خاص- ثقافات
*طالب همّاش
ماذا يا أمَّ عذابي
ماذا يا ( أُمَّايْ )؟
ماذا غيرُ فراقٍ تترقرقُ عبرتُهُ في الروحِ
وغيرُ غناءٍ يتقطّرُ من وجدانٍ مجروحٍ
وتنهّدِ أفئدة ٍ
تتنهنهُ بين شفاهِ النايْ ؟
تعتصرينَ دماءَ الصبر ِعلى طبقِ الغصّاتِ
وماءَ الصبّارِ المرِّ على طبقِ الحسراتِ
وتصغينَ بقلبٍ ملتاعٍ
لغناءٍ يتنزّلُ من جوعِ الليل
على صحنِ بُكَايْ !
ما عزّاكِ
ذلُّ عزيزٍ في زنزانةِ هذا الليلِ
ولا واساكِ حزنُ ذليلٍ
تحتَ زنوجةِ هذا الحزنِ
ولا سالت عيناكِ الباكيتانِ
على كأسِ أساي !
( إبْنَاكِ ) سنبلتانِ من الحزنِ
تكبّانِ على قدحِ الدمعِ
وسنبلتانِ تعبّانِ الدمعةَ
من قدحِ الغربةِ ( إبنايْ )!
…سنبلتانِ تعبّانِ السكرَ سواسيةً
من نبعةِ عينيَّ صغيرايْ !
… وبكتْ روحُكِ بعد فراقِهِمَا
مترقرقةً بالعبراتِ
بكت روحي واغرورقتِ الأعينُ بالدمعاتِ ..
وآهٍ كم هوَ رقراقٌ في القلبِ الموجعِ دَمْعُهُمَا
فعلى أيّ مقامٍ يبكي في الغربةِ
طفلاكِ يا أمّايَ وطفلاي ْ ؟
وفقيرةُ هذي الغربةِ أنت يا أمّايْ !
ستجرّينَ بنفسٍ مستسلمةٍ لمراراتِ الأيام ِ
صغارَ مراثيكِ …
وأجرُّ بنفسٍ مستسلمةٍ للحسراتِ
صغيراتِ أساي ْ !
ستجرّينَ على دربِ المغربِ
شيخوختكِ المهجورةَ كالنعشِ الباكي
وأجرُّ على دربِ الهجرانِ المهجورِ
نعوشَ ( حزانايْ ) !
وتصيحينَ بصوتٍ مهزومٍ
صيحاتِ أسىً في الناسِ
فمن سيبادلُ عينيكِ الدمعَ
على فقدانِ حبيبٍ غابْ ؟
وبمن يتعزّى في ساعاتِ الذلِّ حزينٌ
حين يعزُّ على العزلةِ أن ترأفَ بالأغرابْ ؟
وبأيّ مغارةِ ليلٍ يجلسُ كالمغلوبِ
ويبكي في الليلِ مرارةَ هذي الغربةِ
من كانَ بلا أترابْ ؟
فهناكَ على كلّ طريقٍ
ولكلّ غريبٍ
ينعبُ فوقَ خرائبِ هذا الكونِ غرابْ .
رفقاً يا روحُ برقراقِ العبراتِ
على الغائبِ
رفقاً يا حزنُ بتقطير دماء القلبِ
على الغُيَّابْ !
للأيّامِ مذاقُ الدمع ِ
وعبرَ الريحِ الميتةِ يعبرُ لحنُ الريحِ الموحشُ
في الحاراتِ البردانةِ
ويهزُّ على شجرِ البردِ العاري
أعشاشَ بُكايْ .
للأيامِ مذاقُ الدمعِ
وكأسُ مرارتها المترعُ لا يُسقاهُ سوايْ !
فأنا لا أسمعُ إلا نغماتٍ موجعة
تعزفها الأقدارُ السودُ
وأوجاع ( مواويلٍ ) مترعة بالحسراتِ
وعنّات نواعيرٍ راجعة
تمتصُّ دلاءَ دموعي ودمايْ !
فإذن ماذا يا أمَّ عذابي
ماذا ماذا يا أمّايْ ؟
ماذا غيرُ كآبةِ هذا الغيمِ الراحلِ
أكفاناً .. أكفاناً في دنيايْ ؟
ماذا غيرُ طواحِ قلوبٍ
منحوبٍ تحت حطامِ الريحِ
ولوعةِ روحٍ من حرقتها في الجمّارِ
تؤجّجُ روحَ النار ْ ؟
ماذا غيرُ قصائدَ مثخنةٍ بمراثي اليأسِ
وساعاتِ وداعٍ
تترخرخُ فوق وجوهِ الرُّحّلِ
رخرخةَ الأمطارْ ؟
أيكونُ مصيركِ كالصبّارةِ في الصحراءِ
وهل صارَ مصيري
شجرةَ حورٍ عاريةً في باحةِ دارْ ؟
يا أمّايَ
وأيّةُ روحٍ جالبةٍ للآلامِ
وسوءِ الطالعِ هذي الروحُ
وأيّةُ نفسٍ منجبة للوحشةِ
نفسي المعجونة بالألمِ الجبّارْ ؟
كم دوّرنا بعد خريفِ العمر
رحى الأيامِ
لنطحنَ أحزانَ الريحِ
فلم نطحنْ غير نحيبِ الآهات المبحوحِ
على ما ضاعَ من الأعمارْ.
مرَّ الناسُ وغابوا
مثلَ ظلالِ الغيمِ العابرِ فوق جدارْ .
مرَّ الناسُ ..
وإيقاعُ البحرِ المقفرِ
يقفو إيقاعَ خطاكِ في الليلِ
وناعورُ العزلةِ يقفو بعنينِ كهولتهِ الضائعِ
إيقاعَ خطايْ !
فإذن ماذا يا أمّ عذابي
ماذا يا أمّايْ ؟
الصيفُ يرخرخُ في الكثبانِ حرارتَهُ المحروقةَ
والأملُ المهزومُ يطيرُ بعيداً
بجناحيهِ المحترقينْ .
يا أمّايَ أكلّ مغيبٍ
تبكي منكِ الروحُ ،
أكلّ وداعٍ تدمعُ منّي العينْ ؟
تغرسكِ الغربةُ كالزيتونةِ
في تربتها الثكلى
وغرابُ المغربِ يطبقُ فوق لياليكِ
ثقلَ جناحيه السوداوينْ !
مَنْ غيرُ الريحِ سينشرُ فوقَ خريفِ
العمرِ العابرِ أكفانَكِ
من غيرُ الليلِ
سيسمعُ من شبّاكِ الشتويّةِ شكوايْ ؟
..يتذكّرُ قلبي النازحُ مجروحَ مراثيهِ
فيهتزُّ معَ الريحِ
وقلبكِ لا يتذكّرُ غيرَ عزاءٍ
يُذكي اللوعةَ في مبكايْ !
يا أمّايَ أكلّ خريفٍ
تتساقطُ أزهارُ النعي على نعشِ العزلةِ
وتشيّعُ كلّ عزاءٍ
موسيقى الندمِ السوداءُ مواتَ مسائي
وسكينةَ دنيايْ ؟
فالأيامُ كمنجاتٌ تتبادلُ ذبحَ
عصافيرِ القلبِ المتعبِ
والآمالُ فؤوسٌ تتبادلُ تمزيقَ
قميصِ العمر البالي
وسكاكينُ الأصواتِ السودِ
تصلصلُ في سوداءِ أسايْ !
أنتِ نزفتِ دماءكِ
في طرقِ الهجراتِ إلى المنفى
وأنا أنزفُ في طرقاتِ الليلِ دمائي
ودموعي بحثاً عن منفايْ .
وأنا أقفُ اليومَ وحيداً
عندَ نهاياتِ الليلِ
وأصرخ ُصرخةَ رعبٍ يا ربّايْ !
أصرخُ ..
ماذا بعدَئذٍ ماذا
ماذا يا أمّايْ؟
طالب همّاش
talebhammash@gmail.com
سورية – حمص