الاعتراف

خاص- ثقافات

*إبراهيم مشارة

منذ أن نشر تلك المقالة ينتقد فيها أحد المسؤولين على تعسفه في استعمال السلطة  على صفحات جريدة إلكترونية لم يهدأ له بال ،في البداية كان حماسه يدفعه إلى الكتابة والتنديد وكان يقول لنفسه في نفسه : الساكت عن الحق شيطان أخرس
لما نشر المقالة انسحب الحماس وحل محله الخوف
قال في نفسه سيقبضون علي!
حين يقف أمام النائب العام أمام مكتبه الفخم وحركاته الصارمة ونظراته الباردة سيحس بالانسحاق بالتضاؤل سيكون كنملة ،كبعوضة أمام هرم كبير سيتلاشى الكلام تنسحب على ملامحه آثار الجريمة :
مخرب ،متطاول على الرموز قصد الشهرة
فكر إنه لا يطيق الأماكن الضيقة  مصاب برهاب المساحات المغلقة
ردد في صوت أسيف:
سأموت في أول يوم بمجرد دخولي الزنزانة أحس بالاختناق تتسارع دقات القلب يشتد الشهيق والزفير ألم ناحية السرة  تعرق فقد التركيز  ثم الموت . ليتهم يسجنوني في الساحة!
نخسه  صوت غريزي باسم زوجته  وابنته ،احتمل الألم.
صار يهذي كل حين يطل من الشرفة ربما توقفت السيارة المدنية يخرج منها رجلان يرتديان نظارتان سوداوان عليهما سيماء الصرامة والقسوة يصطحبانه في هدوء إلى داخلها،يلاحظ الجيران ذلك  يالمفارقة!
يعرفونه رجلا مستقيما بيته وشغله حتى المقهى لا يدخله إلا لماما
هتك عرض، تبييض أموال، حشيش……. ربما هكذا يحدسون
تذكر أنهم  لا يقبضون على من يكتب  من يعارض إلا في الليل في منتصفه ومن أجل ذلك قضى ليلته الأولى بلا نوم تقريبا بات  ينتظر سماع صوت السيارة وهي تتوقف أمام منزله أطال النظر في وجه زوجته خدها محمر شهيقها وزفيرها منتظمان  قبل  ناصيتها وخرج إلى الغرفة حيث ترقد ابنته الوحيدة احتضنها وقبلها طويلا وانصرف في هدوء .
هكذا إن قبضوا عليه سيكون أهله آخر من رأى أفضل من أن يقبضوا عليه في الشارع.
لما أخذ منوما حبة كاملة مع أنه تعود على نصف حبة  بعد وقت فعل المنوم فعله تخدر ثقلت حركته انتشى قليلا  تذكر الجنائن الاصطناعية  لبودلير جنته هو حين تثقل حركته يهدأ رأسه تحط طيور فكره الملتاعة على أفنان السكينة وينام.
حين خرج في الصباح تأمل الشارع برمته لعل فيه سيارة غريبة متوقفة بداخلها شخص يقرأ جريدة على عينيه نظارة،شخص غريب لا عهد له به في الشارع ينظر نظرة محترفة  حين رأى شاحنة شركة الكهرباء ورأى رجلا يمتطي السلم لاستبدال المصباح شك في الأمر لماذا يستبدلونه الآن تحديدا ،منذ أيام والشارع يغرق في الظلام؟
فقد التركيز لا حظت زوجته  وابنته شروده ،كثرة إطلالته من الشرفة كثرة تفقده للهاتف وكأنه ينتظر مكالمة ليس من العسير معرفة رقمه وشتمه وتهديده فهم يعرفون ما كان وما يكون!
في حالته تلك قرر ألا يذهب إلى العمل فهو منهك  بالرغم من أنه نام قليلا وجهه مصفر تركيزه قليل واضح للجميع أنه يعاني أمرا.
فكر أنهم سيعذبونه كثيرا إن لم يبادروا بالقبض عليه لا يستطيع البقاء هكذا طويلا ساعات مرت عليه طويلة كأن الزمن تجمد.
إنه فريسة محاصرة تنتظر الإجهاز عليها رأسه يكاد  ينفجر كلما رن هاتفه التاع صرف مكلمه بقلق
على مائدة الغداء كان شاردا يأكل قليلا حتى الشهية فقدها إنه يؤانس زوجته وابنته فقط ويدفع عن نفسه التهمة بالشرود وتقلب الحال وعلى المائدة
رأى أن يكتب  إلى تلك الجريدة يخبرها أنه مهدد محاصر لعله يجلب تعاطفا  دوليا  معه لابد له من حماية لم يجرؤ على ذلك هو متعود على الهدوء لا يطيق صخب الإعلام ،فضول الناس…….
ليلة أخرى لم ينمها رغم المنوم ونفس الأشياء فعلها حين سمع صوت سيارة قادمة أجفل قلبه خرج إلى الشرفة كانت شاحنة عمال النظافة تجمع أكياس القمامة تنفس الصعداء حدق في السماء بدا له  ضوء  النجوم مرتعشا كثيرا سمع مواء وتعارك  قطط أمام بقايا الفضلات حدجها بنظرة حاسدة .
استلقى على السرير كانت الزوجة تغط في نومها تقلبت على جنبها خدها دائما محمر شهيقها وزفيرها منتظمان ، حدق في سقف الغرفة بما بقي فيه  من تركيز فالمنوم خدره لكنه لم ينمه في السقف رأى صورة الفأر حين تلدغه أفعى  وتبقى الأفعى  تنتظر موت الفريسة بعد شللها لتجهز عليها ذاك زمن معلوم محسوب….
حين طلع النهار قام من فراشه تساءل هل نام حقا؟ ، حاول أن يتذكر هل رأى حلما ؟ كان متعبا كأن لم ينم تذكر الأفعى والفأر فتح جهاز الكمبيوتر طبع المقال ووضعه في جيبه قبل زوجته في ناصيتها استغربت لم يعلق احتضن ابنته وأطال ذلك صفق الباب وخرج .
كان يلاحظ وجوه الجيران وهو يلقي عليهم التحية لعل في ردهم شيئا غريبا لعل في نظرتهم ما يريب قال في نفسه فليرتابوا انتهى كل شيء أكمل المسير لا يستقر على حالة ولا على فكرة إلا على قرار واحد.
اقترب من مقر الشرطة ألقى التحية على الشرطي الواقف لم يدخل في حياته مقرا لهم  أخبره أنه يريد الإدلاء بشي خطير خاص.
ساقه الشرطي إلى حجرة الضابط المحقق جلس على كرسي أخرج المقال واعترف بكل شيء.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *