خاص- ثقافات
*محمد بتش”مسعود”
أقبلَ الشـّتاء حزينا هذا العام, أطلـّت الشـّمس في هذه الصّبيحة خَجلة باهتة, في الأفق سحاب وسرْب طيور.كنتُ أنبشُ التربة بعود صغير,الأرض حزينة, لمْ تبك السّماء في شتائها هذا الذي تدفـّأ ,الشـّقوق تزيـّن الحقول وتملأ القلق في النـّفوس.
ياربّ أغثنا….ياربّ أغثنا…دعا الإمام وأطنبَ وردّدتْ معه الحناجر الضّمأى.قالَ مرافقي ونحن في السيّارة…سبحان الله….ما أدفأ الجوّ في هذا الفصل..لقد تخلىّ الشـّتاء عن برودته وثلجه ومطره..أتذْكرُ ألواح الصّقيع على قرميد البيوت…هيهات له أن يعود.
في باحة المنزل تيس هرم نخره الهزال,كان يفركُ الأرض علـّه يأكل بعضا من خشاش الأرض, يمشي وقد أثقل الجوع ممشاه,وفي عينيه دمع باد.ياربّ…مرّ شهرمنذ إستسقى الجمع ودعوا.زرقة السماء تملأ الأفق الممتد, كان التـّيس رابضا,لم يقو على المشي هذه المرّة,كانت أحزاني باديـّة وفي أعماقي دعاءٌ عريض ومناجاة لا تنتهي.عندما أقبلَ المساء كان التيس قد فارق الحياة تاركا آثار مسيره في باحة المنزل.
أقبلَ الليل بعتمته المخيفة التـّي أسدلها على الأفق, عمّ صمتٌ مميت الأرجاء عدا نباح كلاب القرية الضّمأى. أفقت ُعلى صوت يدوّي…تبيـّنتهُ..يا إلهي إنـّه الرّعد يسبـّح ربـّه,وملأ الأرجاء برْق ساطع,و أرسلتِ السّماء أولى قطراتها إلى الأرض لتـُضحِكَهـَا وتزيل عنها حزنها,كانت حبـّات المطر تنقر زجاج النافذة بقوّة…الحمد لله..كانت ساعة الحائط تشير إلى الثانية والنصف, عدت ُإلى سريري والفرحة تثلج صدري مبدّدة يأسي ويأس الحقول.
طلع النهار وأشرقت الأرض بنور ربـّها, كانت الفرحة تملأ القلوب وتنسج خيوطها على الأوجه, لقد أغاثها الله بعد قنوطها.
في الجوّ أسرابٌ وفي الحقول فـَراشٌ, خرجَ نملٌ كثير من جحوره ليشكر الله وليحتفل بغيثٍ جميل.عندما كنتُ أجولُ في باحة المنزل, كانت آثار مسيرالتيس قد أزالها غيث البارحة…وعاد الشتاء بعد أن ولـّى دفأه مدبرا.