عندما ضرب إعصار إيرما مدينة كي ويست في ولاية فلوريدا، تحطم منزل المؤلف شيل سيلفرشتاين التاريخي. فازدادت المخاوف بشأن منزل آخر في ذات الحي يعود للكاتب والمؤرخ، بروستر شامبرلين.
واجتاح القلق والغضب صديقته ساندرا سبانيير أيضاً، ليس لأنها كانت تخشى على حياة السيد تشامبرلين، فحسب، حيث احتمى من الإعصار في منزله مع زوجته، ولكن أيضاً لأنهما يتقاسمان معرفة اكتشاف لا يعرفه إلا قلة من الناس.
ففي شهر أيارالماضي، عثرت هي وتشامبرلين على دفتر يحوي قصة إرنست همنغواي القصيرة الأولى – وهو العمل الذي لم يكن معروفاً من قبل، كتبها همنغواي وهو في عمر 10 سنوات، وتم حفظها في أرشيف عائلة بروس، وهم أصدقاء لعائلة همنغواي لمدة طويلة. ولم تمر إلا بضعة أشهر بعد العثور على ذلك الدفتر البني الملون الذي يحتوي على القصة، حتى اصبحت هذه القطعة النادرة معرضة لخطر التلف والضياع . وقالت السيدة سبانييه، المحررة العامة لمشروع رسائل همنغواي، وأستاذة اللغة الإنكليزية في جامعة ولاية بنسلفانيا: “لقد شعرت بالرعب حقاً”.
في يوم الأربعاء 27 ايلول، عاد شامبرلين ليتفقد الأرشيف في حي البلدة القديمة في مدينة كي ويست. مشى بين الأشجار الساقطة والحطام ليكتشف السيد تشامبرلين “إن الارشيف في حال جيدة”. وبينما سقطت العديد من الاشجار الكبيرة على عدد من المباني “لم يتعرض المبنى الذي يضم الأرشيف الى أي ضرر على الاطلاق”.
وكان دفتر الملاحظات هناك، دون أن يصاب بأذى، مدسوس داخل حقيبة بلاستيكية مكتوب عليها بالقلم الاسود 8 ايلول 1909″.
ولكن انتقال هذا الدفتر من مسقط رأس همنغواي في أوك بارك، ليحط الرحال في أحد الصناديق في مدينة كي ويست هو قصة أخرى. فقد كان همنغواي أفضل من يؤرخ لأحداث حياته الشخصية، وافضل من يحتفظ بمقتنياته وأغراضه الشخصية فلم يحتفظ فقط بالصور والرسائل، ولكنه كان يحتفظ أيضاً بالإيصالات، والتذاكر، وصور الأشعة السينية لأسنانه، ودفاتره المدرسية، ومجلات لعبة مصارعة الثيران الأسبانية وغيرها الكثير. وعندما توفي همنغواي في عام 1961، ترك وراءه عشرات من المواد المنتشرة في أماكن مثل كي ويست، وأوك بارك، وكوبا وفي منزله في كيتشوم، قضت زوجة الكاتب الرابعة ماري ويلش همنغواي سنوات في جمع رسائل ودفاتر ومخطوطات همنغواي التي لم تكتمل، بما في ذلك مذكرات سنواته في باريس “وليمة متنقلة”. وفي شتاء عام 1962، سافرت إلى كي ويست لزيارة بيت صديقه “توبي” بروس، والذي استعاد مجموعة من الصناديق المتروكة في غُرفة تخزين خلف حانة سلوبي جو، والتي كانت الصالون المفضل لإرنست همنغواي. كان بروس أحد المقربين لفترة طويلة من همنغواي، وكان يعمل ميكانيكي سيارات، ، وأحياناً سائقاً لدى إرنست همنغواي..
أخذت ماري ما اعتبرته مُهماً لها وعادت به إلى نيويورك، وأعطت باقي هذه الأغراض إلى بروس. وباستثناء عدد قليل من المعارض المحلية، وبعض المساهمات العلمية، ظل الأرشيف كاملاً تحت رعاية أسرة بروس، وتشمل المجموعة أيضاً صور هيمنغواي وهو صغير، ورسائله، وبعض خصلات من شعره و 46 صورة، هدية من المصور الشهير ووكر إيفانز. وفي غضون السنوات الـ 15 الماضية فقط، بدأ العمل في فهرسة مناسبة لاغراض همنغواي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى جهود السيد شامبرلين، الذي ألف كتاب “سجل حياة همنغواي”، وهو جدول زمني لحياة المؤلف ومهنته.
فمن السهل أن نعرف لماذا اغفلت ماري ذلك الدفتر المملوء بآثار المياه. والذي لم يتبق منه سوى جزء من الغلاف، الذي رسم عليه همنغواي الشاب خريطة للجزء الشمالي لوسط الولايات المتحدة. القصة التي لا عنوان لها تتكون من حوالي 14 صفحة و تتضمن أيضاً أبياتاً من الشعر وملاحظات في قواعد اللغة.والقصة هي عن رحلة الى أيرلندا واسكتلندا كتبها هيمنغواي على شكل رسائل إلى والديه اشبه بالمذكرات، ولهذا لم تلفت الانتباه اليها. ولم تقم السيدة سبانير بزيارة السيد شامبرلين في أيار إلا عندما أدركت أن همنغواي لم يقم بهذه الرحلة أبداً، لا في طفولته ولا عندما اصبح شخصاً بالغاً وهو الاكتشاف الذي أدهشهم آنذاك. وبعدما استفاق تشامبرلين من الدهشة، قال: “يا إلهي، أعتقد أن هذه المفكرة غاية في الأهمية. إنها المحاولة الأولى لهمنغواي في الكتابة القصصية”.
في أحد اجزاء دفتر الملاحظات، يروي همنغواي الشاب قصة رجل ميت يعود للحياة مرة كل عام لإعادة بناء قلعة في أيرلندا، ويقيم وليمة ليلية. وقد كتب همنغواي يقول: “عندما يشرق ضوء النهار، وتنهار القلعة يعود أودوناهو إلى قبره مرة اخرى”.
على الرغم من عدم جودة خط إرنست همنغواي في الكِتابة، إلا أن له أسلوباً رائعاً في الكتابة. فهذه القِصة كانت تعد بكاتبٍ ذي شأن، ليس فقط من حيث القدرة على الاختصار غير المخلّ، واستخدام الصور الطبيعية، بل أيضًا من حيث خلطهِ الأسلوب التقريري بالخيال. إذ ستستمر هذه التقنية في كتابات إرنست همنغواي طوال حياته المهنية، من خلال بث الواقعية بشكلٍ سلس في قصته، لتستقر بشكل تلقائي جنباً إلى جنب مع الأحداث الخيالية، وإحداث نوع من التوازن من خلال بعض الحقائق والتجارب.
تقول سبانر: “أدركت أنها شيء مُذهل حقاً، وقطعةً فنية رائعة “، وأضافت: “إنها المرة الأولى التي نرى فيها إرنست همنغواي يكتب سردًا قصصياً خيالياً متصلاً”.
يمضي الشاب همنغواي في وصف جولته في قلعة بلارني وفقر أيرلندا. ويكتب عن زيارته إلى منزل حجري مع سقف من القش و “مظلم جداً من الداخل” وحول خنزير يجري تحت الطاولة” و “الناس يسمونه” الزميل الصغير الذي يدفع الإيجار. لا توجد علامات أو درجات في هذا الدفتر، لذلك فمن غير المعروف ما إذا كان هذا كان مسودة لأحد واجبات اللغة الإنكليزية، أو أن همنغواي كان يكتب لتسلية نفسه وربما كتبها لمجلة القديس نيكولاس، فقد كانت مجلة الأطفال تلك تقيم مسابقة أدبية شهرية اشتركت فيها شقيقته الكبرى مارسيلين.وتقول السيدة سبانر: “ربما جاء إلهام إرنست همنغواي في كتابة القصص – وبالأحرى التعلم والاطلاع – من خلال أمله في أن تُنشر مؤلفاته في سن العاشرة.اما السيد بروس، الذي يقسم وقته بين كي ويست و ليفينغستون، بولاية مونتانا فيقول: “يمكن إن يعصف الإعصار بالارشيف لكنه آمن الآن”. وهويفكر في بيع الأرشيف، لذلك يمكنه العثور على منزل جديد داخل أو خارج ولاية فلوريدا. لكنه أشار الى أن الأرشيف “يستحق أن يحفظ فى مكان آمن، لكي يتمكن الباحثون من دراسته”.
____________
*ترجمة المدى/ عن: نيويورك تايمز