نقاد يبحثون في ثوابت الرواية ومتغيراتها

بيروت- «الرواية العربية المعاصرة: ثوابت ومتغيرات» كتاب حرره وقدم له الناقد العراقي نجم عبدالله كاظم وصدر حديثاً عن دار كتارا وشارك فيه النقاد: حسين المناصرة، سمر روحي الفيصل، عبد الحق بلعابد، عبدالله ابراهيم، رزان ابراهيم، عائشة الدرمكي، عبد الرحمن بو علي، معجب العدواني. وكتب تصديراً له الناقد خالد عبدالرحيم السيد. ويبدو الكتاب الجماعي هذا، في زمن رواج الرواية مدخلاً أساسياً إلى قراءة توابت الرواية العربية والمتغيرات التي طرأت عليها وتطرأ.

وكما يشير الناقد نجم عبدالله كاظم يسعى هذا الكتاب إلى رصد أو تناول ثوابت ومتغيرات في جل جوانب الرواية العربية المعاصرة، مقارنةً مع واقع الرواية العربية ما قبلها. وقد تم اختيار مجموعة من خيرة نقاد الرواية العربية ودارسيها والباحثين ليتناول كل واحد منهم جانباً من جوانب الرواية العربية المعاصرة: الموضوعات وما يتفرع عنها من رؤى ومعالجات وأفكار، والفن وما يتفرع عنه من بنى وتقانات، وكل ذلك في ظل واقع متحقق في هذه الرواية، وما يشتمل عليه من ثوابت في الرواية العربية، ومتغيرات تجاوزت هذه الرواية فيها ما كان، وصولًا، أحياناً ومتى ما كان ذلك ممكناً، ما يمكن أن يكون استشرافاً لواقع هذه الرواية في المستقبل القريب، ولو على سبيل الاحتمال والممكن. وهكذا كان أن تمّ اختيار ثمانية باحثين ونقاد عرب تناول كلّ واحد منهم موضوعاً.

تنطلق منهجية البحوث عموماً من فكرة الكتاب وهدفه، وبالتالي فهي تتلخص نقاط عدة منها: مداخل نظرية عامة من جهة وضمنها خاصة تتعلق في كل بحث بما يبحثه، رصد حالة أو وضع أو ظاهرة أو خصيصة أو مظهر في الرواية العربية خلال العقدين الأخيرين، والتنظير لذلك أو في ضوئه، تناولُ مجموعةٍ من الروايات العربية المختارة في ضوء هذه الرؤية باشتراطاتها أو مقوماتها، الخروج بنتيجة أو نتائج ستعني شيئاً أو تشكل جانباً بالتأكيد في رؤية الرواية العربية المعاصرة أو توصيفها، وفي كثير من الأحيان ما يمكن أن تكون عليه الآن أو مستقبلاً. وهكذا وفي ذلك كله واضح أن الكِتاب ينظر إلى الرواية العربية كما كانت، وكما تقدمها العشرات أو المئات من الكتب البحثية والنقدية، ومنها كتاب «الرواية العربية في القرن العشرين»، ثم ما صارت عليه أو في ما هي في حال صيرورة في اللحظة الحاضرة لتكونه في ظل واقع ما نراه ثوابت ومتغيرات في الرواية الحاضرة مقارنة بالرواية التي كانت، وبما يعني أنها لا بد أن تكون متغيرة أو مختلفة، ولكنها قطعاً ليست منقطعة عما كانت، وأخيراً ما قد تراه البحوث ورؤى كتّابها من رؤى مستقبلية. إذا كانت هناك ظواهر وخصائص وأشكال وموضوعات ومعالجات أخرى جديدة أو تجددت في الرواية المعاصرة مقارنة بالرواية من قبل، ولا بد أن يكون هناك مثل هذا بالفعل، أي التي يدرسها مؤلفو الكتاب، فنحسب أنها في الغالب مما يتفرع من هذا الذي يدرسونه أو له علاقة به.

في الدراسة الأولى للقسم الأول والكتاب، «الفصاحة السردية المفهوم وبعض نماذجه التمثيلية»، ينطلق الناقد عبدالله إبراهيم من فهمه النظري للفصاحة السردية وما تمثله الفصاحة للسرد، وفي النتيجة ما تفعله من أجل أن يؤدي السرد وظيفته، «فمن أجل أن يؤدّي السرد وظيفته في تمثيل الأحوال العامة والخاصة يُشترط فيه الإفصاح عن مقاصده، والإبلاغ عن مراميه، وذلك جوهر الفصاحة السردية».

أما الناقدة عائشة الدرمكي فسعت إلى تقديم ممكنات السردية في النص الروائي العربي المعاصر. وهي تنطلق في هذا من حقيقة أننا عندما نتحدث عن العوالم التي يبنيها النص السردي ويؤسسها ضمن علاقاته الداخلية والخارجية، فإنه لا بد من الحديث عن «السُّنن» Codes، لأن النص لا يستطيع بناء تلك العوالم دونما تسنين، فهي عملية تتم «من خلال ما يفرزه السلوك اليومي من أشكال للوجود، تتجاوز في نمط وجودها النسخ المتحققة. وهذه الأشكال لا تدرك إلا من خلال موقعها ضمن السلوك المتحقق من جهة، ومن الوجود المجرد كإمكانات للتحقق من جهة ثانية».

في القسم الثاني من الكتاب، يعبر الناقد عبدالرحمن بو علي، من البداية، عما يريد تقديمه في دراسته حين يقول: «تتوخى هذه الدراسة تتبُّع مرحلة مهمة من مراحل الرواية العربية سمّيناها «راهن الرواية». ولقد انطلق فيها أولاً ممّا راكمته الرواية العربية من تجارب، وثانياً من الفكرة أو المقولة الأدبية القديمة التي راجت وما تزال في الحقل الأدبي العربي وفي مجال الرواية بالتحديد، وهي أن الأدب العربي ينشأ في أحضان المجتمع، ومنه ينبثق فنّاً ورؤى.

الدراسة الثانية، من القسم الثاني، «الرواية العربية المعاصرة بين ثبات البنية ومتغيرات الشكل»، التي كتبها الناقد عبدالحق بلعابد، وكما يكشف عنوانها بشكل واضح، تنظر في ما يراه ثباتاً في البنية ومتغيرات في الشكل. وفيها يقتحم الباحث ما يراه حداثةً وتجريباً في الرواية العربية المعاصرة، لم يكن ليمكن الكشف عنه أو إثباته وتفحّصه دون الدخول التطبيقي في هذه الرواية، نعني تناول نماذج من الروايات العربيةً.

انتقالاً إلى دراستَيْ القسم الثالث من البحوث وهو «في الرؤى والمعالجات»، يعالج الناقد معجب العدواني، في الدراسة الأولى منهما «أشكال التناص مع الموروث ووظائفه في الرواية العربية المعاصرة 2001-2016»، ظاهرة أو أسلوب التناص في الرواية العربية المعاصرة، ويتبيَّن أن بحثه «يهدف إلى تقديم ما يميز توظيف التراث في الرواية العربية المعاصرة بعد عام 2000، ومراجعة اختلاف طرق بناء ذلك التوظيف… ليحدد أبرز الوظائف الجديدة التي استهدفها الروائيون العرب في الألفية الجديدة.

ويهيمن على ثاني دراستَيْ القسم الثالث، «سؤال العنف والتطرف في الرواية العربية في مطلع القرن الواحد والعشرين»، فقد كان من الطبيعي، وتمشياً مع موضوع البحث، أن تهيمن الدراسة التطبيقية هيمنة شبه مطلقة عليه، ولذا كان رجوع الباحثة رزان ابراهيم إلى عدد ليس بالقليل من الروايات العربية من جهة، والتفصيل في تناول معظمها من جهة أخرى. ومع سعة مساحة مثل هكذا دراسة تتناول الرواية العربية في مرحلة زمنية هيمن العنف والإرهاب والتطرف على الواقع العربي، وفي النتيجة على اهتمامات رواية المرحلة.

لم يكن الكتاب ليتناول الظواهر المهمة التي تنطوي عليها الرواية العربية المعاصرة، من دون التوقف عند الرواية النسوية، لما شكلته هذه الرواية، في العقدين أو الثلاثة الأخيرة، من ظاهرة بائنة، فجاء بحث الناقد حسين المناصرة، الذي قصر دراسته على تجلية بعض الرؤى والجماليات من منظور الكاتبة النسوية ذاتها المثقفة بالضرورة في كتابتها، في المباحث الآتية: المرأة الضحية، والمرأة الأخرى (كره النقيض)، وتهميش الرجل وتشويهه. ووجد الباحث التناول التطبيقي التفصيلي والشامل خير وسيلة لتقديم الصورة أو الصور التي قدمت فيها الرواية النسوية صور المرأة في الرواية العربية المعاصرة.

ومع ما هناك من تحفظات على القول بأسلوبية الرواية، يقف الناقد سمر روحي الفيصل وقفة أسلوبية وسعى في بحثه إلى الإجابة على سؤالين رئيسين هما: ما دامت الرّواية العربيّة تستعمل اللّغة العربيّة، فما طبيعة هذا الاستعمال في حاضر الأسلوبيّة العربيّة؟ وما الرّؤية الممكنة لمستقبل اللّغة العربيّة في هذه الأسلوبيّة انطلاقًا من حاضرها الرّوائيّ؟

ويقول الناقد نجم عبدالله كاظم في ختام مقدمته: «في النهاية، إذا ما وصلت أو توصّلت بحوث الكتاب إلى نتائج معينة، وكما أشرنا ضمناً من قبل، فإن إحدى هذه النتائج، إذا ما جاز لنا أن نعدّها نتيجة، هي فتحها أبوابَ دراسات أخرى لا يمكن إلا أن تصل إلى نتائج أكثر، وهو ما أردنا لكتابنا أن يستهدفه، وأن يقدم صورة شاملة قدر الإمكان لصورة الرواية العربية الآن من جهة، وتفتح بحوثه أو دراساته أبوابًا لدراسات أخرى. وكل هذا في ضوء ما سعينا إلى التوفر عليه من عامل الإمتاع: الإمتاع في الكشف والوصول إلى نتيجة، والإمتاع في فتح أبواب للآخرين للوصول إلى نتائج أخرى».
_______
*الحياة

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *