خاص- ثقافات
* سفيان سعيداني
إلى كل نفس تواقة إلى ذلك العالم المدهش … و أكثر .
تلك الكلمات التي تطرق مسامعنا ليلا نهارا قد ارتوينا من حروفها حتى حفظناها ورصعناها و انخدعنا بظاهرها ، هل يسعني أن أبلور لك بكل ثقة شخصية شريط لب الأولين ؟ ، ما الأدب إذن ؟ هل أقول أنه شمول لطاقة الإنسان التعبيرية عن كل ما يشغل خواطره و أفكاره و هواجسه ليصوغها بأجمل الأساليب الفنية ؟
أم أقول : إن الحديث عن الأدب يطول ؟ يطول بنا كثيرا يا صديقي حتى يفضي بنا إلى آفاق غائرة غامضة ؟ .
وعلى سبيل فلسفة عميقة ، هل يعقل أن يكون للأدب ماهية ثابتة ؟ هل نعود أدراجنا نستشف الحكمة من أفواه الميتافيزيقيين ؟ أم نمضي في ثورتنا الجديدة دون جبن أو تورع ؟ .
و كيف لعدد لا يحصى من أفذاذ الروائيين و القصاصين أن يتشابهوا جميعا و ينحصروا في دائرة واحدة ؟ لكم هو عجيب هذا الأمر ! …
إنك و بالطبع إن كنت من المولعين بالأدب ، لتدهش أحيانا و أنت تغوص في أعماق نص ما ، قصة كانت ك” المعطف ” ل ” غوغول ” أم رواية مثل ” الجريمة و العقاب ” ل ” ديستويفسكي ” ، فتقول : هل البطل هو بطل من خيال كاتبه ؟ أم أن البطل هو ذاته أنا ؟ و لماذا مشاعره هي مشاعري و آرائه و أساليب حياته ؟ . و قد تتبنى يوما فكرة فتغيب عنك ثم تجدها قد كتبت على ورق تمسكه بين يديك و نفسك تتوق شوقا إلى ما خبأته لك السطور ، إنك لتقرأ و تستغرب ، و تتوغل قليلا فيغيب الجواب ، الأدب تخاطر يا حبيبي و الأديب شخص قد بنى واقعا في بلاط آخر لا تراه ، إنه يرى ما لا ترى و قد خاض تجربة فاستقى منها حتى تشفى ، و تلك الشخصيات التي تركت من أجلها حياتك لتتابع حياتها قد نبعت من صميمه كما تنبع أفعال سيرت بها أيامك ، و هل للفعل إلا دافع ؟ و هل للشخصية إلا هدف و رائه رمز كامن ؟ .
كيف يغريك الأدب فتتيه بين سطوره ؟ ، و كيف يقنعك الأديب أن تترك مدينتك و بيتك و نومك لتتابع أحداثا أخرى لا تملك زمامها ك ” رحلات السندباد ” ل ” كتاب ألف ليلة و ليلة ” أو كمغامرات ” أليس في بلاد العجائب ” ل ” لويس كارول ” أو أن تسير بين شوارع مدن لم يسبق لك يوما أن سمعت بها ، و أن تطارد ” ظل الريح ” ل ” كارلوس زافون ” بين أزقة برشلونة ، الأدب جغرافيا يا حبيبي و سحر لا يخالجه الحرام .
ألست ترى الجنون ؟ و لكن هل سبق و علمت أن له مذاقا رائعا ، يخبرك بهذا ” ميغيل دي ثيربانتس ” في رائعته ” دون كيشوت ” ، لماذا لا يكون لك حصان هزيل ك ” روسينيانت ” و تسعى نحو عالم الفروسية لتقاتل الشياطين و الأعداء و تسعى لكي تغنم بصديق يشاطرك جنونك ك ” سانشوبانسا ” ؟ ، الأدب جنون يا حبيبي .
ألم نقرأ يوما أشعار المكارم و الشمائل و الأمجاد و الرثاء و النعي و الهجاء ، أليست أسماء من نظموا و من ذكروا لازالت تحوم في عالمنا ” المتنبي ” و مجد ” سيف الدولة ” و حقارة ” كافور ” ، أليست المنية قد وافتهم منذ أحقاب و أزمنة بعيدة ! ، الأدب حياة و ذكر يا حبيبي و تاريخ يؤرخ .
ألم يسبق أن دق مسامعك بيت ظلت أصداؤه تتردد في أعماق أعماقك ، فرددته و غنيته كما ينشد البلبل و العندليب ؟ ، الأدب موسيقى يا صاحبي ، و غناء و تراث الفنون .
ألم يسبق أن حار فكرك أمام جملة رهيبة في رواية ” الشحاذ ” ، ” ألسنا نعيش حياتنا و نحن نعلم أن الله سيأخذها ؟ ” ، أو عندما ترهف سمعك لما يقوله ” شكسبير ” ” هل العشق يلاحق القدر أم القدر يلاحقه ؟ ” هل تراك وجدت الإجابة ؟ ، إذا فالأدب فلسفة يا صديقي .
ألم يسبق لك أن عشقت رواية استرسل كاتبها طويلا حتى قسمت أجزاء و ظللت تتابعها حتى النهاية ، الأدب مسلسل و سينما يا حبيبي .
ألم يسبق لك أن قمت ب ” رحلة حول العالم في ثمانين يوما ” أو قمت ب ” رحلة إلى مركز الأرض ” مع ” جول فيرن ” و سيزيد انبهارك بدقة معلوماته و ثراء معرفته و تمكنه من مجال الكيمياء و الجيولوجيا و الأركيولوجيا …. الأدب علم يا فلان .
و الأدب مسرح و مأساة و عبث و جد و لعب و لهو و نقد و روح و نفس …. و ” في صدري تتزاحم الكلمات ” و لست أقف هاهنا لأتخير مثل ” الجاحظ ” ….
ألم أقل لك أن الحديث يطول ، و لكن ألم تجد معي الحل ؟ …
ما أروع الأدب يا صديقي ! … و هذا يكفي .
___________
كاتب تونسي .