الرواية الأفريقية نافذة على السحر الأسطوري

الإسكندرية (مصر) – شهد “أتيليه الإسكندرية” أخيرا ندوة لمناقشة كتاب “الرواية الأفريقية.. إطلالة مشهدية” للناقد والباحث شوقي بدر يوسف، في لقاء أداره الشاعر جابر بسيوني، وشارك بالمناقشة فيه كل من الناقد محمد عطية محمود، والناقد شريف عابدين.

استهل شوقي بدر يوسف حديثه عن كتابه، الصادر حديثا عن وكالة الصحافة العربية ـ ناشرون بالقاهرة، مشيرا إلى أهمية العمل البحثي في مثل هذه الكتابات التي يعد خوضها مغامرة على مستويات الموضوع وآلية البحث والنقد ومن ثم التنقيب عن الجذور الحقيقية، في حقل بحثي متخصص لم تلتفت إليه أقلام الباحثين المصريين إلا نادرا.

ورأى بدر أن محاولة وصف الأدب الأفريقي كمصطلح يثير مشكلة فنية، وجدلا كبيرا حول طبيعة هذا المصطلح. فما هو الأدب الأفريقي؟ وكيف نحدده؟ أهو أدب منطقة جغرافية بعينها أم أن هناك بالفعل واقعا إبداعيا أفريقيا له أبعاد جغرافية قارية تدفعنا إلى البحث عن التعريف الواضح الشافع لهذا المصطلح الملتبس في معناه ومبناه؟

وأضاف ”لقد وضعت هذه الإشكالية موضع البحث في مؤتمرات أفريقية كثيرة، كثر الجدل حولها دون أن ينتهي إلى حل مرض لها”، وعن مدى التصاق الأدب الأفريقي بالواقع الإنساني، قال “يكفى هنا أن نقول إن الأدب الأفريقي هو الأدب الذي يصّور واقعا أفريقيا في كل أبعاده، ولا تشمل هذه الأبعاد أوجه الصراع مع قوى خارج القارة فقط، بل تشمل أيضا وعلى وجه الخصوص أوجه الصراع داخلها. وأقصد أن كلمة الصراع هنا تتمحور حول المعنى الثقافي المتمثل في الملاحقة، والمتابعة وراء سلطة المصطلح ومحاوره المختلفة”.

وفي ورقته التحليلية الراصدة لفصول الكتاب، يقول الناقد محمد عطية محمود “تعد الرواية الأفريقية حقلا سرديا ثريا يتوازى مع أهمية ما تعطيه القارة الأم التي مازالت بكرا وقابلة لإثارة الدهشة من خلال اكتشاف كنوزها وآثارها وتراثها الشفاهي والمقروء. ففي هذا الكتاب المرجعي تتجسد إلى حد كبير الرؤية إلى الطموح المتزايد الذي تدخل به الرواية الأفريقية غمار الإبداع العالمي الذي يعبر عن وجود الإنسان أينما كان، ولا شك أن الخصوصية الإبداعية التي تتميز بها الكتابات المعبرة عن البيئة والتضاريس والتراث والمناخ والمكان الأفريقي، تعطي هذا الأدب وهذه الكتابة تذكرة المرور إلى الوعي العام بوجود الإنسان وإشكاليات وجوده”.

كما يتنقل عطية في فصول الكتاب معرجا على أهم السمات المرتبطة بالواقع والمجتمع، مع تأصيل فن الرواية في القارة السوداء، بحسب الكتاب، على المستوى النقدي المرتبط قائلا “ربما كانت تلك هي العلاقات التأسيسية أو المحطة المهمة التي أقام عليها الكتاب بنيانه المتنامي الذي يعرج به على الإصدارات النقدية التي أسهمت في التأريخ للأدب الأفريقي بعامة والرواية بخاصة، والتي شكلت في معظمها جُل المراجع البحثية التي استند إليها الكتاب في توثيق حركة الأدب والرواية في أفريقيا على المستويين المحلي والعالمي المواكبين لها”.

وتحدث عطية عن الناحية الاجتماعية الموازية لكل طقوس الحياة المرتبطة بالوعي الإنساني بكافة، حيث قال عن العلاقة بين سوسيولوجيا الحياة، وهوية السرد الروائي بالكتاب “من المحطات المهمة في الكتاب ارتباط الرواية الأفريقية ارتباطا وثيقا بمصطلح سوسيولوجيا الحياة من خلال صياغة تراكمات الحياة ومراحل تطورها وارتباطها الوثيق بحركة المجتمع والحراك الناجم عن ممارسات الشخوص بتركيباتهم المتباينة (الحالة الاجتماعية المتشابكة) وإبراز القضايا الاجتماعية والإشكاليات والأحداث المرتبطة بحركة هذا المجتمع الذي يكون مادة خصبة للروائي يتفاعل معها وبها من أجل تقديم عمل روائي زخم”.

إن ما يشكل رافدا مهما، بحسب عطية، من روافد تأثير الرواية والروح الأفريقية التي تعيش حالة من حالات الطموح المتزايد، والرغبة المستمرة في كسر الطوق والخروج الدائم نحو النور والحرية، تلك العوامل والإحداثيات المتغايرة التي تسير معها العملية الإبداعية المرتبطة بكيان كبير يجمع بين موسوعية الرواية ومرجعيتها الوثيقة الحافظة للتاريخ بحس إبداعي، وبين إحدى الركائز الضخمة للحضارة والوعي الإنساني والبيئي متمثلا في القارة السمراء التي مازالت بكرا، وقادرة على إحداث الدهشة والعطاء.

كما جاءت الورقة التي عرضها شريف عابدين للكتاب مواجهة للتيارات والنقاط المهمة المؤثرة في نسيج الكتاب المهم من خلال عدد من التقنيات والسمات التي ترصدها الورقة وتتبعها، حيث يقول “في إطلالة مشهدية واسعة، يكشف لنا الكتاب الكثير من أسرار الرواية الأفريقية التي يصب منجزها المعاصر الآن بشكل لافت في مشهدیة الأدب الأفريقي والعالمي في حداثته الآنية. فالأدب الأفريقي استحق القولة القائلة ‘إذا كان أدب أميركا اللاتینیة قد أتى لنا بالواقعیة السحریة فإن الأدب الأفريقي قـد أتى لنا بالسحر الأسطوري في الأدب‘، ذلك السحر الذي تحفل به الأساطير الأفريقية في شتى أنحاء القارة، والتي تتردد لمئات الأعوام أثناء سرد الحكايات التي استمدت موضوعاتها من الأدب والأساطير الشعبية المتجذرة في قلب الإنسان الأفريقي، وانتقلت بالمشافهة في محكيات ومرويات ليالي السمر في حفلات القبيلة ومنتديات الإنسان الأفريقي في كل مكان”.

كما يستطرد عابدين “لم يخل الأدب الأفريقي من تأثيره الواضح، حيث اعتمد الراوي الأفريقي على الموروث الشعبي الحافل بالأساطير واستخدام عجائبية السحر والخيال الحكائي الواسع، واللغة السردية المبسطة والمباشرة وتحرير العديد من الأعمال الروائية بكل ما تحمله من ثقل التجربة الأفريقية المتجذرة بين الشعوب والقبائل الأفريقية في الريف والغابة والمدينة”.

___________
*العرب

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *