رأيت، في ما يرى النائم، أن الخليل بن أحمد الفراهيدي، واضع العروض ومقنن فنونه، وهو يمسك في يده اليمنى كتابا ملفقا لإبراهيم الفقي ويتأبط تحت ذراعه اليسرى طبعة غير أنيقة لأعمال أمير الشعراء الكاملة، يقول لي:
“أبلغ عني جمهور الشعراء واتحاد الأدباء ومعاشر النقاد وياسين عدنان أبو المشارف وأحمد زايد الناقد وبلال فضل عاصر الكتب، أني من قبري هذا قد أحدثت في أمري هذا ما ليس بِرَدٍّ: بحرا جديدا من بحور الشعر.. فليكن ترتيبه بعد المتدارك _الذي لم ينل بعد اعترافي الرسمي_ السابع عشر، وليكن بحر من لا بحر له، لا يركبه ولا يمخر عبابه إلا من غرق في غَيِّ الشعر فلم يجد بعد قافيته أو أراد وزنا له في الساح فَهَمَّ أن يزيح الأوزان وأطلق العنان ليراعه بعيدا عن عيون الرقباء في عكاظ.. وأقيموا الوزن بالشعر ولا تخسروا الديوان“.
وأردف الخليل قائلا:
” يتجاوز العقبات من يتفاءل *** متفائلن متفائلن متفائل “
فنطق شوقي، أمير الشعراء، من تحت إبط الفراهيدي بكلام غير مفهوم، أظنه عن كمال الأشعار وتنمية الذات الشاعرة، لم أميز منه إلا جملة واحدة لم أدر على أي تفعيلة صاغها:
“إنه بحر المتفائل!”وما إن اختفى شوقي في شَعْرِ إبط الخليل حتى سمعت مناديا ينادي، خُيِّلَ إلي أنه أبو الطيب المتنبي وكان يقول: “إن الوزن غفور رحيم”.. ظل يكررها ويكررها حتى قلت يا ليته سكت.. فلما سكت دنا مني وهمس في أذني: “يا بني، لا تقصص رؤياك على الروائيين فيكيدوا لك كيدا“.