خاص- ثقافات
*توفيق بوشري
سوط:
عندما يتعرى الصوت، يكون الجسد قد دخل في غيبوبة اللاشيء. من أجل فرصة أخيرة لموت مناسب، ربما يمضي المارون دون أن ينتبهوا لجرأة بليدة. أما إذا اكتفى باحمرار وجنتيه، ثم ابتعد نحو كهف ما قريب، فقد يكون من اللازم الاعتراف بزمن ما بعد الخطيئة كلوحة لم يرسمها شقي بعد لتكون مجازا متمردا للإنسانية المجيدة البؤس. هذا الصوت لا يتذكر بأنه هبة منسية، وهذا الجسد يأبى أن يرقص كما تشير عليه امرأة متفشية المساحيق والتلميحات البذيئة.
تنين “الغفلة”:
كلما شفي جزء من الحياة القصيرة. تراءى للعيون المسدودة كابوس في حلة حلم متلهف. تقوم الجثة من مرقدها في الثلج الرمادي، تتحسس المكان، تؤمن أنه ملموس مؤقتا، ثم تشرع تتلو قداسا بدعيا على تنين برأس واحدة ليواصل نومته الأبدية. فلا ضرورة لناره، إن جهنم تأكل الوجود أكلة الكتف. تنام الحياة قريرة الجرح، فقد يكون الشفاء سرا أو سرا آخر.
“سوق البشرية”
شوارع هامشية تغزو الضحكة المسروقة. كل قطعة من المشهد تتيبس دون سابق إحساس، تشير ساعات المدينة إلى بحر منهار يهدد بالانتحار في أية فكرة. النوارس وحدها تقرفص عند موجة خارج المصير، تتقبل العزاء من أي كان بعبرات هادئة. الباحثون عن طرقات ممكنة، يتجاوزون اللحظة بنظارات سوداء، يسرعون إلى جهات غير معلومة، لا يكترثون لتنبيهات الألغام.. في النهاية يسيل الجميع صوب فوهة تشبه مرحاض مارد عملاق..
لو التجني:
لماذا يرفض الصمت أن يكون وطنا؟ لماذا يختار التعذيب المزدوج؟ يعاقب اسمه، ويتشفى في الوجوه المكبوتة. لو كان طفلا، كان سيلهو قليلا على بوابة انعتاق، لا يفتحها ولكن تراهن صدفة تائهة على حركة شاردة من قلب البراءة. ليته وردة، تترفع عن الهوامش لتبشر بجمال مباح، هدية من حكمة تسكنها. حتى في غفلة من الأضواء، لا ينجح أحد في قلب النقمة يدا مرقطة ببياض مقبول تلامس السواد ليشهق الشيء المدفون فيه، لعله يستيقظ ويتذكر الأصل المستحيل. صعب، يقول عمود الكهرباء متصلبا دون أن يضيف ولا حشرجة. يقف الجميع في المفترق ويصلون صلاة استسلام مطولة..
نسيم الأسطورة:
الإله القديم المتخفي في سترة حارس سيارات، يقهقه.. يحبس نفسه عبثا. يفتح النواميس البائدة، لا يقرأ شيئا. فقط يراودها عن بخلها، أو عن جمودها القاتل. يلبس بعض الجبال المنخورة، ينهض ويغسل وجهه بالدماء، يفطر في مقهى مهجور، يطلب منبرا، ثم ينظر في الأفق. يستجمع الغيوم والنجوم والكواكب.. يخطب، تسمع همهمات تتصاعد كنوتة مجنونة خشنة.. تتطاير في كل الأنحاء.. يسود ضجيج عال.. وفي ردهات غير زمنية، لا يكون سوى تراب وصدى وحراس معبد وهمي في انتظار الانتظار..
مقترح:
الغرباء.. يلجون غرف الكلام ببنادق بدائية. وقبل الرشق بأحذية مهاجرة، يحيون بلطف المناظر المسرعة من خلف زجاج المركبات الهاربة بهم إليهم. يرجمون الدمار، يجهشون بالألم، يمسحون دموعهم بالشوق الحارق والعناد المكابر، يمشون كأن يسرون في السماوات.. لا يبقى غير دخان أبيض يتصعد في إثرهم استعدادا لمنح اللاشيء فرصة وحيدة لاندثار مهول يأتي على التاريخ..