أوجاع

 

خاص- ثقافات

*عز الدين جوهري

(1)

الحذاءُ الوحيدٌ المتروكُ عَلى الرَّصيفْ
يتسعُ لكل الخطواتْ
حَتى الشِّفاهُ
تَرتدِيهِ دُونَمَا ألَم.
(2)
ومَاذا يَضيرُ إن أقمتُ بِداخلكِ انتظارًا آخرَ
ريثمَا يمرُّ القَمرُ لأمنحهُ عَطشي ولُعابِي
وحَرائقِي السَّخية.

(3)
منذُ زمنٍ والغيومُ تتجوّلُ فِي ذَاكِرتِي
بَينمَا فِي الجوارِ مَطرٌ غزيرْ.

(4)
الأقوياءُ لا يأبهونَ بالعَواصفْ
النَّواعمُ فقطْ مَن يُصيبَهَا الذُّعرُ والاحتِبَاسْ
هَكذا قالَ ليَ: ألكسيسِ زوربَا.

 (5)
النَّومُ لا يتركْ شَيئًا يَمرُّ إلى اليَقظةِ
خذْ مثلًا التاريخْ

تَاريخنَا نَائمٌ
جُغرافيتنَا نائمةٌ
حتَّى العقلُ أخذَ أجازةً طويلةً

واستسلمَ للنَّومِ

و الضَّفيرةُ لمْ تعدْ مجدولةٌ كعادتهَا
أمَّا العِقدُ فانفرطَ
ولم يعدْ
يَجمعنَا سِوى النَّومُ المُقدّسْ.

 (6)
وحدثَ أن داسهَا الظلُّ العتيقُ
عَلى خدِّهَا الأيمنِ
فانتَبذَتْ
شَامَة شَرقيَّة
و أغنيةً طَواها الرَّمادُ
وحدثَ أن صارَ الرَّمادُ حِنطةً
وحدثَ أن استلفهَا الحلمُ

فأنبت سَبع سنبلاتٍ صفرٍ
وأخرَ خضرٍ بائسات القدِّ.

(7)
أثناءَ البَحرِ وهبتهَا للمَوجِ

 كَي أستَعيدَ عَافِيتِي.
(8)
الوجعُ بالٌ طويلٌ..يَستميتُ حتَّى الفناءْ.

 (9)

الضوءُ متعبٌ مِن فَرطِ السَّهرِ
بَينَمَا العُتمة تَنتظرُ نِصفَ إغماضه كيْ تزيحهُ من السِّباقْ.

(10)

أعرفُ أنّ عملًا طَويلًا ينتظرني حينَ أمرُّ عَلى نومكِ الرّائعِ
سأفتحُ الأبوابَ بعطركِ
وأرشقُ الأنهرَ بحبّةِ نوركِ الجليلْ
ثمّ أهبُ عذوبتكِ للبحرِ الميِّتِ

كَي يستعيد حيتانهُ ويستأنف الحياةْ.

 (11)

أيَّتهَا الحجارةُ العاريةُ تقدَّسَ رأسكِ البَادي باللهبِ
هذَا طبليَ ومزماريَ

فجيئيني بالمطرِ العظيمِ، كيْ تنموُ مشيئتيَ

ومدِّ ليَ أيَّتهَا السِّدرةُ

مفتاحَ الدَّربِ الجاري في دمِ القلبِ
لأطردَ نحسَ قوميَ فهمْ لا يعلمونْ.

(12)

الأطفالُ لا يأتونَ باكرًا لمراجعةِ الهمِّ
في بالهمْ وقتُ آخرَ يضعونَ فيهِ بيضهمُ الثّمينْ.

(13)

تدحرجَ الكلامُ إلى الصفِّ الأخيرِ
ولم يعدْ يفصلهُ عن خلخالِ قلبهِ سوى قبيلةٌ واحدةٌ،

ترسمُ لهُ ما وُريَ في البالِ

كلّما استيقظَ رنَّتْ في قلبِهِ جذوع النَّخلِ،

وحفَّتهُ الملائكةُ برقمٍ جديدْ. حَيثُ لمْ أكنْ فِي البَالِ

هنَا حيثُ لا أدريَ كمْ مِن الأعوامِ

 يَصيرُ الدَّمُ نايًا
وكمْ منِ نِسيانٍ رَمتنيَ

حَيثُ لمْ أكنْ فِي البَالِ
وابتعدتُ كَيْ لا يَراني الظِلُّ
أعْلكُ الوقتَ المُتراكمَ فِي القَلبِ
أُرَتلُّ نَشيدَ يُونسَ فِي بَطنِ الحُوتِ

وأغنِّي كَي تَرانِي وأرَانِي

حَاملًا ذُرى الوَقتِ عَلى أكتَافِي
وأمْضِ
نَحوَ لَيلٍ عَابسٍ
وَ نَجمةٌ لا تُضيءُ
فِي دَمِي نَخلةُ العِراقِ
وعَلى سَاعِدي كَومَةُ ضَوئِي
وحَقائبٌ فِي البَالِ

 يَا بُروقِي المُنغَمسَةِ فِي السَّحَائبِ
إنَّ
لي يَدين

دَمينِ من حَجَرِ الأرضِ
سَريرَين لِغيمةٍ تَائبةٍ
ومِلحٌ عابرٌ فِي العُيونْ
فَمنْ أيّ الجِهَاتِ يَا أبتِ

غمَّستِ الشَّمسُ ضَفيرتَهَا فِي طيرٍ

مهاجرٍ نحوَ الشِّمالِ؟

ومِنْ أيِّ نَبعٍ
شَربَ الوَقتُ منْ وَقتِهِ؟
طَلقَتينِ مِن فَم الحلمِ كنَّا
وعلى مدِّ المَوتِ المُتراكمِ فِي قَبضتَينِ

يَا حَجرَ الضِّفافِ الوَاسعةِ إنَّ ليَ

تسعٌ وتِسعُونَ ميتةً

وهذَا نبضيَ المائةُ

فاذبحِي ليَ أيَّتها السَّكاكينُ النَّائيةُ

مَاءكِ الطريَّ

واشْرَحِي صَدري كَي تَنفَتِح الغَيمةُ

وَطنًا مَغزولًا بِالصَّدى
لأجيءَ متوَّجًا بعينيكِ

الطَّالعتينِ مِن مطرٍ حنونْ.

نعاس

 (1)

 من اسمي سقطتْ النَّيازكُ والأحراشُ
والغاباتُ الكثيفَة
سقطَ الجبلُ العظيمُ الذي يحملُ عَلى كتفيهِ همَّ السُّفوحْ
ولمْ يذر للرّيح التي بداخلي ربيعًا واحدًا
يقيني احترارَ الأرصفةِ.

(2)

أنا هنَا أيَّتهَا الشّمسُ التي فِي السّماء
انزعي ثيابكِ الصُّوفية
والقي بنفسكِ في عينيَّ الباردةِ

ويا أيُّهَا القمرُ الدّائر في يدي مثلَ خلخالٍ قديمٍ
سأفركُ لكَ سنبلةَ القلبِ
كي تصيرَ فرحًا عابرًا في الشُّقوقْ
وكي أصيرَ أنا منذُ نوحٍ وعادٍ
ومنذُ العيونِ التي ما أبصرتْ

سوى طيرٌ يغادرُ نحوَ الشمالِ
هازئًا بأحلامِ الجنوبْ.
(3)
وإنِّيَ رأيتُ واديًا متينًا يطيرُ
وحينَ غَافلهُ النُّعاسُ
ارتدَّ عَلى عَقبَيهِ هَازئًا باليَقظَةِ.

(4)
حتى العشبُ صارَ يئنُّ من فرطِ الهبوبِ.

(05)
وحِين التَّلةِ
رسمتُ حُزنيَ نملةً واختفيتُ
كَي لا يجْرحَنِي نوَّ الظُّلمِ والعَذابْ.

(6)
ها وهبتكَ أيُّها البَحرُ ذاكرتيَ
لك كلّ مَا حَوتهُ

من جبالٍ

وكهوفٍ

 ومغاراتْ
لكَ بداوتهَا
و روائح التِّبنِ
والنِّعاجُ والخرافُ
وفحول العجلِ
لكَ وزنهَا الزائد
خذهُ لأقربِ حَاوية.

(7)
النَّائمونَ يَسيرونَ بأعينهمْ نَحوَ القممْ
لأنَّهمْ أبْصرَوا فِي عَمَاهمْ طائرَ العَنقَاءْ.

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *