أنا وكائنات نيتشه السوداء

خاص- ثقافات

*حسن لشهب

تتقافز الكلمات في ذهني كالضفادع ،تنزلق من بين خلايا دماغي ،أعجز عن الإمساك بها عساني أقول ما يراودني ، وثمة غيم رمادي في الذهن كأنني تائه في الغيهب … فتأبى العبارة   حمل قولي ، يغمرني الأسى فأنسى الكثير، وفي ظلمة الليل  أتامل روعة السماء ولمعان النجوم …
عذرا أيها السادة دعوني أعرفكم بنفسي:
إسمي عبد الله ويحلو للبعض مناداتي بأسماء أخرى عبد الرحيم…عبد الغني …عبد الرحمان …عبد ربه …عبد الإله..  صحيح  تذكرت اللحظة أنا عبد الإله نعم عبد الإله .
أعاني من مشكلة بسيطة وهي أنني أنسى كل شيء بسرعة البرق ..ماذا كنت أقول ،كان الفقيه يرعبني وأتلعثم وأنا أستظهر ما حفظته من آيات …
“اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم…. ” ويتعثر اللسان، ينشف الريق ،ترتعش أطرافي كأفنان شجرة في مهب الريح وترتفع يداي لاتقاء العصا النازلة من السماء كالطود….
ماذا كنت أقول …
نعم كنت أبحث عن حبوب حمراء وصفها لي الطبيب  يقول أنها تساعدني على النوم وربما تفتح الشهية للأكل والجنس ، ولكن هل أنا متزوج ! هل لدي أطفال وأصدقاء مممم لا أدري .
أنا عبد القادر…
لما واجهت  المرآة  هذا الصباح رأيت وجها لا أعرفه،
ذكرني بصورة الأشباح المرعبة المثبتة على أحد نصوص القراءة بالقسم الابتدائي ، رفضت قراءة النص يومذاك رغم صياح المدرس وتهديده، رفضت القراءة  حتى لا ترسخ صورة هذه الأشباح بذهني وتهاجمني بالليل في غفلة عن كل الناس، واجهت  بسبب عنادي عقوبة ما تزال بالذهن عالقة .
الصورة التي عكستها المرآة هذا الصباح كانت مخيفة أيضا
بيدي شفرة حلاقة فضية لامعة الأطراف ، و لسبب ما تزاحمت في ذهني أسماء ووجوه أرسطو وابن سينا وابن طفيل  وإيكو وفوكو  وأرطو وغوغول  وسارتر …آلمني رأسي  بشدة وصرت أضرب  وجهي بشفرة الحلاقة   بسرعة خاطفة ، ضربات خفيفة كلسعات النحل  ولكنها كافية لاختراق الجلد مليمترا أو أكثر قليلا وبدأت دمائي تسيل ، ابتسم الوجه وظهرت أسنانه الصفراء ربما بفعل التدخين أو قلة النظافة، ها أنت ترى يا أرطو يا ابن الزانية أنني انتقمت للناس من ترهاتك
و عبثك  ، لقد ” شرملتك ” بشكل احترافي …
سمعت امرأة ما تصرخ، صحت في وجهها  لكي تصمت  فانكتم صوتها بلمح البصر … .
طلبت مني الممرضة الجلوس بهدوء لكي تفحص وجهي فأنزلت سروالي …لم أكن ألبس تبانا ففرت مذعورة وهي تصرخ … هرعت إلى الغرفة  زمرة ممرضين لتبين الوضع وكنت قد أنهيت نزع ملابسي بالكامل . يا ابن الكلبة صاح أحدهم . قلت له : لا لا يا صديقي أنا عبد الودود ولست ابن الكلبة …
فسألني  :
لم فعلت بوجهك هكذا ، فقلت له نيتشه ابن الزانية يستحق أكثر يستفز الناس بشاربه الكثيف ونظراته المتعالية ، تصور أنني نجحت في حلق شاربه دون أن يبدي مقاومة تذكر، ولما أنهيت مهمتي المستحيلة طلب مني أن أملأ كوبه من ماء عين جبلية فالإنسان الأعلى لا يشرب إلا مياه الأعالي قال.
ضحكت مستهزئا  وقلت له لأنك لم تذق الشاي المغربي بالنعناع المكناسي أيها الغبي…
لقد جاء بهذه الكائنات السوداء التي تنبت في الوجه ، فكان من الضروري محاربتها والأهم هو مواجهة المعتدي دائما هكذا علمني والدي  وأجدادي بجبال الأطلس والريف وجبل صاغرو والصحراء ..
لقد جئتك بالحلوى الحمراء قالت الممرضة التي صرخت جراء الاستقامة المنبعثة من أسفل بطني …طلبت منها أن تقبلني وترضعني من ثديها المكتنز اللذيذ أكثر من الحلوى لأثير غيرة ابن تيمية الذي قطب بين حاجبيه…
أعطاني الممرض وزرة بيضاء وساعدني على إغلاق الأزرار وخصوصا السفلية  وفتح باب مكتب طبيب  اسمه سيجموند فرويد فقال لي إنه رجل طيب يجيد الاستماع بإمكانك أن تقول إليه ما تشاء.
الطبيب كان منشغلا بترتيب ملفاته وهي كما تعلمون مهمة جدا .
كنت أقول للطبيب الطيب أنا عبد ربه جئت إلى الدنيا  ” لا أدري من أين ولكني أتيت ، ووجدت الطريق أمامي  فمشيت وسأبقى سأئرا شئت أم أبيت ” أحمل في صدري قلبا ينبض وعينا  ترى  كل شيء ولا تحتفظ بشيء…  وثمة انقباض مستعص في  القلب يخنق الأنفاس ، تقلقني وجوه  أرطو ونيتشه وسارتر وفوكو وماركس وغوغول …وها أنا أمامك الآن يا فرويد ..
آه هاهي حبوبي الحمراء التي وصفها لي الطبيب …
كانت فوق الطاولة فقط غير بعيد عن يدي اليسرى.
لم وضعوا تحت يدي ورقة وبين أصابع يدي اليسرى قلما ؟، ولم اليد اليسرى ؟.أظن أنني أكتب باليد اليمنى من اليمين إلى اليسار .
نظرت إلى الطبيب شزرا فطلب مني أن أكتب ..
فقلت ما أنا بكاتب.أريد أن أقول الكثير وأسامركم طوال ليال مثل التوحيدي .
لكنني أنسى  كل شيء هل تفهم ذلك أيها الطبيب ؟ لا تحدثني عن  الكبت و الهروب من الألم واللاشعور … صوب الطبيب نحوي نظرات نارية  و الدم في عروقه يغلي فاصطبغت عيناه بحمرة قانية…
اشتد غضبي فألقيت بالكتب الموجودة فوق مكتبه على الأرض … كان بدوره في قمة الغضب لما رأى الأرض
تغزوها حروف وكلمات تشبه كائنات نيتشه السوداء،تتسرب من بين الصفحات كالدود … كانت تزحف على الأرض كسيحة تائهة لا تلوي على شيء أدهشني ما رأيت ..كدت أفقد وعيي من شدة الرعب..
رأيت يده ممتدة وسبابته تشير إلى الكلمات والحروف وبلهجة آمرة صاح:
_ عليك أن تعيدها إلى أماكنها وإلا فأنت ميت لا محالة .
فتحت الكتاب الأول ، كانت صفحاته فارغة وكذلك الثاني والعاشر يا إلهي هل أصيبت الأفكار والكلمات بالجنون ….
أخذت القلم الذي وضعوه بين أصابع يدي اليسرى وبدأت أكتب من  اليسار إلى اليمين، ولما أتعب أنقله إلى اليد اليمنى لأكتب في الاتجاه المعاكس عساني أكتشف مصدر هذا الداء الغريب  ..
وهكذا صرت كاتبا…
عذرا أيها السادة لم أقدم تفسي لكم بعد….
أنا عبد ربه الكاتب  عن حريتي أبحث وهم يمنعون عني حق  الاختلاف، لكي أكون أنا ، فأنا أكره كائنات نيتشه ولكنني أعشق تفكيكها على طريقة الجرجاني وليس على طريقة دريدا فأقضي الليل في المارستان الذي سجنوني فيه بصحبة هذه الكائنات الهشة التي تسامرني بالليل وتدفعني إلى كسر القيود والانطلاق فوق المعنى نحو المجهول….

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *