عن الحبّ الرومانسيّ…حقائق بسيطة عن عاطفة معقّدة

خاص- ثقافات

*ترجمة وتقديم : لطفية الدليمي

 

 الآتي ترجمتي لمقطع من مقدّمة كتاب :        

      عن الحبّ الرومانسيّ : حقائق بسيطة عن عاطفة معقّدة

                           On Romantic Love 

 Simple Truths about a Complex Emotion                

للمؤلفة الفيلسوفة بيريت بروغارد Berit Brogaard، وقد صدر الكتاب عن مطبعة جامعة أكسفورد OUP عام 2015 ضمن سلسلة ( الفلسفة في موضع الفعل Philosophy in Action  ) التي يشرف على تحريرها والتر سينوت – أرمسترونغ Walter Sinnott-Armstrong .

 

     بيريت أوسكار بروغارد Berit Oskar Brogaard : فيلسوفة دانماركية – أمريكية متخصصة في حقل العلوم العصبية الإدراكية Cognitive Neuroscience، وفلسفة العقل Philosophy of Mind، وفلسفة اللغة Philosophy of Language، وتعمل منذ 2014 بمرتبة أستاذ في قسم الفلسفة بجامعة ميامي بولاية فلوريدا الأمريكية كما تدير مختبراً مسمّى باسمها في الجامعة يختصّ بالبحث في الإحساسات المتعدّدة Brogaard Lab. For Multisensory Research، وإلى جانب اشتغالاتها الفلسفية والعلمية الواسعة فإن البروفسورة بروغارد شاعرة ذوّاقة للشعر وتجيد كتابته باللغة الدنماركية .

     ولِدت بروغارد في كوبنهاغن، الدنمارك عام 1970 ونشأت فيها، ومنذ يفاعتها المبكرة أبدت شغفاً مميّزاً بالفيزياء والرياضيات والبيولوجيا ( علم الأحياء ) وبرعت في هذه الموضوعات كلها براعة فائقة. حصلت بروغارد على شهادة البكالوريوس في اللغويات والفلسفة من جامعة كوبنهاغن ثم واصلت دراستها المتقدمة للعلوم العصبية في الجامعة الدنماركية الوطنية وحصلت لاحقاً على الدكتوراه PH.D في اللغويات والفلسفة من جامعة نيويورك – بافالو، وبعدها التحقت بدراسة ما بعد الدكتوراه في المركز الخاص بدراسة الوعي والفلسفة الذي يديره الفيلسوف الأسترالي الأشهر ديفيد تشالمرز David Chalmers في الجامعة الوطنية الأسترالية للأعوام 2007 – 2009.

     عملت بروغارد أستاذة مشاركة للفلسفة في جامعة ميسوري – سانت لويس للأعوام 2012 – 2014، ثم انتقلت ابتداء من العام الدراسي الأكاديمي 2014 للعمل بقسم الفلسفة في جامعة ميامي بولاية فلوريدا الأمريكية . تعمل بروغارد – إضافة إلى واجباتها الأكاديمية – رئيسة للجمعية الجنوبية للفلسفة والسايكولوجيا كما أنها المرأة الأولى التي أشغلت موقع الرئيس للتجمّع الفلسفي للولايات الأمريكية الوسطى .


     بالإضافة إلى ما يربو على الثلاثمائة مقالة ودراسة  وورقة بحثية نشرتها بروغارد في كبريات الصحف والمجلات والدوريات العامة والأكاديمية فقد ألّفت الكتب التالية :

*  عقل الإنسان الفائق، مطبعة جادّة هدسون، 2015 .

The Superhuman Mind, Hudson St. Press, An Imprint of Penguin, The Penguin Group, August, 2015.

*  هل للإحساس محتوى؟ ( تحرير )، مطبعة جامعة أوكسفورد، 2014 .

Does Perception Have Content? Edited Volume. Oxford University Press, 2014.

*  حقائق عابرة: مقالة في ميتافيزيقا المفترضات، مطبعة جامعة أوكسفورد، 2012 .

Transient Truths: An Essay in the Metaphysics of Propositions, Oxford University Press, March 2012.

*  أن ترى وأن تقول، يصدر عن جامعة أوكسفورد لاحقاً .

Seeing and Saying. Under contract with OUP.

*  إدراك من غير محتوى، في طور الإعداد .

Cognition without Content. In Progress.

*  الحبّ الأبويّ، في طور الإعداد.

Parental Love. In Progress.

                                                                                                             المترجمة 

 

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

        لماذا يبدو شعورنا أحياناً عندما نقع في الحب مثل شعور ذاك الذي يتجرّع مرّ الدواء ؟ لماذا نقع في الحب مع أناسٍ ليسوا مصدر خيرٍ لنا ؟ هل يبدو أمراً محتملاً أن يحبّك شخصٌ ما بإخلاص يوماً ما ثم لايلبث أن يتركك من أجل أحدٍ غيرك في اليوم التالي ؟ ما الذي يحصل عندما يقول لك أحدهم ” أحبك ” ولكنه يسلك كما لو كان الحب آخر الأمور التي يمكن أن تجول بعقله ؟ كيف يستوي الأمر أن نغدو مسحورين وعلى نحو مطلق بشخص ما ممّن يبدو مستحيلاً أن نمرّ بباله ؟ هل يمكن أن يكون الأمر خاطئاً دوماً عندما نحبّ أحداً ما ؟ هل من الممكن اتخاذ احتياطات تجاه عدم الوقوع في الحب ؟ ويبدو السؤال التالي ( من بين كل الأسئلة المحتملة ) الأكثر أهمية: هل أن الحب الرومانسي ضرورة أساسية لكينونتنا الأفضل؟  

     في كتابي هذا ( عن الحب الرومانسي ) أقدّم إجاباتٍ عن الأسئلة أعلاه وعن الكثير من الأسئلة سواها. تركّز بؤرة هذا الكتاب على الحب الرومانسي أو العلاقة الرومانسية بصرف النظر عن التكييف الجنسي أو الهوية الجندرية للحالة، ولكن الأسانيد والمحاججات ووجهات النظر يمكن أن تتوسع إلى حد بعيد يتناول الحب المتعاطف الحنون compassionate الذي يضمّ الحب الأبوي والحب الناشئ عن الصداقة الحقَّة.

     جاهدت في كتابي هذا أن أوضّح السبب وراء كون الحب – والحب الرومانسي بخاصة – عاطفةً، وكذلك السبب وراء اختبارنا غالباً لتلك العاطفة بقوة أكبر بكثير ممّا تحوزه حتى أكثر عواطفنا سطوة علينا مثل : الخوف، الغضب، البهجة، الغيرة والحسد،،، وعلى النحو الذي عبّر عنه مرّة لاو تزو Lao Tzu فيلسوف الصين القديمة: الحب هو الأقوى بين كل العواطف الشغوفة لأنه يصيب وفي وقت واحد كلّاً من الرأس والقلب والحواس”؛ ولكن الحب كما نعرف لا يظل مستعراً على نحو متواصل مثل لطمة حمى لأنه – وكما سنرى – يرتقي بدرجات مع ارتقاء مسار العلاقة الحميمة. ( الكل يحبّ الانزياحات والتغيرات ) : هذا ما لاحظته الممثلة الإنكليزية جولي أندروز Julie Andrews  بحكمة، ثم واصلت القول ( لا أعرف إذا ما كنت تستطيع أن تكون عاشقاً متولّهاً بكل قلبك طول الوقت ) وهو ما توحي به العبارة المقبولة إلى حد ما التي نسمعها جواباً على السؤال الخالد ” أتحبّني ؟ ” ( رغم أنّني لست مرحّبة بأن يكون أحد ما مفرطاً في النزاهة وهو يجيب على ذلك السؤال !! ) .

     إن طبيعة الحب الرومانسي القابلة للتغيير هي التي قادت العديد من الفلاسفة وعلماء النفس إلى الاستنتاج بأن الحب الرومانسي ليس حباً ” حقيقياً ” – هو جنون مؤقت كما يدّعون، والحب بهذا المفهوم يستحيل شيئاً ينبغي عليك دوماً استيعابه طلباً للشيء الحقيقي الذي يراه هؤلاء الفلاسفة وعلماء النفس متجسداً في الحب الباعث على الرفقة الحميمة والرغبة في التعلق القريب: في ذلك النوع من الدفء والأمان والحب المستديم الذي يتبقى بعد أن تخبو كل الفورات الحميمة الأولى للحب. أميل من جهتي إلى دعم الادّعاء التالي: لا أظن أن ثمة شكل وحيد من الحب الحقيقي، وأظن إلى أقصى مدىً أن الحب الرومانسي هو حبّ حقيقي – هو حقيقي وصادق تماماً مثل الحب الذي تشعر به أزاء جدّك أو صديق طفولتك. من المؤكد أن الحب الرومانسي يختلف عن حب الرفقة المتكافئة ( مثل الزواج ) أو حب التواصل القريب ولكنه يظل حبّاً في كل الأحوال .

     أن يكون الحب الرومانسي شكلاً عقلانياً أو لاعقلانياً من الحبّ – ذاك موضوع آخر تماماً: إذا ما حصل ووقعتَ في حب الشخص غير المناسب لك ( وتلك ظاهرة أسهل بكثير من إيجاد الشخص الصائب لتقع في هواه ) فإن أصدقاءك وأفراد عائلتك يكونون جميعاً توّاقين لإخبارك أن حبك لم يكن عقلانياً في الوقت الذي يكون شعورك أنت كمن أصيب بهذيان الحب الذي يدفعك – برغم كل الشواهد المعاكسة لرأيك – إلى القسم بأغلظ الأيمان أنك قد وجدت ” حبك الحقيقي ” . حقاً عندما نشعر بأن الحب قد جرفنا بعيداً فإن الأمر يبدو وكأننا تحت تأثير عقارٍ ما، وثمة أسباب عصبية وراء هذا الأمر . سأجعل الأمر واضحاً في هذا الكتاب بشأن كيف يمكن أن يقال عن العواطف – وبخاصة الحب الرومانسي – بأنها عقلانية او لا عقلانية بكل ما في المفردتين من معنى مقصود، وسأعمل على جعلك ترى كيفية بلوغ ذلك الاستنتاج. يبدو الحب أحياناً غير منطقي أو أحمقاً أو حتى مؤذياً في حين يكون أحياناً أخرى أمراً معقولاً بصورة كاملة : إذا ما أحببْتَ أحداً ما وهو لاينفك يعاملك بازدراء أو من غير احترام مستوجب  ويسيء التعامل معك سيكون حبك له عندئذ لا عقلانياً، وإذا ما كنتَ عاشقاً مفتوناً بشكل المخلوق الفنتازي الذي أسبغتَه على من تحبّ فسيكون حبك هذا لاعقلانياً أيضاً، ومن جهة أخرى فإن الحب الذي تشعر به إزاء شريكك الذي يبادلك الاحترام ولا يدّخر جهداً لإسعادك هو حب عقلاني بصورة كاملة .

     إذا ما بات الحب اللاعقلاني يهدّد سلامة كينونتك إذن يكون قد حان الوقت لمواجهة عبء الجهد الشاق في الخروج من هوّة ذلك الحب، ومن الطبيعي ألا يكون هذا العبء سهل الإنجاز مثلما يريده أصدقاؤك وأفراد عائلتك أن يكون – إن الأمر هنا شبيه بالخوف اللاعقلاني : فأنت لا تستطيع ببساطة إطفاء جذوة الحب بالطريقة التي تطفئ بها مصباح غرفة نومك. إن الخوف اللاعقلاني يمكن التغلب عليه متى ماعمل الفرد بجدية لاستئصال مسبّبات الأمور الباعثة على مخاوفه وقلقه، والأمر ذاته ممكن أيضاً في حالة إخراج المرء لذاته من لجّة الحبّ .

   يتعامل كتابي هذا ( عن الحب الرومانسي ) أيضاً مع حالة الحب اللامرئي أو اللاواعي والتداعيات التي تجترحها في علاقاتنا. ليس أمراً شائعاً إدراك حقيقة أننا قد نحوز عواطف لسنا مدركين لها بصورة واعية، ولكنّ عدم إدراك تلك العواطف الماكثة تحت طبقات وعينا لا يعدم الإتيان بتأثيرٍ – يمكن إدراكه – على سلوكياتنا وخياراتنا وهو الأمر الذي يجعلنا واهنين وخليقين باتخاذ خطوات سيئة ونحن نحث خطانا في مملكة الحب الرومانسي . إن العواطف المخفية غالباً ما تعبّر عن نفسها في هيئة خيارات غير حكيمة بشأن شريك ما، أو بشأن ضعف الثقة بالنفس، أو بشأن النهايات المؤلمة للعلاقات، أو بشأن المعضلات التي تواجهنا ونحن نسعى لإيجاد مكانة لنا في هذا العالم.

يمكن أن يكون الحب أمراً مؤلماً للغاية ومشحوناً بالقلق لهؤلاء الذين لا يزالون يجدّون في البحث عن الحب، ولكن الحب يمكن أيضاً أن يكون أمراً باعثاً على النشوة المحببة كما يمكن أن يوفر معنىً عميقاً  لحياتنا، وليس ثمة شك أننا في حاجة ماسة إلى الحب لإدامة حيواتنا، وأن الحب حاجة إنسانية أساسية تقف على قدم المساواة مع حاجتنا إلى الماء عند العطش والغذاء عند الجوع، وأن الحب أحد متعِنا العظمى، ويمكن للحب في أغلب الأحيان أن يكون سبباً لنا لمواصلة العيش – شيء شبيه بالجبل الذهبي أو الكأس المقدسة حيث سعينا الثابت والمتواصل بلا هوادة نحو بلوغ السعادة المرتجاة في خاتمة الأمر.

     بعيداً عن السبب الذي دفعك لقراءة هذا الكتاب : الحب، الوحدة، انكسار القلب، الفضول، الحيرة الصريحة،،،،، فإن أملي وطيد في أنك ستجد في الصفحات التالية الاستنارة والنصيحة المفيدة وربما طريقة جديدة في النظر إلى موضوعة الحب الأزلية الضاربة في القدم والتي ما فتأت تمتلك ذلك التأثير ذا السطوة الطاغية على حيواتنا.

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *