في التقسيم الجندري للأدب

*لطفية الدليمي

لا أميل شخصيا الى حجز الابداع في الغيتوهات المغلقة والفصل بين الأعمال الروائية على أساس جندري – نسوي باعتبارها أعمالا تمثل ( أقلية ) أو (فئة مهمشة ) يجري التعامل معها بطريقة مختلفة عما ينتجه الكتّاب مثلما هو سائد في بعض التنظيرات الغربية والعربية ، وانما الأجدى أن يتم التعامل مع النصوص على أساس توجهات كل كاتب / كاتبة وسمات أعماله / أعمالها التي تميز جهدهما الابداعي : لغة وبناء ومميزات سردية واشتغالات معرفية، وغالبا ما أتلمس نوعا من القسر في حجر روايات بعض الكاتبات ضمن زاوية الكتابة النسوية ، وأرى مقابل ذلك أن يتم التعاطي معها ضمن السياق العام للنتاج الروائي في كل بلد ؛ فهو الأكثر ضمانا للتعامل النقدي العادل مع الأعمال الروائية ، مع علمي بأن بعض الكاتبات يحتفين بالمكوث في منطقة (الادب النسوي) ويتكئن على هشاشة الأنوثة وتشكياتها في طرح مواقفهن ازاء الحوادث والمتغيرات ، وعندها سيتم التعامل مع نتاجهن على أساس السمات الانثوية المتمثلة بمحدودية رؤيتهن للعالم والمصير الانساني وابتعادهن عن الانشغالات المعرفية والفكرية ، واستغراق نصوص بعضهن في إدامة التدفق العاطفي المغناج الذي يغدو فخا شهيا لبعض القراء والنقاد وبالتالي لايسري على نتاجهن التفحص النقدي الصارم الذي تخضع له أعمال الروائيين .
عندما ترجمت كتاب ( تطور الرواية الحديثة ) للبروفيسور جيسي ماتز والصادر عن دار المدى – وهو كتاب نقدي يمتلك اهميته في تصديه لمميزات الحداثة في الرواية الحديثة – وجدته يتعامل مع جميع الأعمال الروائية من جهة تمثلها للحداثة منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا من غير أن يشير إلى بعض الاعمال بأنها أعمال نسوية ؛ فروايات الكاتبة جورج اليوت وفيرجينيا وولف أو ويلا كاثر وسلفيا بلاث ودوريس ليسينغ وايريس مردوك وتوني موريسون وجيانيت وينترسون لايجري التعامل معها في الدراسات الأدبية كونها أعمال نساء بل باعتبارهن كاتبات منتميات لنمط روائي معين : رواية حديثة ورواية معاصرة أو رواية فلسفية أو رواية تاريخية أو رواية خيال علمي أو رواية سايكولوجية ، كما لاحظت ذلك في ترجمتي لكتاب ( الرواية المعاصرة ) للبروفيسور روبرت ايغلستون وفي كتاب ( مقدمة كامبردج للآداب مابعد الكولونيالية )للبروفيسورة لين إينيس التي لم تتعامل في عملها مع الكاتبات على أنهن كاتبات رواية نسوية ..
فتحت نزعة ما بعد الحداثة الأبواب أمام التقسيمات المختلفة وآزرت الالتفات الى الفئات المهمشة والمهاجرة وروايات التعددية الثقافية لتأكيد قيم التسامح والتعايش بين تلك الفئات، غير أن هذا التأكيد المفرط عل التمييز بين انتماءات الأعمال الأدبية أدى إلى تشوش معايير الحكم النقدي على النتاجات الأدبية المحصورة في نمط ما أو تلك التي كانت تمثل فئة معينة وانتهى الأمر الى ظهور مدارس نقدية مخصصة لكل فئة اونمط ادبي مما يناقض فكرة تداخل وتمازج الثقافات التي بشرت بها العولمة بدءً ؛ ثم مالبثت العولمة أن أعلنت مباركتها لتعميم التوجهات الفئوية في الأدب والفن والسينما فعززت الفوارق والتناقضات بين القوميات والاعراق المختلفة وفككت العلاقات بدلا من تمازجها وتداخلها ضمن أطر انسانية عامة ؛ فقد انبثقت من قلب التقسيمات المستحدثة صراعات ثقافية اثنية دموية وصراع هوية جندرية لتأكيد الذات بدل التعامل مع الثقافة كنتاج مجتمع انساني بأفق شاسع رافض للتمايز الجنسي والعرقي والاثني.
هذه وجهة نظري التي أستند إليها كموقف فكري واجرائي فأعتذر دائما عن حضور المؤتمرات والندوات والانشطة التي تكرس التقسيم الجندري في الادب.

________
*المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *