إلى ماريا كاساريس :“سنة سعيدة،حبي الغالي !كوني جميلة وسعيدة،مع الوجه الجميل المشرق الذي أعشقه. ولا تنسي رفيقك،الذي سيلج، على نحو خفي،المأدبة ماسكا يدك بلطف يدك،حبيبتي.أقبِّلك،كل السعادة كي ألتقيك ثانية”.
لكنهما لن يلتقيا أبدا.
هذه الرسائل التي لم يسبق نشرها،بين الكاتب المسرحي وممثلته الساحرة لا تقدم فقط قياسا لعشقهما الثابت،وتظهر كذلك قوة تجاوبهما الفني والفكري.
كتب كامو في رسالة سنة 1950 :“ما يفعله كل واحد منا على مستوى عمله،وحياته،لا يقوم به وحده،بل وحده حضور يشعر بالصحبة” .هكذا نرى بالفعل تواترا في هذا الكتاب لتاريخ بأكمله أدبي،مسرحي،وسياسي ،يعتبر فيلسوف العبث وكذا الممثلة التراجيدية،فاعليه الملتزمين. هما معا أبناء منفى ومسافران كبيران.ثنائي مدهش،لم يكشف قط رسميا عن قصته ثم واصل إخفاء سره،بينما ظل الكاتب الحاصل على جائزة نوبل والممثلة التي برزت في مهرجان “أفينيون”على الدوام تحت الأضواء.
-
من ألبير كامو إلى ماريا كاساريس : 6 يونيو 1944
((سعيد أن أراك داكنة وذهبية اللون. اجعلي نفسك جميلة، ابتسمي،لاتستسلمي.أريدك سعيدة.لم تكوني قط أكثر جمالا من تلك الليلة التي أخبرتني فيها بأنك سعيدة.أحبكِ وفق كيفيات كثيرة، لكن خاصة،مع مُحَيّا الغبطة وإشراقة الحياة تلك التي أثارتني دائما… .إلى اللقاء، ماريا – المذهلة- النابضة بالحياة،يبدو لي أنه بوسعي تنضيد ركام من الأوصاف على هذه الشاكلة. أفكر فيكِ باستمرار وأحبكِ بكل فؤادي.تعالي بسرعة،لا تتركيني أكثر مما ينبغي وحيدا مع أفكاري.أحتاج إلى حضوركِ الصاخب وذاك الجسد الذي استرخيت معه في جل الأحيان. أترين،أبسط لكِ يداي،تعالي أمامي قدر ما يمكنك من السرعة.
أقبِّلكِ بكل قواي.
21* يوليوز 1944 :
…أعرف أيضا أننا نقول أحيانا :”بالأحرى عدم حدوث أي شيء بدل شعور لا يكون مطلقا”،بيد أني لا أومن بالمشاعر المكتملة ولا الحيوات المطلقة.كائنان يعشق بعضهما البعض عليهما تملّك حبهما،وبناء حياتهما وشعورهما،ليس فقط ضدا على الظروف بل كذلك إزاء مختلف هذه الأشياء في ذاتها التي تقيدهما،تمسخهما،تزعجهما أو تثقل عليهما.إن عشقا، يا ماريا، لا ينتصر على العالم بل على ذاته.وتعلمين جيدا،أنت صاحبة القلب الرائع،أننا أكثر أعداء أنفسنا رعبا.
لا أريدكِ أن تغادري ثم يستغرقك وهْم عزوف ما .أود أن تظلي معي،ونمضي مزيدا من كل وقت حبنا ثم نحاول بعد ذلك تعضيده أكثر وتحريره أخيرا لكن هذه المرة في إطار صدق الجميع. أقسم لكِ أن هذا وحده نبيل،ووحده عند مستوى الإحساس الفريد الذي أضمره لكِ.
* 14 غشت 1948
أدخن إذن، متأملا الجبل،مع حلول الليل. أفكر فيكِ. إحساس يحتدم داخلي مثل مدّ. أحبك،مع كل عمق الكائن. أنتظرك بعزم ويقين، ومتأكد أننا سنكون سعيدان،مصمم على مساعدتك بكل ما أوتيت من قوة وأمنحكِ الثقة في نفسك.فلتساعديني قليلا،قليلا جدا،أمر يكفيني كي أستطيع رفع الجبال.
اشتدت الريح.الصوت الذي أسمعه يشبه صدى مجرى هائلا في السماء. آه لو كنتِ معي،لذهبنا كي نتجول معا!(أرخى الليل سدوله) لم تشاهديني سوى في المدن وأنا لست رجل المغارة،ولا الترف.أحب المزارع المنزوية،والغرف الجرداء،والحياة السرية،والعمل الحقيقي.سأكون في أفضل حال إذا عشتُ على هذا المنوال،لكن ليس بوسعي أن أحيا كذلك دون مساعدتك. إذن، يلزمك الاستسلام وتعشقينني بعيوبي ثم نتابع تسيُّدنا على باريس.لكن ينبغي حتما أن نذهب لقضاء ثمانية أيام في قلب الجبل،وسط الثلج،والفضاء الأكثر وحشية.حينذاك ،سأكون لكِ،حبيبتي،ضد نفسي… أتخيل ليالي العاصفة. فلتأت تلك اللحظة سريعا !
قبل ذلك، أقبِّلك بكل بأس هذه الريح التي لم تتوقف بعد.
-
27 يوليوز 1949
…أنا أيضا،حبيبتي،حلمت وأحلم بحياة إلى جوارك. لكن غير مامرة حينما أجدني ضمن طريق مسدود،فإني أحلم بتعاقد أعلى،وصيغة زواج سري سيجمع بيننا فوق الظروف،حيث يرتبط أحدنا بالثاني بوثاق رائع لن نتوقف في سبيل تقويته،لا يقدر عليه الآخرون،لكنه بالنسبة لنا، حبل صغير مغذي.أعتقد إذن أنت وأنا،يُؤمِّن أحدنا الثاني غاية الموت،مثلما أشعر،فهل بوسعنا إذن أن نعيش ما ينبغي لنا أن نحياه،لكن لنترك مقدسا قلب الحياة نفسه،حياتنا،وليعود أحدنا إلى الثاني مع ذات اليقين،والذكاء والحنان.
-
14 دجنبر 1949