‘ذهان’ فيلم يحاكي أحلام أطفال العراق رغم الوجع

*نضال قوشحة

بغداد – تحضر عوالم الطفولة واليافعين في أجواء فيلم “ذهان” الذي يتحدث بالكثير من الشفافية والمرارة عن واقع اليافعين في بعض المجتمع العراقي المعاصر، وما أوجدته ظروف الحرب في هذا المجتمع الذي صار اليافعون فيه محطمي الأحلام، وربما فاقدوها.

“ذهان” فيلم للمخرج العراقي علي الكعبي يتناول حكاية مجموعة من الأطفال الذين يدرسون في إحدى المدن العراقية، بحيث تجمع بينهم علاقات الزمالة وتضافر الأحلام لغد مشترك، ويستعرض الفيلم عبر دقائقه التي لم تتجاوز الخمس عشرة دقيقة، تفاصيل حياة هؤلاء اليافعين وعلاقتهم بمدرّسهم، وذلك المستخدم الطيب (الآذن)، مرورا بأجواء الامتحان والقاعات المدرسية.

وتحضر الكاميرا هنا بحساسية ورشاقة وتنسج فضاءً إبداعيا تتماهى فيه التفاصيل بين الحقيقة والحلم، بين اليوم والأمس، بين الواقع والهدف، بحيث يغدو كل ذلك ثيمة واحدة تتجه نحو تأكيد مقولة الفيلم.

ولم يغب عن الفيلم وجود الحدث العراقي السياسي والأمني الراهن، وما أحدثه من انقلاب جذري في طبيعة تكوين هذه التوليفة، حيث تغدو المدرسة أشلاء مدرسة ويغدو الطلاب غائبين عن مقاعد الدراسة، بينما نلمح في مشاهد جميلة في الفيلم أحد اليافعين وهو يقرع بعنف جرس التنبيه الذي كثيرا ما اعتاد على وجوده في مدرسته سابقا، ليغدو بين يديه الصغيرتين ووسط الخراب الذي يحيط به حاليا وكأنه رمز لجرس الإنذار عمّا سيجري لاحقا في مدرسته ووطنه.

وعلي الكعبي مخرج فيلم “ذهان”، سينمائي عراقي شاب يمتلك هاجسا فنيا خاصا في تبيان مكنونات هذه الشريحة من المجتمع العراقي، وقد سبق له أن تصدى مع مجموعة طاقات سينمائية شابة للولوج في بيئة أحلام اليافعين كونهم الشريحة التي تمثل الغد المأمول لكل الناس، وصنعوا فيلما حاكى واقعهم وأحلامهم.

و”ذهان” فيلم عراقي أنجزته طاقات فنية عراقية شابة وشاركت فيه ضمن مسابقة سينمائية على مستوى العراق كاملا، وقد فازت هذه التجربة بالمركز الأول في احتفالية سينمائية خاصة أقيمت مؤخرا.

وعن توجهه لإنجاز فيلم عن الأطفال ومحاكاة أحلامهم التي يأملون في تحقيقها، ثم المخاطر التي يواجهونها في ظل المتغيّرات الطارئة التي تعصف بهم وبوطنهم، يقول الكعبي “يعالج الفيلم حلم اليافعين وهم ينظرون بانكسار وحيف إلى ما ألقى به الظرف لوأد أحلامهم الصغيرة.. والتعاطي مع اليافعين عن طريق الصورة يعدّ الأبلغ لاختزال قضاياهم وتحقيق أكبر قدر من الاهتمام بهم، لكون هذه الشريحة تعاني من ضيق مساحة التعبير، وليس هناك من سبيل لتلمّس مشوار حياتهم التي ازدحمت بالتغييب والتهميش غير السينما، وهم فئة معلقه بين الطموح المشروع والواقع الشاق، كما يعانون من انحسار الضوء لاصطياد لحظة وجود ليكونوا فاعلين ومساهمين في خلق الحياة”.

وعن سبب استخدامه لغة شاعرية رفيعة في التكوين البصري للفيلم وتقديمه حالة من الجماليات البصرية والدلالات الرمزية، وعن أهمية هذا التناول في الخطاب السينمائي بالتوجه نحو اليافعين يبيّن الكعبي، قائلا “هذا الأسلوب هو المفضل عندي، والأرجح في الأفلام القصيرة التكثيف في الفكرة والإيحاء في الصورة والأداء، وهذا ما يختزل الكثير من الحوار ويوصل جمال الفن السابع”.

و”ذهان” بالشكل الذي أنجز عليه فاز بالمرتبة الأولى، وفاز بمسابقة مديريات التربية على مستوى العراق، وهذا ما يعد إنجازا هاما للفيلم لأنه نافس باسم إحدى هذه المديريات، وحقق هذه المرتبة.

وعن أهمية وجود هكذا مسابقات وضرورتها في تحفيز السينمائيين على تقديم الأفضل، يقول مخرج الفيلم علي الكعبي “أكيد لها أهمية كبيرة في تحريك وتنشيط صناع السينما وخلق روح المنافسة بين صنّاع الأفلام، لكن الاستمرار في صناعة الأفلام أمر صعب مع ما يعانيه صانع الفيلم من عدم الدعم وخاصة الشباب، هناك الكثير من المبدعين الشباب في العراق يحتاجون إلى فرصة للقيام بخطواتهم الأولى لصناعة فيلم”.

وعلي الكعبي مخرج عراقي أكاديمي شاب حقق ظهورا قويا في فترة زمنية قصيرة نسبيا، وهو من الطاقات الشابة الواعدة في مجال الإخراج السينمائي، كما تحصل على العديد من الأعمال والجوائز السينمائية المحلية والخارجية منها: الجائزة الثانية في مهرجان كلية الفنون الجميلة ببغداد عن فيلم “الخيمة”، وجائزة أفضل ثالث فيلم في مهرجان وزارة التربية السينمائي العراقي أيضا عن فيلم “شموع التسامح”، وجائزة التحكيم في مهرجان السماوة الدولي عن فيلم “ولادة شهادة”، وأفضل سيناريو في مهرجان تطاوين الدولي بتونس عن فيلم “المادة 30”، وأخيرا جائزة أفضل فيلم، أي الجائزة الأولى في المهرجان التربوي للفيلم القصير عن فيلم “ذهان”.
_______
*العرب

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *