ضجة مفتعلة حول الشعر والشعراء في معرض القاهرة للكتاب
فبراير 7, 2018
*شريف الشافعي
القاهرة – كان “مخيم فؤاد حداد” المخصص للأمسيات الشعرية ضمن فعاليات الدورة الـ49 لمعرض القاهرة للكتاب، كلمة السر التي تسببت في تفجير ضجة مفتعلة وإثارة أزمة وهمية تورط فيها شعراء كثيرون من المشاركين في المعرض، والمنسحبين من أمسياته، ليتحول كل فريق من الفريقين المتلاسنين والمتراشقين إلى مدافع عن مصالحه الشخصية الضيقة، متجاهلًا سلبيات المعرض الحقيقية، ومتغافلًا عن آراء الشعراء الآخرين المتعددة، خارج دائرة الصراع الثنائية المغرضة.
الرؤية الأولية، الخادعة، تقول ببساطة إن نقل الهيئة العامة للكتاب الأمسيات الشعرية من القاعة الرئيسية إلى مخيم فؤاد حداد (ديوان الشعراء)، غير المجهز، أثار حفيظة بعض الشعراء، فاعترضوا وانسحبوا، في حين تقبل آخرون الأمر بأريحية منتصرين لروح الشعر في أي مكان، ونشأ “خلاف صحي” بين الفريقين دخلت فيه هيئة الكتاب على الخط لشرح “فلسفتها” في نقل الأمسيات.
غياب الأسماء
الذي حدث بالفعل هو غير ذلك، حيث أدير الصراع بعيدًا عن الصالح العام، وخارج محراب الشعر، حيث تعالى صوت الصخب من هنا وهناك، وانتفض الشعراء يدافعون عن منافعهم الصغيرة المباشرة، خصوصًا أن الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي كان أول المنسحبين، وهو الشاعر المثير للجدل عادة، والمعروف بأذرعه الأخطبوطية التي تهيمن على “لجنة الشعر” بالمجلس الأعلى للثقافة و”بيت الشعر”.
غابت الأسماء الشعرية العربية الكبيرة والفاعلة عن الدورة الـ49 للمعرض القاهري، الذي كان في عهود سابقة يشهد حشدًا جماهيريًّا لمتابعة أمسيات لكل من نزار قباني ومحمود درويش وعبدالوهاب البياتي وسميح القاسم ومحمد الفيتوري ومحمد عفيفي مطر وعبدالرحمن الأبنودي، وكانت الأمسيات البارزة تقام للشاعر منفردا، في قاعة كبرى مهيّأة بالتجهيزات الملائمة، وتسع الآلاف من الحاضرين.
في الدورة الراهنة، أعلنت هيئة الكتاب (الجهة المنظمة) أن المعرض يستضيف أكثر من 200 شاعر في أمسياته، بما يعني تكدّس عدد كبير من الشعراء في الأمسية الواحدة، وعلى الرغم من العدد المبالغ فيه، فإن برنامج المعرض لم يتضمن أسماء عربية معروفة لشعراء طالما ظهروا في فضاء المعرض، منهم: أدونيس، سعدي يوسف، وديع سعادة، صلاح فائق، مريد البرغوثي، قاسم حداد، سيف الرحبي، عباس بيضون وغيرهم.
وسواء وجهت إدارة المعرض إليهم دعوات الحضور ولم يلبوها، أو أنها لم توجّه إليهم الدعوة في الأساس، فإن غيابهم يعكس تجريف الأمسيات الشعرية بالمعرض من تربتها الخصبة، الأمر الذي أدّى إلى الرهان الكمي لهيئة الكتاب على حشد أكبر عدد من الشعراء على حساب الآلية الكيفية والنوعية، بما أدّى إلى قتل الشعر.
من المشكلات الأخرى التي تخص الأمسيات الشعرية هذا العام، والبرنامج الثقافي عمومًا، أن عددًا كبيرًا من الشعراء المدرجين بالبرنامج المطبوع للمعرض لم يتم إخطارهم من جانب الهيئة بمواعيد أمسياتهم، رغم نشر البرنامج ورقيًّا وفي وسائل الإعلام، وقد انسحب بعض هؤلاء الشعراء اعتراضًا على ما وصفوه بالإهانة وعدم التقدير.
صخب الشعراء
لم يكترث شعراء التراشق والانتفاعية بهذه المشكلات الجوهرية، وغيرها، التي طوّقت عنق معرض القاهرة للكتاب، ولم تتسع رؤيتهم لاستشراف أصوات أخرى انحازت للمشاركة في الأمسيات أو الانسحاب منها لأسباب مختلفة لها وجاهتها أيضًا، كأولئك المنسحبين لأنه لم يتم إخطارهم مثلًا أو لأن عدد الشعراء في الأمسية الواحدة مبالغ فيه.
إن توجيه وإدارة الصراع الوهمي بوصفه ثنائيًّا بين طرفين لا ثالث لهما، والإيحاء بأن فريق المنسحبين يردد مقولة واحدة دشنها حجازي، وفريق الحاضرين يردد مقولة أخرى واحدة أيضًا، هو أمر يجافي المنطق، ويعج بالأكاذيب والمصالح الضيّقة رغم تورط شعراء كبار فيه، ولا يهدف إلى الصالح العام، فضلًا عن أنه يلغي تمامًا حرية واستقلالية المثقف (في الجانبين).
على الرغم من انسحاب بعض الشعراء من أمسيات المعرض لأسباب عدة، فإن سيناريو الصخب انطلق من اعتذار الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، الذي تبعه تصريح الشاعر بأن نقل الشعر من القاعة الرئيسية إلى مخيم صغير غير مجهّز هو “إنزال للشعر من عليائه”.
تحولت مقولة حجازي عن “علياء الشعر” إلى نكتة باردة بعدما تبناها فريق المنسحبين الذين ساروا في ركابه، وسخر منها فريق الشعراء الحاضرين متجاهلين سلبيات المعرض الحقيقية الواضحة، ومنها عدم جاهزية مخيم الشعر بالفعل لاستقبال أي نشاط، إذ تحاصره الضوضاء من كل جانب.
“علياء الشعر”، مقولة اتخذتها هيئة الكتاب ذريعة بدورها لمواراة الخلل الإداري والتنظيمي وسوء حالة المكان الذي خصصته للشعر، وضيق مساحته، لكن حديث حجازي عن العلياء والفخامة بما يعنيه ضمنيًّا من التعالي والفصام وانعزال النخبة في برج عاجي، جعل هيئة الكتاب برئاسة هيثم الحاج علي تقدم مبررًا مجانيًّا لنقلها الأمسيات إلى المخيم، باعتبار أن ذلك يأتي في إطار فلسفتها الرامية إلى كسر نخبوية الشعر وتوصيله إلى الجمهور العادي البسيط.
تحت لواء حجازي، شن عدد من الفريق الأول هجومهم على إدارة المعرض، مركزين على سلبية واحدة لا يرون غيرها، هي “علياء الشعر”، وإهانته بنقله من السماء إلى الأرض، وكأنما كانت أمسيات القاعة الرئيسية من قبل غير مخصصة لجمهور المعرض ذاته.
ولمس بعض الشعراء من هؤلاء المعترضين على “إهانة الشعر” أمورًا أخرى تدعم انسحابهم، مثل الشاعر حسن طلب، الذي أشار إلى اختلاط الحابل بالنابل في الأمسيات الشعرية بالمعرض، وطغيان الغث والركيك والمبتذل مما لا علاقة له بالشعر إلى حد “القرف”، ونفي الشعر خارج القاعة الرئيسية إلى “مخيمات هائجة مائجة يحاصرها الضجيج من كل صوب”.
على الجانب الآخر، راح فريق الشعراء الذين حضروا الأمسيات الشعرية يطلقون مزايدات مضادة، من أجل الانتصار لـ”شعر الشعب والأرض”، متغافلين تمامًا عن سلبيات المعرض التنظيمية الكبرى، وفي إدارة هذا الفريق للأزمة المفتعلة، لم يفت شعراءه بطبيعة الحال تحقيقُ مصالح أخرى، إذ شنوا هجومًا لاذعًا وساخرًا على حجازي صاحب مقولة “علياء الشعر”، ووصفوا على نحو تعميمي عشوائي كل المنسحبين بأنهم “من صبيان حجازي وأعضاء لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة”.
ضجة الشعر في معرض القاهرة للكتاب، هي في حقيقة الأمر أزمة فراغ الأمسيات الشعرية ذاتها، وفراغ البرنامج الثقافي من كل ما يجذب الجمهور إلى المقاعد، سواء في القاعة الرئيسية أو في المخيمات، فلم تكن ندوات القاعة الرئيسية أفضل حالًا من حيث التنظيم والإدارة والعلياء.
________
*العرب