توطئة مقتضبة للتجربة التشكيلية للفنان المغربي الشيخ زيدور

خاص- ثقافات

*الفنان التشكيلي محمد كريش

 يبدو زيدور  فنانا  بنفس  وتوق إيمبيدوكليس اليوناني، يعتلي فوهة  بركان متهيج  ثائر… فنان شاب متحفز، يقتفي أثر التفاعل  الخلقي الأولي. إذ بدأب السابر الملازم، يرقب بإمعان  ذاكرة الانفجار الأول (الانفجار العظيم) وذاك النفث الأبدي  لتلك الصهارة النارية البدئية  الهيولية. فمن ثمة، كان ذات لحظة، البدء والانطلاق… من ذاك الهباء الغباري الكوني الشتات. السائح  والهائم في سديم الكون المعتم الساذج. انبثقت الأرض/الحياة. الموطن الإنساني. ومن ثمة كذلك، تناسل المادي الجامع، وتكامل الوجود العاقل المتفرد وانتسجت  كينونته وهويته…

وكأن الفنان زيدور قد طال “سجيتَه الإبداعية” تلك البصمة التوترية للانبجاس البدئي، وتخللها  ذاك الانفعال الوجودي “الخالق”. فغدا  مجتاحا  بمتعة  لعبة  تجريب الاستفراغ الجواني والتحرر. لكنه تحرر مضطرب بعنصري “المتناقض والمتضاد”. وذاك، عبر فعل  انضغاط الأشكال بالتركيم  والتكديس، الذي يفضي نهاية إلى التفجر والبعثرة والانشطار العنفواني…إلخ. فهكذا؛ الفضاء  -ذو بعدين- لدى زيدور  يستحيل  إلى سديم غائر بعمق مجرة. حيث  في وسعها اللامتناهي،  يمارس الفنان  مسرَحة  هواية  تفجراته النورانية  وشطحه الإبداعي…

– كل دوَّار يبعث الحياة من جديد، ويكتنز ديمومتها. أما الثابت فمآله الخمول، التبدد والانتفاء.

دوائر زيدور المشتعلة على الدوام، والمتحركة أبديا إلى حيث لاسبيل. تلك التي  تحوّطها  في انضغاط على الدوام، عوالم العتمة والحلكة. دوائر  ينبجس بداخلها  ذاك الإشعاع والتوهج النوراني الحاد، المتفجر بالنقيضين: النور/الفاتح وضده القاتم، وبالبياض والسواد في آن… دوائر تشكل كل منها  ملحمة متفردة  للانعتاق من ربقة الغياب. من العماء. إلى مسرح الحضور، المعاينة والافصاح. الدائرة لدى زيدور تختزل في جوهرها: النواة، الذرة، النقطة… تلك النطفة التي تحوي سر الحياة  والباعثة “للخلق”. النقطة المحور، مدار الوجود ومعدنه…  هي النفق النافذ إلى الصمت الخلفيّ  للصورة/اللوحة… للرؤية. حيث مجلى  ممانعة الأضداد وطِلَسم  البصري وحكيه.

النقطة فحوى. تكتنز في ذاتها “المكور/الرحم”. رحم هو حيز تخاصب: “ظلمة/عدم”  تُجاور “نورا/حياة”  في آن. رحم  هو محضن  ومستودع  الحياة البكر؛ النبض الأول… من هناك؛ ينبلج الوجود  في دوارن  انبعاثي، متجدد لانهائي. من ثمة، في  اصطكاك  عنيف للنقيضين، تتفتق الحياة/الوجود مندفعة من غياهب تلك الظلمة والعدم، لخوض  سبر  مسرى الكون ومسارب الأقدار والحتميات، صوب ظلمة أخرى، إلى دمَس الفناء والموت المآل.  صوب عدم البدء…  صوب النهاية.

فبالقدر الذي يخوض الفنان “لعبة التفجير” في فضائه البصري، بالقدر نفسه تجتاحه  حاجة ملحة  في وأده  باحتوائه والمسك بمنفلتاته، والحد من انتثار وانطلاق شظاياه. وذلك عبر كبحها وعقلها بأثر حركيات  قاتمة، متفحمة السواد. تختزلها خطوط وتلطخات انفعالية، تلقائية متوترة. تنقض متشابكة  طافية على “السطح الفوهة”، تسيّج ملامح الانبعاث المتفجر  للفضاء التشكيلي. ذلك باندفاعات وجدانية متناثرة… كأختام كتابية صينية، تقليدية متصدعة.

هكذا؛ ومن خلال “البسط والقبض على مستوى دينامية الشكل واللون” ينتهي الفضاء التشكيلي، عموما، إلى فضاءين اثنين: فضاء البسط، وفضاء القبض (أي الكبح).  حيث يقوم سند البسط والإطلاق؛ بالفاتح النوراني. أما الكبح والتقييد، فبالقاتم المضاد. فالتناقض هنا، بكل منطلقاته الشكلية واللونية والحركية… له رمزيته الخاصة في بعدها وسياقها “السيميائي” والجمالي والمعرفي…إلخ.

إنها الذات تستفرغ  ذاتها، وتعاود انبعاث نفسها  بنفسها من جديد، عبر صوغها  بالنور والعتمة. والضد ونقيضه… صوغ  بالانفجار.

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *