خاص- ثقافات
*سوسن علي
حاضناتٌ لأطفالٍ آخرين
كطُرفةٍ مُضحكة، أتحدثُ دائماً عن موعد مولدي. يومَ ولدتني أمي في الحظيرة، أمي الهاربة من زوجها الغاضب.
قالت إنه أرادَ قتلها لأنها رفضتْ بيع إسوارتها الذهبية.
ببطنها المُنتفخة فرَّتْ هاربة.
كانت هناك؛ على بُعد عدة كيلو مترات من قريتنا: في الحظيرة التي تضم ثلاث بقرات إحداهن مرقطه بالأبيض، وأمي.
العارضة الخشبية التي أمسكتْ بها، تجرُّ نفسها للخلف وهي تفتح ساقيها مُحاولةً إخراجي وهي تكتم صراخها، وتعضُّ الألم المُتجمع على شفتها السفلى.
بعُجالةِ الأحداث المُفاجئة وُلدْتُ.
قُذِفَ رأسي في ذلكَ المكان، احتضنَ الروثُ الرّطبُ الدّافئ جسدي الصغير.
البارحة كنتُ أنقلُ الروثَ وأنظِّفُ الحظيرة نفسِها.
هيَ تركتني فيها وأكملتْ فرارها، بينما أنا، ومن دون تسويغ مُقنع بقيتُ تحت رعاية صاحب الحظيرة.
أعيشُ لأنقلَ الروثَ، وأفكرَ بمُنتهى البساطة، بأنَّهُ لا معنى لحياتي سوى نقل حاضنات دافئة لأطفال آخرين.
الفستق
الأرضُ القريبة من السِّكّة الحديدية، مزروعة بالفستق الأخضر، ذهبنا إليها أنا وأخي.
قدنا دراجَتنا على طول الطّريق التُّرابية، ثم أخفيناها بين شجرات السَّرو.
الأرضُ مسقية بالمياه الجارية، ونحنُ رحنا ننبشُها بحثاً عن حبّات الفستق، صنادلنا تعلقُ بالطين، وتتمزقُ مع كلّ خطوة.
أيدينا مُلطّخة بالوحل، ملابسُنا ووجوهُنا أيضاً، أنفاسُنا تعبَقُ برائحة الفستق.
أنا وأحمد نضحكُ ونركضُ بأقدامنا العارية وسط الطين هاربينَ من صاحب الأرض.
مُمسكة فردة حذائي المُمزَّقة أركض لاهثة، أمسحُ أنفي بيدي الملطخة، وأتركُ خطَّ الوحل يمتدُّ إلى خدي.
الطريقُ تصبح أكثر طراوة وهيَ مُغطّاةٌ بالأعشاب، وأنا أشعر بها تحت قدمي العارية.
هناك وقفنا أسفل التل، بجانب جسر السكة الحديدية، ننظرُ خلفنا: الرَّجُل لم يركضْ وراءنا، فقط اكتفى بطردنا.
كُنّا قد تعلمنا أن نضعَ حصاة صغيرة على الخط الحديدي، ونراقبها، فإن اهتزَّتْ فالقطارُ قادم.
كُنّا نراقبُها جيداً، وما إن يأتي حتّى نبدأ برشقِ نوافذِهِ بالحجارة.
النافذةُ المُهشَّمة التي أجلسُ بجوارها اليوم، طوالَ الرحلة، أنظرُ عبرَها مُحاوِلةً سرقة ملامح الطّريق، وكلُّ ما أراهُ الآن بعضُ الفستق المُتناثِر، وحياة مُحطّمة.
__________
*كاتبة من سورية.