الأدب الحداثي.. عوليس لجيمس جويس أنموذجا

خاص-ثقافات

*خلود البدري

لماذا الأدب الحداثي ؟ يقول إليوت ” أنه مجرد أسلوب لإضفاء شكل وأهمية على بانوراما العبث والفوضوية التي تمثل التاريخ المعاصر …أنه كما أؤمن حقيقة يعد خطوة نحو تهيئة العالم الحديث أمام الفن ”  في نهاية الحرب العالمية الأولى ظهر مصطلح الادب الحداثي فما هو هذا الأدب وهل له سلبيات كما الايجابيات ؟ هل أُغراق المتلقي بكل ما هو غير مفهوم يعد بالأدب الحداثي ؟ عموما نحن الآن لسنا بصدد نقدنا لهذا المنهج في الكتابة بشكل عام ، ولكننا أردنا أن ننوه عن فكرتنا حتى ندخل لعالم الرواية  لقد برزت الرواية الملحمية “عوليس” لجيمس جويس كنموذج للأدب الحداثي . وهذا لا يعني أنه لا توجد مآخذ على الرواية ، لكننا رغم هذه المآخذ والتي سنتطرق اليها لاحقا بشكل مفصل . نأخذ رأي “إريفنج هاو” في الحداثة يقول “عملية جدلية منظمة ودينامية لا تحدها حدود، وليس مجرد اتجاه أو تقليد ، ويرى فيها استخفافا ” بالعامة والقذارة والشارع ” وليست مجرد ضمير اجتماعي . وللحداثة وجود منذ بدء التاريخ متمثلة بالاكتفاء الذاتي للفن وفي الصمت التام وفي النزعة العبثية العدمية .وفي العصر الراهن حرمت حتى من هذا التراجع والعزلة تحت وطأة الشهوات الطاغية لدى العامة الذين لا يكفون عن تكييف انفسهم مع الظروف . ” وليس هناك من يصور بطولة الزهد الأدبي الخالص سوى جويس ،وربما بيكيت أيضا ،ولا يخترق أعماق المدينه ليظهر في شوارع “الحياة العادية القائمة ” سوى جويس وحده “.يوليس أو يوليسيس اقتباس عن اللاتينية عن بطل أوذيسة هوميروس .
الكاتب الأيرلندي الأعمى جزئيا ،والمبتلى بمرض أبنته العقلي والضائقة المالية التي كان يعاني منها ، لم يمنعه من كتابة هذه التحفة الفنية في سبع سنوات ليخلده محبيه ومحبي روايته بالاحتفال به بيوم أطلقوا عليه يوم “بلوم “في السادس عشر من يونيو .
حقا فالرواية التي تصدرت قائمة أفضل 100 رواية في القرن العشرين باللغة الانكليزية .والتي منعت من النشر في استراليا والولايات المتحدة وكذلك في المملكة المتحدة .
لقد بدأتُ الشروع في قراءة الرواية وحصلت عليها بترجمة د.طه محمود طه .لكني لم أكمل القراءة ، وبحثت عن نسخة لمترجم آخر ووجدت نسخة من الرواية للمترجم صلاح نيازي .
الفرق في الترجمة .
قرأت رواية عوليس وتخطيت الصفحات الأولى ولكني قررت أن أترك القراءة وأعود لها على فترات متقطعة .أما عن الترجمة فالرواية بحاجة الى جهود جبارة في الترجمة وفك كل ما تحمله وقد بذل د.طه جهدا عظيما فيها  يقول الناشر عن الترجمة وعن د.طه :_ “مترجما راهبا في محراب الأدب ،الذي أهدانا “عوليس ” في اللغة العربية مما يجعله عملا قوميا بكل المعايير وأضيف أنه لو لم يقم هو بذلك العمل لتأخرت لعقود كثيرة فرصة أضافتها إلى المكتبة العربية ،ويكفي أن ندلل بأن وقت الترجمة الفعلي كان 14 سنة ،وأضاف إليها 6 سنوات سبقتها للتجهيز لها .ناهيك عن الأسفار والجهد والبسالة فوق كل ذلك لدرجة أنه أنجز نتيجة الترجمة قاموسا كاملا للمترادفات به أكثر من ربع مليون من المترادفات وهو ما يقارب عدد الكلمات في عوليس . لكنه يردف بقوله ” أقول ذلك وليس مهما أنني اختلفت مع المترجم ” في مفهوم “روح النص ” ولكنه الخلاف المجاني لمتفرج مثلي مع بطل الساحة الذي يتحمل كل شيء”ص1 من الرواية بترجمة د.طه .
كنت أبحث عن الروح في الرواية المترجمة .
ووجدت ما كنت ابحث عنه بالنسخة الكاملة المترجمة التي إضافة الروح للرواية المترجمة (الأم) .
السردية الفنية والمقدرة على التلاعب بالكلمات والأحداث في سياق قل مثيله .جويس الذي يربط الحياة بالموت في مقبرة الأيام .
” قلبك ربمّا .لكن ما قيمة ذلك لرجل بتابوت ستة أقدام بقدمين وأصابع قدميه لجذور أزهار الأقحوان ،لا شيء يمس قلبه .مركز العواطف .قلب كسير .مضخة رغم كل شيء .تضخّ آلاف الغالونات من الدم كل يوم .وفي نهار صاحّ سينسد .ألا ترى .كميات كبيرة منها ترقد هنا .رئات قلوب أكباد .مضخات عتيقة صدئة .اللعنة على كل شيء آخر … “ص216
عن الموت يكتب ” أحسب أن الأرض ستكون خصبة جدا بسماد الجثث ،بالعظام ،باللحم ،بالأظافر . بيوت حفظ الجثث وعظامهم .مرعب .تنقلب إلى تفسّخ أخضر وردي . تفسد أسرع في الأرض الرطبة الأشخاص الضعاف المسنّون أكثر عسرا على التفسّخ .وبعد ذلك تتشحم إلى حدّ ما
على شاكلة جبنيّة .ثم تشرع تصير سوداء ، ينز تدبس أسود منها .ثمّ تجفّ.عثة على صدرها جمجمة .بالطبع تستمّر الخلايا مهما كانت على العيش .تتغّير . تعيش إلى الأبد عمليا .إذا لم تجد ما تقتاته فستقتات نفسها .لكن ينبغي لها أن تنتج كميات كبيرة من اليرقات .لابدّ أن التربة ببساطة تدوم بها .رأسك ببساطة يدوّم .تلك “بونات ” البحر الجميلات الصغيرات .ينظر إلى المسألة بطيبة نفس .تعطيه شعورا بالقوّة .مشاهدا كل الآخرين يدفنون قبله .تساءل كيف ينظر إلى الحياة .مطلقا نكاته أيضا :يدفئ أعماق نفسه .ص210
عند نهاية الجزء الأول من الرواية تأخذ  استراحة قصيرة ، ثم تعاود القراءة مرة أخرى ،فأنت لا تستطيع مواصلة قراءة الرواية لفترات طويلة بل لابد لك من التوقف لقراءة الهوامش الكثيرة التي تبين الخطوط التي سار عليها الكاتب مقاطع من الأوذيسة أغاني قديمة أقوال اشتقت من مسرحيات شكسبير كذلك أسماء شخصيات اشتهرت في ذلك الوقت ثم أسماء الشوارع والأماكن في دبلن ، فالرواية تتصل أو تتقاطع مع الأوذيسة في نهاية الفصل الأول كان الكاتب قد مر بنا إلى عالم الأموات أو منازل الأموات ” يسرد أوذيس في الكتاب التاسع من الأوذيسة مغامراته في بلاد السكونيين وآكلي اللوتس والسيكلوب ذوي العين الواحدة .في الكتاب العاشر يصل أوذيس ورجاله إلى جزيرة يقطنها “أيلوس “ملك الريح” إلى البلاد التي تسكنها الساحرة “سيرسة” .نصحت سيرسة ،أوذيس أن يذهب إلى عالم الأموات لأخذ مشورة من روح العراف الأعمى ثيريسيا .في الكتاب الحادي عشر يذهب أوذيس إلى منازل الأموات ،وأول شبح أو روح يلتقي بها هي روح خيال رفيقه الفينور ،وهو أحد رجاله الذي سكر ونام ،ومات في بهو سيرسة ،طلب الفينور من أوذيس أن يذهب إلى الجزيرة التي يسكنها سيرسة ويقوم بمراسيم دفن جثته .دفنا مناسبا .فوعد أوذيس بذلك …”وهكذا تستمر الأوذيسة في منازل الأموات وطقوس الدفن . ص233
وكأنما ملاحم الشعوب تقترب من بعضها البعض ، ففكرة الموت والدفن كانت ضمن الملحمة السومرية “جلجامش بعدما يرى فعل الموت بصديقه أنكيدو ليقرر دفنه في النهاية مستسلما لفعل الطبيعة والكون والحياة “بعد موت أنكيدو يصاب جلجامش بحزن شديد على صديقه الحميم حيث لم يرد أن يصدق حقيقة موته فيرفض أن يقوم أحد بدفن الجثة لمدة أسبوع إلى أن بدأت الديدان تخرج من جثة أنكيدو فيقوم جلجامش بدفن جثة أنكيدو بنفسه وينطلق شاردا في البرية خارج أوروك وقد تخلى عن ثيابه الفاخرة وارتدى جلود الحيوانات .بالإضافة على حزن جلجامش على موت صديقه الحميم أنكيدو كان جلجامش في قرارة نفسه خائفا من حقيقة أنه لا بد من أن يموت يوما لأنه بشر والبشر فان ولا خلود إلا للآلهة “.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *