*عبده وازن
مهما دار الكلام عن مصادرة كتب في معرض هنا أو قرصنة عناوين في معرض هناك أو عن انحسار في المبيع وتراجع في عدد الزوار أو عن مبالغة في المظاهر وضخامة في الحجم… تظل معارض الكتب العربية التي تتوالى مع بدء الخريف في العواصم والمدن، ظاهرة فريدة أدبياً وثقافياً، في عالم عربي يعاني أصعب الظروف وأعقدها في السياسة والأمن والاقتصاد… تظلّ هذه المعارض، على رغم ما يكتنف عالم الكتاب من مصاعب وعقبات في النشر والتوزيع والتسويق، فسحة لقاء وحوار، فسحة تلاق وتعارف، ليس بين الكتّاب والقراء فقط بل بين الكتّاب العرب أنفسهم الذين باتت تفصل بينهم خطوط الجغرافيا والحروب والمنافي. بل قد تكون هذه المعارض في ندواتها المفتوحة ولقاءاتها ومقاهيها، الحيّز الوحيد الذي يجري فيه النقاش الحيّ حول الأدب والفكر والثقافة والكتابة وسواها، وفيها يلتقي الكتّاب العرب وجهاً لوجه، وليس عبر الـ «فايسبوك» أو الإنترنت، ويتبادلون الآراء والمواقف. إنها الساحة أو «الأغورا» العربية الأخيرة التي يجتمع فيها الكتّاب على اختلاف مشاربهم ومواقفهم، متنعمين بجوّ من الحرية المعتدلة والألفة.
تكاد هذه المعارض تحلّ محلّ المكتبات التي كانت في السابق تمثل مرجع الكتّاب والقراء الباحثين عن العناوين الجديدة في عالم النشر، لا سيما بعد الأزمات التي تعانيها المكتبات العربية والتي جعلتها تنحسر، أو تقفل أبوابها. بات القراء العرب في كل المدن ينتظرون موسم المعارض ليجولوا على الأجنحة ويختاروا منها ما يشاؤون من كتب ينتظرون وصولها. وغالباً ما يبرز في المعارض مشهد «التبضع» وكأنها سوق موسمي قائم. وحتى الآن، لم يستطع الشراء عبر وكالات البيع الإلكتروني، على رغم شيوعه ظاهراً، أن يؤثر في حركة المعارض أو حتى ما بقي من مكتبات. فالمعارض تملك سحرها و «طقوسها» تجذب جمهوراً غفيراً يتوزع بين زائرين وشراة حقيقيين. ناهيك بالبرامج الثقافية التي ترافق أيام المعارض ولياليها والتي تمنح هذه المعارض سمة فريدة، أدبية وثقافية.
واضح أن معارض الكتب العربية تحيا حالاً من التنافس، مضمراً ومعلناً، وخلال السنوات الأخيرة استطاعت بضعة معارض أن تحقق تقدماً لافتاً جداً، سواء تقنياً أو «لوجيستياً» أو شكلاً، بالغة مصاف بعض المعارض الدولية. ومعروف أن معرضين مثل معرض أبو ظبي والشارقة استفادا كثيراً من خبرات معارض عالمية وفي مقدمها معرض فرنكفورت، فتمكنا من تحديث مفهوم «المعرض» وجعله سوقاً مفتوحاً لا لعرض الكتب وترويجها فقط بل لحركة النشر الدولي وتوقيع اتفاقات الترجمة وشراء الحقوق والإصدار المشترك. وهذان المعرضان استحقا فعلاً الصفة «الدولية» مبدئياً، فهما شبه الوحيدين اللذين يستضيفان كتّاباً من العالم وإن طغت الصبغة الآسيوية في أحيان على هؤلاء الكتاب الضيوف. بل هما الوحيدان اللذان يصران على الاستضافة الشرفية للدول الغربية ليس ظاهراً وشكلاً بل عبر كتاب هذه الدول وبعض ظواهرها الأدبية. ولعل ما يساعد مثل هذين المعرضين على تحقيق طابعهما الدولي، هو القدرة المادية التي يتمتعان بها على خلاف معارض أخرى عريقة تفتقد إلى الدعم والرعاية الرسميين. معرض بيروت الأعرق عربياً على سبيل المثل، أصبح عادياً جداً ولبنانياً جداً وبات يفتقد حتى إلى وجهه العربي. ولعل هذا أيضاً حال معرض بغداد ودمشق والأردن وتونس والجزائر…. الأزمات المادية التي تعصف بهذه البلدان تؤثر كثيراً في حركة بيع الكتب. أما معرضا الرياض وجدة فهما «بوصلة» الناشرين العرب ومحط اهتمامهم. إنهما سوقان حقيقيان للكتب، حتى في الظروف العصيبة، وفيهما تبلغ حركة الشراء أو البيع ذروتها عربياً. هذا أصلاً ما يعترف به الناشرون العرب أنفسهم. إنهما معرضان للقراء، ينتظرونهما عاماً تلو عام، ليقتنوا كتبهم التي لا تصل إلى المكتبات بسهولة خلال أيام السنة.
المأزق الذي يظل يؤرق الناشرين والقراء معاً هو مأزق الرقابة. معظم الدول العربية ما زال يصرّ على ممارسة الرقابة داخل المعارض أو خارجها. وما فات أجهزة الرقابة ويفوتها أو تتجاهله دوماً، أن المنع بات صعباً بل مستحيلاً في زمن الإنترت.
_______
*الحياة
مرتبط