في إحدى القرى المنسية الواقعة بين سلاسل من الصخور التي تظهر كقيد جغرافي يشل الناس والحيوانات معا ويجعلهم ينتظرون حدوث أمر جديد غير معتاد ، وقع حادث غريب . كان الناس بالقرية يشبهون آلات محدودة الحركة ، ترافق أغناما قليلة ، أو تقوم بحراثة أراضي سبخة قاحلة طوال السنة ، أو تعمل على جني بعض ثمار فاكهة التفاح التي عرفت بها البساتين التي تحيط بالقرية . لا شيء في القرية يحدث اليوم لم يكن موجودا بالأمس ، ولم يتوقع جميع الناس بهذه القرية أنه سيحدث شيء يخالفها غدا. الحياة تمشي كأنها سلحفاة صغيرة جدا ، وبطيئة بشكل يجعلها ثابتة . العمر وحده هو من كان يقنع الجميع أن الحياة تتغير ، أما ما دونه من الأشياء فلم تكن تشير إلى أي تغير ؛ فدوالي العنب القديمة جدا مازالت نفسها لا تقدم إلا الشحيح من الثمار ، والدور الواطئة والطينية لم يحدث بها أي تغيير منذ زمن ، وصوت نباح الكلاب الذي يكسر هدوء الليل كان هو نفسه دائما كأن نفس الكلب منذ زمن هو من ينبح ، والثعالب التي كانت تُغير إغارات متقطعة على الأغنام والدجاج ظلت تغير دائما ، وظل سكان القرية يلاحفونها كلما شعروا أنها قريبة منهم . لم يحدث في القرية منذ أسسها الجد الأول الذي ربما جاء هاربا من حكم قضائي ما ، أو فقط فكر في الابتعاد عن صخب المدينة، والاختلاء بين هذه الصخور ليدرك الله في سمائه ، أي حدث يشير أنها حية . القرية كانت ميتة بشكل من الأشكال ،حتى أن الذين يمرون بسياراتهم ، أو راكبين على حافلات النقل العمومي ، لا يرونها من النوافذ مع أنها لم تكن بعيدة كثيرا عن طريق وطنية كثيرة المنعرجات . قلة من ساكنة القرية فهمت أنها تعيش بمكان ميت ، يصلح للبقاء إلى أن يأتي الموت ، لكنه لا يصلح للعيش أبدا ، لذا قررت هذه القلة ، وفي أول فرصة صادفتها ، تغيير المكان ، والسفر جهة المدن التي تبدو أبراج مبانيها عالية . امتد الروتين فوق الفرية كسحابة ثابتة في كل الفصول ، ولم تظهر أي مؤشرات أن هناك شيء ستمطره السماء على القرية سيغير هدوءها وموتها . في أحد المساءات الباردة ، وبعد أن أوصل كل الرعاة الهزيلين أغنامهم بعد يوم من الرعي الطويل وقليل الكلأ ، واستعدادهم لأخذ وجبة فقيرة من الأكل ، والتمدد على أكوام التبن والقش ومراقبة السماء ، سمع دوي انفجار قوي ، اهتزت له كل حطآن البنيات الطوبية بالقرية ، بل إن بعضها تهدم بالفعل على أصحابها . بدأت الكلاب تنبح ، وتخرج فارة إلى وسط القرية . الأغنام هي الأخرى صار ثغاؤها مضطربا ، وبه رنة من الخوف الواضحة . قوقأات الدجاج تسارعات حتى صارت مزعجة . بدأ رجال القرية يحوقلون ويستعيذون بالله ، كانت أعينهم تحمل حكاية قديمة سمعوها عن آبائهم ، الذين سمعوها بدورههم عن آبائهم . نسى الجميع الحكاية ، فلاشيء في القرية كان يؤكد صحتها ، ثم أنها حكاية ككل الحكايات التي يمكن أن ترويها الجدات الثرثراث للحفدة . الحكاية كانت تقول ؛ سيحدث يوم يأتي الشيطان في أحد أشكاله المتعددة والتي يختبئ وراءها كي يأخذ هذه الأرض ويطردكم منها … لا أحد من القرويين الهانئين بعيشتهم كان يعير الحكاية انتباها ؛ فأي شيطان سيطمع في أرض بالكاد تثمر فيها فاكهة التفاح ، وبها آبار يختلط ماؤها بالتراب ، ولا تفارقها الثعالب . حين سُمع صوت الانفجار تذكر أغلب الرجال المتقدمين في العمر الحكاية ، ووضعوا أياديهم على قلوبهم ، فهاهي الأرض التي لا تساوي شيئا ، والتي رضوا بها مستقرا لهم سيأخذها شيطان ما . بدأ الظلام يحل على القرية. لم تشهد القرية ظلاما كهذا يوما ما ، فلم يكن الرجال الذين بدأوا في البحث عن مكان الصوت يرون أياديهم ، بل إن خطواتهم كانت تزداد تعثرا لشدة الظلام ، مما جعلهم يؤمنون حقا بالحكاية . تعب القرويون من البحث عن مكان الصوت ، وحين عادوا إلى بيت زعيمهم ،تحدثوا بأعينهم فقط ، وتركوا أمر اكتشاف الصوت إلى الصباح . لم ينم أحد من سكان القرية تلك الليلة ؛ الشيوخ ، والرجال الأشداء، والنساء الصلبات كالجلاميد ، والأطفال الصغار . الكل كان يحس بهول الحكاية ، وحقيقتها ، وبأن الأجداد المؤسسين لقريتهم لم يكذبوا . في الثلث الثاني من الليل ، وحين اشتد على زعيم القرية وكبيرها الهم ، وكترت بأحشائه الأفكار السيئة ، قام يلف على جميع البيوت الواطئة والقليلة كي يخبر الرجال بها بضرورة جمع كل ما يمكن جمعه ومغادرة القرية . كانت كلمة زعيم القرية كأنها كتاب مقدس ، بالإضافة إلى أن ما طلبه من الرجال هو نفسه ما كان يفكر الرجال فيه . كان يخبر كل رجل بضرورة الرحيل قائلا : أظن أنه ليس من اللائق أن نشاهد الشيطان صباحا وهو يسلب أرضنا ، لنترك له هذه القفار . بعد نصف ساعة كانت القرية خالية ، وابتعد سكان القرية مع ماشيتهم وأثاثهم القليل مسافة مناسبة كي لا يدركهم الشيطان . في الصباح بدت القرية خاوية على عروشها ، وذبلت تلك البساتين القليلة التي كانت تثمر أشجارها فاكهة االتفاح ، أما مكان الصوت الذي سمع بالأمس فلم يكن هناك ما يشير إليه .