فليحان ترسم خارطة أخرى للوجع السوري

 

خاص- ثقافات

  • جهاد الرنتيسي

كمن يزيح التراب عن تفاصيل لوحة فسيفسائية بحثا عن المهمل من جمالياتها وأملا في العثور على ملامح عوالم غاربة تجمع ريما فليحان في مجموعتها القصصية “روح غادرت للتو ” نتفا من الوجع الإنساني لتضفي قدرا من الحساسية على خزين عذابات اللجوء .

ففي قصصها القصيرة “جدا جدا” كما جاء على غلاف المجموعة تتفوق الصورة على السرد لتستنفر ذائقة وحواس قارئ يطغى على تفكيره التعليب الإعلامي لإفرازات الكوارث التي يمر بها العالم دون تدقيق في التفاصيل.

للطريق قسوته وجبروته في قصص فليحان فهو يعاند الحقائب ويلتف بعيدا ليبقى الشغف على حاله، وتعيش المحطة عزلتها، دون اكتراث بالمسافرين الذين تحولوا إلى أسرى لسطوة الزمن، ومع انسداد الطريق تصبح الرحلة في اللاشعور موتا على سحابة عابرة للحدود .

يتزاوج في القصص الوطن المحرم والهمس القادم من الذكرى ليوصل حالة الارتباك الداخلي إلى اقصاها الذي تتكشف معه خسارة المواجهة بين ” الخوف في الوطن ” و” الهروب منه ” ففي المنافي تحتل الأوطان أبناءها الهاربين.

تحمل شخوص ريما فليحان قيود الوطن الذي فرت منه إلى المنافي البعيدة، فهي مشدودة إلى الماضي رغم قسوته ومن صلب حالة الانشداد الأقرب إلى النوستالجيا تناسلت عوالم معظم قصص المجموعة.

توضح هذه المعادلة الدقيقة لتوازن الكائن البشري ـ خلال لجوئه ـ ثنائية دموع اللاجئ في منفاه والموت في بلاده، وتحول استعادة الطفولة والأمومة من المنفى إلى حاجة للبقاء على قيد الحياة.

رغم الفرار من الجحيم الذي يكرس الحاجة للظلال يفقد الظل دلالاته ويتحول إلى وهم مع ديمومة حالة الاحتراق ليظهر قبح عري اللجوء وقسوة دروب المنافي كما توحي إحدى قصص المجموعة .

يتطلب تشريح العيش بقلوب ميتة والهشاشة الداخلية للمنفي مبضعا بمواصفات محددة تمكنت ريما فليحان من استخدامه لتكشف عن القلق الباحث عن الأمان  وشرط وجود الأم لمفارقة النزق وفي أحيان أخرى تتحول رائحة الثوب إلى دافع للتمسك بالحياة.

في أتون الغياب الذي شيدته قصص المجموعة يتحول المنفى إلى حبس انفرادي، تتماهى سطوة النوم والموت فيه، تتشابه حكايات العذاب، ويصير المحارب قتيل خيبته.

لا يبدد اعتياد العزلة والمنفى أزمة الهوية والغربة عن الذات التي تتضح في بعض جوانبها بعجز العالم الافتراضي عن فهم عذابات اللاجئ ليأخذ الخيال والحلم شكل منحى فضيلة التحرر من آثام الواقع.

الانفعالية السياسية بقيت حاضرة في القصص رغم ميل القاصة لإخضاع شخصياتها للتفكيك السيكيولوجي والبحث في اللاشعور والابتعاد عن المباشرة يظهر ذلك بوضوح في انتقاد تقصير المجتمع الدولي تجاه اللاجئين وبشكل أقل وضوحا في الإشارة الى الدكتاتور الثاوي داخل الذات الشرقية.

تختصر فليحان في مجموعتها القصصية المستوحاة من الشتات والانتظار السوريين الألم الإنساني وتعب المعذبين في الأرض وتترك من خلال بعض الغموض والقابلية لتعددية التأويل هامشا لعولمة المحلي وقراءته في المعولم من البؤس البشري.

__________

  • كاتب من الأردن

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *